وصلنا إلى الأيام الأخيرة من رمضان، الشهر الذى رضي الله سبحانه وتعالى عمن صامه وقامه، شهر فتح الله فيه أبواب الجنان، وتوصد فيه معامل الشيطان، شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار. شهر أنفاس الصائمين فيه خير عند الله من المسك، شهر يعتق الله في كل ليلة منه مائة ألف ممن استوجبوا دخول النار، شهر جعله الله عز وجل صلة بين المذنبين وبينه تبارك وتعالى. فواجبك في هذه الأيام والليالي أن تعود إلى الملك العلام، وأن تختم هذه الساعات القريبة، الوجيزة، التي بقيت من هذا الشهر الفضيل، ومن هذا الموسم الجليل، بالاستغفار والتوبة، لعل الله أن يقبلك فيمن قبل، وأن يعفو عنك فيمن عفا عنه، وأن يردك سبحانه وتعالى إليه، فإن الأنبياء، عليهم السلام، سلفاً وخلفاً، استغفروا الله عز وجل على حسناتهم وبرهم، وعلى صلاحهم. فسبحان من بسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وسبحان من بسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. والله يقول في الحديث القدسي: (يا عبادي إنكم تذنبون في الليل والنهار وأنا أكفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم). فمتى يتوب من لا يتوب في رمضان؟.. ومتى يعود إلى الرحمن من لا يعود في رمضان؟.. ومتى يراجع حسابه مع الواحد الديان من لا يراجع حسابه في رمضان؟ ينسلخ الشهر ولا يمحى الذنب، ينسلخ الشهر، ولا تسارع في فكاك رقبتك من النار، ومن العار ومن الدمار.. أليس من الحسرة والندامة، أن يعفو الله عن مئات الألوف ثم لا يعفو عن البعيد؟ أليس من العار، والخزي، والخسار، أن ينسلخ الشهر ثم لا تكون من الذين رضي الله عنهم، ونعوذ بالله من ذلك. فسارع أيها المسلم في فكاك رقبتك في هذه الليالي، واغتنم كثرة الصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكثرة التوبة والاستغفار، وبادر بالحسنات. فمن يدري، لعلك أذنبت ذنباً كبيراً لا يغفر إلا في هذه الليالي، ولعلك أسأت إساءة كبرى لا يمحوها إلا التوبة في هذه الأيام. ارفع يديك إلى الله عز وجل، فإنك لا تدري لعل رمضان لا يعود إليك مرة أخرى. فوداعاً يا شهر الصيام والصلاة، ووداعاً أيتها الأيام العاطرة التي عشناها في ذكر وتلاوة، لا ندري أتقبل منا فنخرج يوم العيد في فرح وسرور وحبور ونور؟ أم ردت أعمالنا علينا (والعياذ بالله) فنخرج في ويل وثبور وفي حسرة وندامة؟ فإن السعيد من أسعده الله، وكتبه في صحائف الخلود والسعادة، أما الشقي من أخزاه الله، وغضب عليه سبحانه وتعالى. فأوصي نفسي وإياكم، بالتوبة النصوح، وكثرة الاستغفار في هذه الليالي، ورفع يد الضراعة إلى الحي القيوم.. لعل الله أن يغفر.