رجب طيب اردوغان خرج عن الوقار ، وتعدى على كل أصول الدبلوماسية المفترض أن تكون بين الدول ، وارتدى ثوب الإخوان علانية ، واستخدم اسلوبهم الأول في المواجهة وهو الكذب . عندما نسترجع ظهور اردوغان ، ومن ثم مواقفه ، وتدرجه في اظهار الانتماء الفعلي وانكشافه نتيجة تداعيات الاوضاع في مصر ، نتذكر كل التمثيليات التي قام بها ، من صدامه مع الجنود الاسرائيليين على باب الأقصى ، وتركه جلسة حوارية مع شيمون بيريز ، وسفينة الحرية ، وتتضح لنا الصورة ، وهي صورة قاتمة لحقبة ولت ، فهذا العثماني الصغير أو الجديد ، ليس سوى نسخة مشوهة لدولة وخلافة كانت في يوم من الأيام عظيمة ، ولكن انحرافات الجيل الأخير من الخلفاء وبروز النزعة القومية التركية ، جعلت من تلك الدولة عدواً للعرب وما يمثلونه من رمزية للإسلام ، فهذا دين حمل رسالته رسول عربي وفي الأراض العربية ، وجاء كتابه بلسان عربي ، ومؤسسو دولة بني عثمان الأوائل فهموا ذلك جيداً ، وكادوا أن يعربوا الأتراك ، وحدث بعد ذلك أن همشت كل بلاد العرب ، وأعيدت إلى الوراء مئات السنين ، فذهب خيرهم وعلمهم إلى تركيا وما جاورها من بلاد خضعت للدولة العثمانية في أوربا ، حتى الأثار العربية الإسلامية سرقت وأقيمت لها المتاحف في المدن التركية وفي المقابل أقيمت المشانق للعرب الوطنيين الذين كانوا ينشدون التقدم والحضارة ، وأرسل السفاحون من الولاة إلى العواصم العربية ليفسدوا فيها ، وعندما ظهر "أتاتورك" استاذ اردوغان وضع بلاد العرب في يد الأوربيين ، دولاً مستعمرة ، وعمل هو على إعادة الحياة للأمة التركية ، وكان أول قراراته طمس المظاهر العربية من الحياة ، فبدأ بالحروف والكتابة ، وانتهى بالتآمر وسرقة أطراف بعض الدول العربية وضمها إلى بلاده . وجاء اردوغان ، وكان ظهوره كما قلت لبعض المسرحيات مع اسرائيل ، ثم إعادة انتاج التاريخ بأسلوب مشوق لربط العرب بالماضي التركي ، وخرجت علينا مسلسلات مدبلجة أولها عشق وأحضان وآخرها "هيام" وسلطان ، وتعلقت الأبصار بذلك البلد الذي كان يوماً عاصمة الخلافة ، ومالت القلوب إلى التاريخ تبحث فيه عن امل مفقود ، حتى جاء ما سمي بالربيع العربي ، وطفت تنظيمات الإخوان إلى السطح ، وتلاعبت في مصائر الدول العربية ، وتبين خلال سنة واحدة ان هؤلاء ليسوا سوى أداة من ادوات القضاء على الدولة الوطنية والانتماء العروبي لشعوب الأمة ، وهو المخطط الماسوني الصهيوني المطروح منذ أكثر من 40 عاماً ، والذي عملت دول الغرب مجتمعة على تنفيذه ، وكشف اردوغان عن وجه لم تعهده كل التقاليد بين الدول ، واثبت بتصرفاته إنه كان يعمل ضمن مخطط أكبر من التعاطف والانتماء إلى تنظيم الإخوان الدولي ، فهو ينفذ "اجندة" صهيونية ، ويستغل الإخوان لتنفيذ "اجندة" عثمانية ، وقد صدمته صلابة مصر وقوة عزيمة رجالها ، واصيب بلوثة جعلته يخرج علينا بأكاذيب ووثائق مزورة يدعيها عن تعاون مع إسرائيل لاسقاط مرسي وحكم الإخوان في مصر ، بعد أن فشل في منع النهاية المحتمة لهم باستدعاء الغرب وعقد اجتماع لمجلس الأمن ، أو ضخ مئات الملايين من التنظيم الدولي لإشعال نار الفتنة والقيام بعمليات إرهابية . اردوغان فقد حلمه ، وخاب امله في استعادة امجاد دولة غابرة ، فهذه أمة الاسلام ، الأمة العربية ، حاملة اللواء إلى يوم الدين ، هي التي قالت له ، لاردوغان والإخوان ولكل الأعوان ، "تسقط دولة بني عثمان" فهذه أمة ملكت ارادتها ، ولم تسمح لعقارب الساعة بأن تعود إلى الوراء .