إن العرب والأتراك مثل أصابع اليد الواحدة, والعلاقة بينهم علاقة الظفر باللحم, وبالنتيجة فإن مصير تركيا, لا يختلف عن مصير ومستقبل الدول العربية, ومن ثم فإن الكيان الصهيوني. بات يشكل الخطر الرئيسي الذي يهدد السلام الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.وأعتقد ولا أظن إلا أن الكثيرين يشاطرونني هذا الاعتقاد, بأن تصريحات رجب طيب أردو هذه والتي جاءت في آخر حلقات مسلسل تدهور العلاقات بين تركيا واسرائيل, لم تأت من باب المبالغة أو التهويل, وعند هذا الحد نجد العون في سجل تاريخ العرب والأتراك, وما فائدة التاريخ اذا لم نستخلص منه العبر؟! إن كلمة ترك تعني القوة, وقد اعتنقت القبائل التركية الإسلام بمحض إرادتها, وثمة شواهد تاريخية يستخلص منها أن الأتراك قد ظهروا كلاعبين أساسيين علي خشبة المسرح السياسي للخلافة الإسلامية, منذ العهد العباسي في بغداد, وقد تبلور هذا الظهور جليا منذ عهد أحمد بن طولون868 884 م, وهو أول حاكم تركي لمصر والشام, وأول من استقل بهما عن الخلافة العباسية, عندما بدأت تظهر عليها أعراض الضعف, وقد تلت الدولة الطولونية دولة تركية أخري هي الدولة الإخشيدية884 895 م, ثم استمر الظهور التركي في دولة المماليك الثانية, وصولا الي الخلافة العثمانية, التي تعد واحدة من أهم محطات الصراع بين الشرق والغرب, حيث تمكن عثمان الذي تنسب اليه الدولة العثمانية من تأسيس إمارة قوية, استظلت بدولة السلاجقة أول الأمر وتوسعت علي حساب الدولة البيزنطية, وبسقوط دولة السلاجقة علي يد المغول, تمكنت الإمارة من استقطاب عدد من الامارات التركية المسلمة في الأناضول, واستأنفت توسعها غربا ليتحول منذ سنة1345 م الي أوروبا الشرقية, حيث استولت علي أجزاء كبيرة منها, وتوجت أعمالها العسكرية في عهد محمد الفا بفتح القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية المسيحية سنة1453 م. أما في الشرق الإسلامي, فقد تم الابتهاج بين المسلمين لهذا الفتح الإسلامي العظيم, الذي كان حلم الأجداد وأمل الأحفاد, وأعقب ذلك ضم اجزاء أخري من أوروبا الشرقية, وبانتهاء القرن الخامس عشر, كانت الدولة العثمانية تشمل الأناضول واليونان وشبه جزيرة البلقان وجزائر بحر ايجه وجزيرة في جنوب ايطاليا, وفي عهدسليم الأو1512 1520 م آلت الأمور الي وضع يشبه عن قرب ما نجده الآن, ذلك أن الدولة العثمانية قد استدارت لأول مرة منذ تأسيسها الي الشرق العربي, يدفعها تقدم الصفويين نحو الغرب من إيران, فقد شكل ذلك بالنسبة للعثمانيين خطرا لا يمكن تجاهله, كما أن أطماع الشاه الصفوي التي لا تعرف الحدود, دفعته للعمل علي مد سلطانه بعد العراق الي الأناضول وبلاد الشام من جهة, والي الوقوف موقفا متخاذلا من التهديد البرتغالي المتسم بروح صليبية عارمة ضد العالم الإسلامي من جهة أخري, بل وصل الخروج عن المنطق الي حد التحالف مع البرتغاليين بهدف اقتسام المشرق العربي وانهاء الدولة العثمانية, وهكذا قدر السلطان العثماني خطر الصفويين حق قدره, فتحرك لاجتثاث ذلك الخطر, فبعد أن قضي علي أنصار الصفويين في الأناضول, تحرك علي رأس جيش جرار صوب الشرق سنة1524 م, وغير خاف علي أحد ما آلت اليه الأمور من زعزعة النفوذ الإيراني في المنطقة, وضم العديد من دول المشرق العربي في اطار الدولة العثمانية. وهكذا يستطيع المرء أن يتفهم بسهولة بالغة, أن في اسناد منصب وزير الخارجية الي أحمد داود أوغلو مهندس ومخطط سياسات التقارب بين تركيا والعالم العربي, اشارة واضحة الي أن تركيا ربما تعطي أولويات أكثر لمنطقة تري فيها عمقها الحضاري والجغرافي علي حساب محاولاتها المتعثرة للانضمام الي الاتحاد الأوروبي, وفي هذا ما يشبه عن قرب ما حدث أيام سليم الأول مع اختلاف في الظروف, التي تسير صوب عودة تركيا كدولة كبري صديقة, لها القدرة علي التأثير والتأثر بالتطورات الاقليمية والعالمية. ونستطيع أن نستمر طويلا في ضرب الأمثلة الدالة علي ما آلت إليه أحوال العرب الآن, وعلي ما كانت عليه أيام سليم الأول ذلك أن هناك فراغا في المنطقة وتملؤه ايران( العراق ولبنان وغزة) بفعل اخفاقات النظام العربي واخفاقات السياسة الأمريكية الضاغطة علي الدول العربية الرئيسية, وتركيا تعلم أن الدول العربية السنية, ستكون أكثر استعدادا للترحيب بالتعاون السياسي والاستراتيجي والاقتصادي معها من استعدادها للتعاون مع اسرائيل الصهيونية ومع إيران الشيعية, وفي كنف هذه المعطيات, فلن تسمح تركيا لأي من الدول المنافسة المحتملة( إسرائيل وإيران) أن تقود احداهما الإقليم أو تهيمن عليه, أو تتقاسمان معا الهيمنة, وتعزلان تركيا وراء جبال طوروس. وهكذا كانت تصريحات أردوغان في قمة سرت الأخيرة, بأن مصير تركيا مرتبط بالعالم العربي, بمثابة تجسيد للاستراتيجية التركية, والتي تصب بالطبع في مصلحة الأمن القومي العربي, الذي لم يأل المركز الصهيوني العالمي في واشنطن وتل أبيب جهدا في سبيل تصديعه, حتي بات قاب قوسين من الجنازة أو أدني, وهكذا يكاد يكون من الطبيعي, بل من المحقق ألا يرضي هذا التقارب التركي العربي المركز الصهيوني في كل من واشنطن وتل أبيب, ومن هنا وعلي هذا الأساس بدأ التدهور في العلاقات التركية الإسرائيلية منذ جلسة منتدي( دافوس) في مارس العام الماضي, والتي انتقد فيها أردوغان الحرب الإسرائيلية الشرسة علي أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة, ومن ناحية لا تكاد تمر مناسبة دون أن ينتهز الفرصة في توجيه اشد الانتقادات ضد إسرائيل, وهو بذلك قد أزاح الرئيس الإيرانينجا الي مرتبة دون مرتبة أردوغان في هذا الصدد, مما دفع بالإرهابي ليبرمان الي القول. إن خلاف الصهيونية ليس مع تركيا, بل مع أردوغان الذي وصفه بالتهور.