أى عمل إبداعى يستمد سمعته وبريقه، وقيمته من أمر واحد هو جدية العمل ونوعية القضية التى يقدمها، ومدى ارتباطها بالناس، لذلك هناك أعمال ستظل سمعتها تسبقها حتى بعد مرور عشرات السنين على إنتاجها، فهى بمثابة النموذج الجيد الذى نعود إليه كلما حاولنا الحديث عن المتعة الإبداعية، من هذه الأعمال «ليالى الحلمية» بأجزائها والتى أبدعها أسامة أنور عكاشة، وهناك الشهد والدموع، لنفس المؤلف، وهناك «المال والبنون» لمحمد جلال عبدالقوى و«الوسية» ومؤخراً كانت هناك أعمال جيدة لا تعرف الابتذال وهى مجمل أعمال يحيى الفخرانى، ونور الشريف، ويسرا وجميعها لا تخرج عن حدود احترام الجماهير، وتقديم قدر من الإبداع، تخلص فى أنك أمام أعمال متكاملة لا تعتمد على الإباحية والألفاظ الجارحة التى يرفضها أى بيت مصرى، وما أكثر الأعمال التى تعتمد على السوقية والابتذال بالدرجة التى تجعلنا ندق ناقوس الخطر خشية أن تتحول الدراما المصرية إلى منتج سيئ السمعة، خاصة بعد تقدم العمر بأغلب الأسماء الحريصة على تقديم الفن كحالة إبداعية مثل الفخرانى البعيد طوال عامين، ونور الشريف المتواجد هذا العام الذى يبتعد أحياناً وعادل إمام الذى يظهر على حسب المزاج، الذى رغم تاريخه الفنى الكبير إلا أنه لم يقدم سوى أربعة أعمال على الشاشة الصغيرة، وبابتعاد هذه الأسماء لا قدر الله فى أى وقت، فهذا يعنى أن المشاهد سوف يقع فريسة لهذا التدهور والانهيار، وكما قلنا سوف تصبح الدراما المصرية سيئة السمعة، هذا العام 70٪ من الدراما المقدمة تعتمد على لغة ومفردات غريبة علينا. أبرزها مسلسل «حكاية حياة» فالحوار قائم فى بعض أجزاء منه على كلمات وجمل من العيب أن تقدم ضمن حوار يعرض فى عمل درامى يدخل البيوت المصرية والعربية، وإذا كان بعض أبطال العمل يدافعون عنه بحجة أنه من متطلبات الشخصية، فهذا أم لا يجوز بأى حال ف«ليالى الحلمية»، و«المال والبنون»، و«الوسية»، و«الليل وآخره» و«الخواجة عبدالقادر» و«الدالى» كلها أعمال درامية قدمت ناساً من قاع المجتمع لكن الحوار لم يكن به ابتذال أو خروج عن المألوف، وتضم قائمة المسلسلات التى خرجت عن لغة الوقار فى رمضان الحالى «حكاية حياة» كما قلنا وهو بطولة غادة عبدالرازق وسناء شافع ورزان مغربى وأحمد زاهر وخالد سليم و«مزاج الخير» بطولة مصطفى شعبان ودرة وحسن حسنى وعلا غانم وعبير صبرى، و«فض اشتباك» أحمد صفوت وإيناس عزالدين و«تحت الأرض» أمير كرارة وميس حمدان و«نيران صديقة» منة شلبى ورانيا يوسف وكندة علوش و«موجة حارة» رانيا يوسف وإياد نصار وخالد سليم و«القاصرات» لصلاح السعدنى، وهذه المسلسلات تنوع فيها الخروج بين الإيحاءات والعبارات الصريحة. وهناك أعمال أخرى. هذا الكم الذى يعتمد على مثل هذه المفردات بالتأكيد سوف يضر بهذه الصناعة خاصة أن الدول العربية لم تعد متحمسة للدراما المصرية كما كان من قبل، لذلك يجب ألا نعطيهم مبرراً غير أخلاقى لمنع أعمالنا من العرض على شاشتهم وهنا يجب ألا ندخل أنفسنا مع مسلسلات أخرى من إنتاج دول أخرى مثل تركيا تعرضها القنوات العربية لأن الدبلجة التى تحدث لهذه الأعمال سواء فى سوريا أو لبنان تحسن كثيراً من لغة الحوار، وبالتالى لا مجال للمقارنة، خاصة أن المشاهد الساخنة فى الأعمال التركية بحرفية لا تخدش حياء المشاهد. على عكس ما يحدث فى الدراما عندنا فالأب فى كثير من الأحيان يخجل من الجلوس وسط أسرته، وهو يشاهد تلك المفردات والمشاهد، لأن درجة الفجاجة فيها وصلت إلى مرحلة متقدمة لا تجعل الأسرة تستطيع مشاهدة العمل كاملاً وهى مجتمعة، فالآباء والفتيات والأمهات يتعللون بأى شىء للابتعاد عن التليفزيون فى كثير من مشاهد المسلسلات، وكما قلنا إن مبررات نقل تلك المشاهد والمفردات على أنها واقعية فهذا أمر مخجل لأن سابق تاريخنا يؤكد أن الدراما المصرية كانت بخير إلى أن دخلها نجوم السينما ومخرجيها وأبطالها بعد انتشار البطالة فيها، هجمة السينمائيين على الدراما صاحبها أيضاً دخول مشاهد وألفاظ إذا كانت تصلح للسينما التى يذهب إليها المشاهد بكل إرادته فهى لا تصلح مع التليفزيون لأنه يدخل كل بيت رغم أنف أصحابه. ويزيد من حجم ما يقدم على الشاشة الصغيرة حالة اللامبالاة التى عليها أصحاب هذه الأعمال، والذين يتبارون للظهور على الشاشات والصحف للدفاع عن وجهة نظرهم وهذه الأمور تزيد أولاً من غضب الناس فى المنازل.. وثانياً تؤكد أن القادم خلال السنوات المقبلة ربما يكون أسوأ، وثالثاً هذا الأمر يضعف من رأى المثقفين والفنانين ومطالبهم من ضرورة التخلص من جهاز الرقابة، على المصنفات الفنية أو اقتصار دوره على أدوار محددة داخل العمل منها عدم المساس بالأديان، رابعاً هذه الأعمال سوف تمنح المتشددين الفرصة للهجوم على الفن والفنانين. الإبداع وحريته يكمنان فى هدف واحد وهو تقديم الآراء الأفكار بالشكل الذى يراه المبدع، وليس من بين حرية الإبداع فتح المجال لتقديم مشاهد خليعة أو مفرد خارج عن حدود الأدب. الصدمة هذا العام فى الدراما كانت كبيرة وعلى صناعها أن ينجو بها من تلك المهاترات قبل أن تتحول إلى سلعة سيئة السمعة.