قال جل وعلا في كتابه الكريم قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا سورة الزمر الآية53, فمن تاب توبة صادقة مشتملة علي الشروط الشرعية فإن الله يتوب عليه, ويأتي شهر رمضان الكريم شهر التوبة والمغفرة والعتق من النار ليفتح باب التوبة لكل عاصي حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن, وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها الباب, وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب, وينادي مناد: يا باغي الخير أقبلن ويا باغي الشر أقصر, ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة. وفي البداية يقول المفكر الإسلامي عبد الفتاح عساكر أن القرآن الكريم لم يترك شيئا في حياة الانسان إلا وتكلم عنه في دقة شديدة وصدق الله العظيم ما فرطنا في الكتاب من شيء والتوبة في القرآن الكريم قال عنها رب العزة إنما التوبة علي الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب وتعني الآية الكريمة أن انخراط شخص في معصية وهو لا يعلم إن ذلك يغضب الله, ثم تاب توبة صادقة, يغفر الله له ذنبه ويتقبل توبته مهما كان ذنبه عظيما كما قال تعالي يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا, أما من علم معصيته وأصر عليها لا تقبل توبته فالله قال في كتابه الكريم وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخبرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا. ويؤكد الدكتور أحمد هليل رئيس الارشاد الديني لوزارة الأوقاف أن التوبة مطلوبة في كل وقت من الانسان, فالتوبة التي يريدها الله منا ويقبلها عنا, ويغفر بها لنا هي التوبة النصوح, التوبة الصادقة المخلصة التي يبتغي بها رضا الله سبحانه وتعالي, وبدخول شهر رمضان الكريم يعود الإنسان إلي الله عز وجل ويتوب عما ارتكبه من معاصي, وهناك شروط للتوبة إن كانت المعصية بين العبد وربه فأجمع العلماء علي ثلاث شروط وهي أن يقلع العبد عن المعصية, وأن ينم علي فعلها, وأن يعزم علي ألا يعود إليها أبدا, إن فقد أحد الثلاثة لا تصح توبته وقوله تعالي في سورة الفرقان ألا من تاب وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما. وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فأجمع العلماء علي شروط أربعة وهم هذه الثلاثة, وأن يبرأ من حق صاحبها, فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه, وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه, وإن كانت غيبة استحله منها, ويجب أن يتوب من جميع الذنوب فإن تاب من بعضها صحته توبته من ذلك الذنب, ويجب أن يتبع تلك التوبة العمل المخلص والعبادة الخالصة لله عز وجل, توبة تحدث التغيرات في حياة المسلم فتنقله للإيمان والعمل الصالح. ويقول الدكتور محمد مختار المهدي الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن التوبة تعني الرجوع إلي الله ومحاسبة النفس علي ما جئته من حيث الانحراف علي شرع الله عز وجل أو نسيان ذكر الله, فعلي المسلم ألا ينسي ذكر الله في كل لحظة بحياته أثناء عمله وتعاملاته وعلاقاته بالآخرين والمطلوب من الانسان أن يكون علي مستوي الذاكرين, قول الله تعالي في سورة الأحزاب يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا(41) وسبحوه بكرة وأصيلا(42) هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلي النور وكان بالمؤمنين رحيم. وبالرغم من كون رسول الله صلي الله عليه وسلم من المعصومين ولكنه كان سيد المستغفرين, الذي كان يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثر من مائة مرة, فهو إمام التائبين, الذي فضله الله وكرمه علي الخلق أجمعين, وأن الانسان بطبيعته يرتكب الأخطاء ويقع في المحظورات, ويقترف المعاصي, وذلك نتيجة الغفلة التي تستولي علي قلبه فتحجب بصيرته, ومهما بلغ الانسان من التقوي والصلاح فإنه لا يسلم من الوقوع في الأخطاء, ولا يعصم من المخالفات, فالمعصوم هو محمد نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام وهو قائل كل بني آدم خطاء, وخير الخطائين التوابون, وتعد من رحمة الله علينا رب البرية بعبادة تتجلي في توبته علي العاصي بعد عصيانه, والمذنب بعد اقترافه ذنوبه, فرحمته وسعت كل شيء, ومن رحمته بعباده فتح باب أمام العاصين المذنبين في مراجعة النفس والتوبة عما ارتكبه من معاصي وذنوب, ويقول رسول الله إن الله عز وجل يبسط يده بالليل عما ارتكبه من معاصي وذنوب, ويقول رسول الله إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل, حتي تطلع الشمس من مغربها, ويقول الله تعالي وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار, والعشي فترة ما بعد الظهر إلي قبل غروب الشمس, أما الإبكار فهو ما بين الطلوعين, ويمكن تطلق كلمة( العشي والإبكار) علي الوقت المعين بالعصر والصباح لذلك نقول بالأذكار الصباح والمساء, ويؤكد المهدي علي وجوب التوبة في كل وقت ولحظة في حياة الانسان لأنه لا يعلم متي سيموت وحتي يموت تائبا إلي الله.