لم نسمع يوماً عن اسقاط الجنسية عن الجواسيس من المصريين الذين باعوا مصر لدول معادية لا في أوقات الحرب ولا في أوقات السلم.. لم نشهد أبداً حكماً في هذا الصدد.. حتي قضية شريف الفيلالي في عام 2000 الذي اتهم بالتجسس لصالح اسرائيل.. حكم عليه بالسجن 15 عاماً هذا قبل إعادة المحاكمة وصدور حكم ببراءته فيما بعد.. لم نشهد متطوعين أقاموا دعاوي علي هؤلاء الجواسيس.. لذلك توقفت عند خبر إسقاط الجنسية عن موريس صادق المصري المهاجر.. لكنني وبكل أمانة قلت في نفسي »يستاهل«..لكنني وبعد أن قرأت مقالاً لاحدي كاتبات »الوفد« اسمها فكرية أحمد.. شعرت ان الأمر يجب ألا يؤخذ بهذه البساطة.. والسطور الآتية ليست دفاعاً عن المهندس موريس، بل انني أؤكد انني اختلف معه بنسبة مائة في المائة في الطرح والطلبات والاسلوب... وليست كرهاً في مهدي عاكف المرشد السابق لجماعة الاخوان المسلمين الذي أهان مصر في اكثر من موضع،. وانما تساؤلات حائرة تبحث عن ماهية ارساء معيار وحيد لاسقاط الجنسية المصرية عن أي مواطن مصري من عدمه. فالمعيار الوحيد الذي يجب الأخذ به هو المحددات القانونية الواضحة وليست المطاطة التي تخضع لهوي أحد فيستخدمها تارة للتهدئة أو للارهاب وتارة في مكانها.. وبين هذا وذاك يفقد مصدرو الحكم باسقاط الجنسية مصداقيتهم امام الجميع وندخل التيه المرير.. لنتخبط فيه من مأجور لمغلول يريد ان يتشفي في شخص ما فيتصيد له رأياً هنا وهناك بغية الانتقام ليس إلا. فموريس صادق احد اقباط المهجر،جاء الحكم باسقاط جنسيته علي خلفية الدعوي المقامة من احمد علي وسليمان حمروش وعلاء علم الدين،ضده وضد رئيس مجلس الوزراء بصفته، ووزير الداخلية بصفته، ذكرت الدعوي ان المدعي عليه موريس صادق يحمل الجنسية المصرية، الا انه واعتباراً من عام 1999 هاجر الي الولاياتالمتحدة، وتجنس بجنسيتها هو وكل افراد اسرته وعدم دخوله الي الأراضي المصرية وشطب اسمه من نقابة المحامين وقال المدعون ان موريس منذ هذا التاريخ يعتقد انه بحمله للجنسية الأمريكية، صارت لديه الحصانة التي تحميه من تبعات التطاول والتحريض علي مصر شعباً وحكومة والتطاول علي الذات الإلهية، وعلي الرسول الكريم وعلي القرآن الكريم، وعلي الأزهر الشريف، وراح يصدر البيانات الكاذبة ويسعي للتحريض ضد مصر التي يحمل جنسيتها سعياً الي تدمير كيانها الشامخ. والمفارقة العجيبة التي نرصدها هنا ليس الادعاء الذي رفع علي موريس وانما الاستجابة له في حين ان مهدي عاكف المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين سابقاً قال:»طظ في مصر«.. ذلك بخلاف ما حدث طوال الفترة السابقة من شيوخ السلفية الذين تطاولوا علي الدين المسيحي بالشتائم وعلي رموزه ايضاً ولم يحاسب احدهم بتهمة الازدراء بالأديان ولا بالانجيل ولا بالكنيسة الأرثوذكسية فأين المعيار الثابت لاسقاط الجنسية؟. ام ان مصر لابد وان تنتظر كارثة لتسقط الجنسية عن كل المخربين؟! وعندما ظهر متطوع لرفع دعوي لمحاسبة عاكف علي اهانة مصر..فوجئنا ان محكمة جنح مدينة نصر قد برأت مهدي عاكف من تهمة سب واهانة الشعب المصري عبر حوار نشره باحدي الصحف اليومية، جاء فيه ان عاكف ردد عبارة: »طظ في مصر.. وشعب مصر«، نظرت المحكمة الدعوي لمدة »5« جلسات ولم يحضر عاكف لسماع اقواله فصدر الحكم برئاسة المستشار حازم صالح والسبب ان المدعين ليست لهم صفة لاقامة الدعوي، فقررت المحكمة تبرئته ورفض الدعوي المدنية والزام المدعين بالاتعاب، هذا للذكري فقط.. وعلي العقلاء الفرز.. والمتربصون يمتنعون. والمشكلة هنا ليست في المقارنة بين موريس وعاكف وانما في تداعيات نزع الجنسية عن أحد أبناء مصر بشكل مخالف للقانون.. اذ راح البعض يزايد علي وطنية الاقباط ويصف كل من يغضب ولو حتي عن جهل مثلما حدث من بعض الاقباط الواقفين امام ماسبيرو بانهم مخربون ومتآمرون علي مصر بل وذهب الي المطالبة باسقاط جنسيتهم عنهم مثل المقال الذي نشرته فكرية احمد في جريدتكم الموقرة »الوفد« يوم »30 مايو« تقول فيه بالنص »كان قاسياً علي وعلي ملايين غيري من الشعب العاشق لتراب مصر، ان نسمع صوت الخيانة يصم الآذان، صاخبة هادرة من بعض المسيحيين استنجاداً بالغرب أو طلباً بتدخل اسرائيل، لرفع ما يشعرون به من ظلم علي أرض وطنهم مصر، كان شيئاً خارقاً للطبيعة البشرية ولا يمكن تصديقه ان يتم البوح علناً بالخيانة للوطن وبصورة متبجحة لا حد لها.. ثم طالبت فكرية باسقاط الجنسية المصرية عن هؤلاء لأنهم لا يستحقونها وطالبتهم بان يذهبوا هم الي الغرب الذي يستنصرون ويستنجدون ويستقوون به علي مصر ليعيشوا في هذا الغرب، وليكتشفوا بأنفسهم زيف العدالة والديمقراطية، بدلاً من ان يطلبوا من هذا الغرب أو العدو الصهيوني المجئ لغزو مصر«، وإليها أقول: »كنت من هؤلاء الواقفين هناك لم اطلب التدخل ولا الحماية الخارجية بل اشتبكت مع من طلب هذا المطلب.. فهل تعلمين لماذا اشتبكت معهم لأنني كنت اشتم صيحات التخوين علي بعد ايام من الحدث.. كنت أعلم انه ما من احد يمكن ان يعذر هؤلاء المجروحين في وطن لم يستطع حمايتهم من وجهة نظرهم وكان لزاماً علي ان اتفهم موقفهم فنزلت اليهم ووقفت معهم حتي عدلوا عن هذا المطلب. فماذا فعلت انت؟ هل ذهبت الي ماسبيرو وتلاحمت مع الناس لتعرفي سبب غضبهم او ماذا يدفعهم الي تلك المطالبات؟ هل تعلمين حجم المرارة التي خرج بها أقباط المهجر من مصر ولا أدافع عنهم لكنني فقط اطلب ان نتعاطي مع الأمر من مختلف الزوايا فجميعنا مصريون هل الكاتبة فكرية احمد حملت عبء المواجهة لمن احترقت منازلهم في أبو قرقاص لتعلم انه بالفعل هذا ما حدث لهم في امبابة وأبوقرقاص وغيرها من المناطق التي نفت حدوث ذلك فيها ولا اعرف من اين لها بالدليل علي ان الوقائع لم تحدث؟ اين كانت الكاتبة حينما حدث الهجوم علي ماسبيرو؟ أين كانت حينما ذهب الشباب من المستشفيات الي نيابة وسط باب الخلق كل بمحضر رسمي ليتحول المصاب الي متهم سوف تنظر قضيتهم يوم »4 يونية«.. بتهم ابعد ما تكون عما حدث.. وكل جريمتهم انهم وقفوا يدافعون عن انفسهم يوم السبت الدامي.. ولم يتم القبض علي أي شخص ممن كانوا فوق كوبري »15 مايو« بتهمة مهاجمة المعتصمين.. ابذلي بعض الجهد واذهبي لقاعة المحكمة يوم »4 يونية« ربما تتمكنين من الاقتراب من الصورة التي قررت الكتابة عنها بمنطق المتفرج وليس المشارك. أيضاً لم اسمع احداً ممن ثاروا لإسقاط الجنسية عن هؤلاء الاقباط يتفوهون بكلمة حول المتزوجين بإسرائيليات والذين جاء الحكم الصادر من القضاء الاداري برفض الدعوي المقامة لاسقاط الجنسية عنهم ووصف المحللون والخبراء ذلك بانه ضربة قاسية لحملات مناهضة التطبيع في مصر إذ أوصت هيئة مفوضي الدولة أعلي هيئة استشارية قضائية برفض دعوي اسقاط الجنسية المصرية عن المصريين المتزوجين من اسرائيليات وطالبت الهيئة في تقريرها الذي اعلنته المحكمة الإدارية العليا بالغاء حكم أول درجة الذي يقضي باسقاط الجنسية المصرية عن ازواج الاسرائيليات. رغم اجماع الخبراء علي ان السماح لأبناء هؤلاء الشباب من زوجات اسرائيليات بدخول مصر سيخلق أزمة ولاء مزدوج مع امكان تورط هذا الجيل الجديد في انشطة استخبارية تضر البلاد بشدة وأرجعت الهيئة رفضها الي ثلاثة اسباب هي ان المحامي الذي اقام الدعوي غير ذي صفة وهو المحامي المصري نبيه الوحش وان محكمة اول درجة التي أصدرت حكمها باسقاط الجنسية أحلت نفسها محل الجهة الإدارية وحكمت في قرار سيادي بالمخالفة للقانون وان قانون الجنسية المصري لم ينص علي سحب الجنسية من المواطن الذي يتزوج من جنسية أخري. وفي النهاية أود فقط الانتباه الي انه اذا حمل الكاتب علي عاتقه امانة الكلمة فلابد ان يكون قاضياً عادلاً وليس جلاداً ماهراً.. ان يكون عقلاً بصيراً وليس عيناً مبصرة.. ان يكون هدفه العدل وارساء القانون وليس تفجير مواقف ملؤها العداء.. بلا سند ولا علم هنا وهناك علي حساب الآخرين وقضاياهم المصيرية العادلة فمصر تمر بلحظات حرجة من تاريخها اذا رضخنا لصيحات التخوين فالكل خاسر. واذا كانت فكرية قدمت بلاغاً خلال مقالها للمجلس العسكري ضد هؤلاء وأولئك.. فأنا أناشد من هنا المجلس العسكري باستصدار قانون يحدد معايير نزع الجنسية عن المصري لتكون معايير محددة لا لبس فيها..ويمكن من خلالها ايضاً تحديد الذين لديهم الصلاحيات بالتقدم ببلاغات ورفع دعاوي تخص نزع الجنسية.. لأنه ليس من المعقول ابداً ان يترك الأمر هكذا لكل من يريد التنكيل بشخص يختلف معه في الخارج أو الداخل.. والا ستعج المحاكم بالدعاوي من هذا النوع.. كما اطالب باجراء تحريات شاملة عن أي شخص يتقدم ببلاغ أو دعوي لنزع الجنسية عن مواطن مصري من المفترض انه مساوٍ له في الحقوق والواجبات استناداً لنص المادة »40« من الدستور المصري. حتي لا تستخدم ورقة اسقاط الجنسية في لعبة التوازنات السياسية فيما بعد. [email protected]