على غرار العبارة «الأكليشية» لمقدمى البرامج التليفزيونية «الوقت يداهمنا» تأتى مبادرة الأزهر فى الوقت بدل الضائع الذي لم يتبق منه سوى القليل لحسم الموقف بشأن المواجهة المحتملة مع المعتصمين في «رابعة» و»النهضة». فمع نشر هذه السطور قد تكون الدولة بادرت إلى تنفيذ خطتها لفض الاعتصامين في ضوء انتهاء عيد الفطر الذي فرض حرمة خاصة على هذه المهمة الشاقة، وهذا احتمال يبقى ضعيفا، وقد يعلو «صوت المهلة» بمنح جهود المصالحة فرصة أخيرة وليكن بعدها ما يكون. دون المصادرة على المستقبل ووضع ألغام في طريق جهد الأزهر لوضع البلاد على عتبة مرحلة جديدة من الاستقرار نشير إلى أنه من الواضح في حدود ما تم الكشف عنه حتى الآن أن حظ المبادرة – إذا صح تسميتها كذلك – من النجاح لن يكون كبيرا، وهو ما يعني أنها قد تلحق بسابقاتها من الجهود الدولية والإقليمية والمحلية التي سعت لوضع حد لانسداد أفق الحل السياسي للأزمة ما بين الدولة والإخوان، رغم حقيقة أن المبادرة قد تمثل الفرصة الأخيرة للتوصل إلى مخرج سلمي. فعلى غرار الموقف من مبادرة العوا وبعض الأطراف الإسلامية التي قوبلت بالتشكك باعتبار أن من طرحها ينتمي أو يميل للإخوان فإن مبادرة الأزهر قد ينسحب عليها الرؤية نفسها من جانب التيارات الإسلامية بالنظر للمشيخة على أنها تنطلق من تحيز للنظام القائم الذي كان الأزهر أحد الأطراف التي أضفت المشروعية عليه حيث كان شيخه من بين الشخصيات التي دعمت خارطة الطريق وكان حاضرا وقت إعلانها من قبل الجيش. إلى جانب ما سبق فإن نظرة متأنية على جهود الوساطة خلال الفترة الماضية بغض النظر عمن قام بها تشير إلى ما يمكن وصفه بغياب إرادة المصالحة لدى قطاع كبير من طرفي الأزمة. وإذا كان ذلك يبدو واضحا بشكل لا يرتقي إليه اللبس لدى الإخوان، فإنه يبدو قائما في الوقت ذاته لدى قطاع ممن يديرون الأزمة على مستوى النظام، وهو ما قد يفسر وصولها الى مستوى التعقد الذي نلمسه ونعيشه الآن. ولعل من بين الأسباب الأساسية التي أوصلت الى هذه الحالة من التعقيد نظرة طرفي الأزمة لها على أنها ليست سوى مباراة صفرية.. فإما أن يكسب طرف كل شىء ويخسر الطرف الآخر كل شىء أو العكس، وهي نظرة لا يمكن أن تؤدي إلى صلح بأي حال من الاحوال. ولذلك يبدو مستغربا إصرار الإخوان على لسان المتحدثين باسمهم على أنه لا حوار أو مصالحة إلا على أساس عودة الشرعية والدستورية وهما يمثلان مطلبين من المستحيل تحقيقهما حيث ينبغي بدء أي حوار على أساس ما بعد مرسي وليس ما قبله، باعتبار أن القبول بهذين المطلبين يعني انهيار كيان الدولة المصرية، بغض النظر عن صحة أو عدم صحة الخطوة التي تم الوصول بمقتضاها إلى هذا الوضع. كما يبدو غريبا في الوقت ذاته دعوة البعض للتعامل مع الإخوان الذين كانوا حتى الأمس القريب يديرون مقدرات الدولة إثر وصولهم للحكم من خلال انتخابات على أنهم ليسوا سوى فصيل إجرامي يجب وضع أفراده في السجون والمعتقلات. وتبقى إيجابية مبادرة الأزهر في أنها لم تضع أسسا أو نقاطا محددة للخروج من الأزمة وهو ما يجعلها محاولة لجمع الشمل بين حكماء الطرفين من أجل أن يضعوا بأنفسهم ملامح الحل .. على نحو يذكرنا مع اختلاف السياق بالآية الكريمة التي تدعو لاستدعاء حكم من أهل كل طرف «فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها» سورة النساء الآية 35.. فحسب ما أعلن فإن جهد الأزهر ينصرف في بدء الإمام الأكبر الدكتور الطيب إجراء اتصالات بشخصيات سياسية وعامة تعكس كافة الأطياف السياسية من أجل عقد اجتماع للمصالحة. ومن النقاط الإيجابية الأخرى في المبادرة سعيها لدراسة جميع المبادرات التي تقدمت بها رموز سياسية وفكرية مصرية، خلال الأسابيع الماضية، من أجل التوصل إلى صيغة توافقية يرتضيها جميع المصريين. ويعني ذلك تجاوز أي محاولات للتشكيك في دور الأزهر، على نحو ما أشرنا في سطور سابقة والتأكيد على نزاهته .. حيث تفيد هذه الصيغة أن الحل الذي قد تطرحه المشيخة سيكون محصلة إرادة الكل .. النظام والإخوان والقوى السياسية والثورية وغيرها، وليست محصلة إرادة طرف بعينه. وعلى هذا تأتي حيوية وأهمية العمل على إنجاح مبادرة الأزهر وتجاوز الرؤى الضيقة التي تقلل من منافذ الخروج السلمي من الأزمة، في ضوء حقيقة أن المشكلة ليست في فض إعتصامي رابعة والنهضة بالأساس بغض النظر عن التكلفة في الأرواح التي قد يتم دفعها جراء مثل هذه العملية وإنما المشكلة في مسار العلاقة المستقبلية مع الإخوان وأنصارهم من باقي التيارات الإسلامية .. فما أسهل علي هؤلاء من إقامة مقار أخرى لاعتصامات بديلة.. كما أن الدفع بهم في الزاوية سواء بالقمع أم بفعل الأمر الواقع لن يعني، على المدى الطويل، تحقيق هدف الاستقرار المنشود. فهل ينتهز الإخوان وبعض متشددي النظام هذه المحاولة لتدشين مرحلة جديدة طالما يحلم ببدئها جموع المصريين ؟ رغم إيماننا بوجود حكماء وعقلاء على هذا الطرف وذاك إلا أننا نرى أن الأمور ليست بيد حمائم كل طرف .. وإنما بيد الصقور الذين يدفعون بالصراع إلى أقصاه. الخلاف الوحيد أنه فيما أن منصة رابعة هي التي تدفع قاعدة المعتصمين إلى التشدد، فإن قاعدة النظام هي التي تدفع قادته إلى المسلك ذاته وهي مفارقة من المؤكد أنها تستحق التوقف عندها طويلا بالدراسة!