دفع نجاح الدراما التركية الطويلة، رغم تجاوز عدد حلقاتها حاجز 100 حلقة، بعض المنتجين العرب لتقديم مسلسلات طويلة، وبدأت القائمة مع «رجال مطلوبون»، الذى يشارك فيه فنانون من مختلف الدول العربية ويتم تصويره بين الشام ومصر والكويت، كما أعلنت شركة سعودية عن إنتاج أول مسلسل عربى يتجاوز مائتى حلقة بعنوان «أيام السراب»، الذى خضع لورشة كتابة تضم 4 مؤلفين، إضافة إلى ورشة أخرى للإخراج تضم 6 مخرجين. اتجاه الدراما العربية المفاجئ نحو الدراما الطويلة فتح الباب أمام تساؤلات حول طبيعة الأفكار التى تطرحها هذه المسلسلات، ومدى تقبل المشاهد العربى لها، وموقف القاهرة باعتبارها «هوليوود العرب» من نوعية الإنتاج التى تحتاج إلى النفس الطويل، بالإضافة إلى سؤال آخر حول مدى إقبال النجوم على الظهور فى هذه الأعمال. حملنا تساؤلاتنا وطرحناها على صناع الدراما المصرية وبعض نجومها. وعلى الرغم من قبول الفنان يحيى الفخرانى للفكرة فإنه استبعد المشاركة فيها، معللا ذلك بأنه لا يحب الارتباط بشخصية واحدة لمدة طويلة، وقال: «أحب تجسيد أكثر من شخصية، كما أن لى تجربة فى «ليالى الحلمية» ولا أحب أن أكررها». أما الفنانة صابرين فرحبت بالفكرة وأبدت استعدادها للمشاركة فى مثل هذه الأعمال، وقالت: «قدمنا من قبل مسلسل «ليالى الحلمية» على أجزاء، وكان يصلح للاستمرار على مدى أكثر من 100 حلقة متواصلة، كما أنه لدينا فى حياتنا الاجتماعية العائلية وكذلك الرومانسية العديد من الموضوعات التى تصلح لكى تقدم فى مسلسلات طويلة»، وأضافت إنه مقابل تقديم مسلسل من هذا النوع، فربما يكون عليها الاختفاء لمدة تتجاوز السنتين، لافتة إلى أن ذلك لا يمثل مشكلة لها حيث سبق أن تفرغت لأكثر من عام لتقدم مسلسل «أم كلثوم». أما المنتجون فيؤكدون أن مسلسلات المائة حلقة يمكن إنتاجها فى مصر، لكن، حسبما يرى المنتج إسماعيل كتكت، لن يكتب لها النجاح أو الاستمرار، وأرجع كتكت أسباب رأيه إلى أن المواطن المصرى يفتقد الصبر لتحمل مشاهدة أكثر من 100 حلقة، كما أن إنتاج هذه النوعية يحتاج إلى مشاركة محطة فضائية لضمان عرضه بشكل مناسب، وقال إن نجاح المسلسلات التركية ليس مؤشرا على نجاح هذه النوعية لأن الناس تعرفوا على هذا النمط وملوا منه. ويقترب المنتج حسام شعبان من رأى النجم يحيى الفخرانى، بأن يؤكد أيضا، أن النجوم يرفضون الارتباط بمسلسل واحد لفترة طويلة على الشاشة، حتى وإن كانت ستفتح الباب أمام الوجوه الجديدة، وقال إن ظروف السوق ليست مؤهلة للاستقبال هذا النوع من الدراما، لأن الأعمال ذات الحلقات الممتدة تحتاج إلى وقت طويل للتحضير، وجهد فى البحث عن قصص لا يتسرب منها الملل للمشاهد. أما الكاتب أسامة أنور عكاشة، صاحب «ليالى الحلمية» وغيرها من المطولات والأجزاء، فوضع شروطا لنجاح المسلسلات الطويلة، قائلا إن تقبل هذه الأعمال يعتمد على ارتباط المشاهد بمجموعة من الشخصيات التى يتابعها يوميا، وهناك نوعية معينة من الأفكار التى تتوافق معها مثل القصص العائلية والبوليسية، حيث يمكن من خلالها مناقشة القضايا، التى ترد يوميا، لافتا إلى أن هذه المسلسلات تناسب ورش الكتابة بشكل كبير لحاجتها إلى الجهد المستمر ولن يوجد مؤلف يستطيع كتابتها بمفرده، نافيا تماما إمكانية مشاركته فى كتابة هذه النوعية لو دخلت مصر، معللا بأنه «لا أحب أن يتدخل أحد فى عملى والعكس أيضا»، وقال: «نجاح المسلسلات الطويلة متوقف على سقف الحرية المتاح فمن الممكن التعرض لأخطر القضايا مثل الديمقراطية والبطالة وغيرها، لكن السؤال الذى سيطرح نفسه وقتها هو: هل يسمح الوضع السياسى بذلك؟ ونجاح هذا النمط واستمراره ينبع من الثراء الفكرى والإنتاجى، ولابد أن يكون لمنتج شجاع حتى يتحمل مخاطرة مثل هذه». وينفى الكاتب يسرى الجندى وجود القدرة على صنع هذه النوعية بشكل جيد فى مصر خصوصا فى الوقت الحالى، لافتا إلى أن المحاولات التى سبقت كانت حالات استثنائية لأجزاء قامت على أكتاف مخرجين ومؤلفين كبار مثل «ليالى الحلمية» و«بوابة الحلوانى»، وقال: «لو تم صنع مسلسل من هذه النوعية فسيتم استغلاله تجاريا بالدرجة الأولى، وسيكون للتسلية فقط، ومن ثم فلا توجد قيمة تطرحها وسيصبح الأمر بمثابة تلفيق درامى». وحذر الجندى من أن تتسبب هذه النوعية فى انتكاسة الدراما المصرية، مشددا على ضرورة وضع شروط للتعامل معها وضمان استمرارها مثل أن يتولى مؤلفون كبار كتابتها، مع تخليص آلية إنتاجها من سيطرة الإعلان، وأن تكون موضوعاتها مرتبطة بالواقع. ورأى السيناريست محمد صفاء عامر أن هذه النوعية من الأعمال الدرامية يمكنها مناقشة مشكلات حياتنا اليومية بالتزامن مع عرض برامج التوك شو، لكن بعد صياغتها فى قوالب درامية جذابة كما أنه يمكن أن تناقش الأحداث الاجتماعية كالزواج والطلاق، وغيرها لكنها لا تصلح لمناقشة القضايا السياسية، إلا إذا تضمنت إحدى الحلقات بالصدفة جزءا سياسيا، لافتا إلى أن الملل لا يرتبط بعدد حلقات العمل الدرامى وإنما بسبب جودة الصناعة. وأبدى المخرج إسماعيل عبدالحافظ استعداده للمشاركة بهذه النوعية من الأعمال إذا كانت تحمل مضمونا جيدا، والأفكار التى من الممكن أن توظف فيها، قال إن القيم العائلية والمجتمعية وعلاقات الأسرة والعمل من الممكن أن تشكل مضمونا جيدا لها، مؤكدا أن القيمة والمضمون الذى تحمله هذه المسلسلات أهم بكثير من طولها لأن المحتوى الجيد والهادف هو القادر على جذب المشاهد. وأضاف إنه لا توجد أى مشكلة فى أن يتبنى المنتجون المصريون أو الدولة هذه النوعية طالما أنه يوجد تمويل كافٍ لإنتاجها وطالما أن مضمونها جيد، لكنه فى ذات الوقت أوضح أهمية عمل دراسات حول مدى تقبل الجمهور لها والأسلوب الأمثل لإنتاجها. أما المخرج سامى محمد على فأكد أنه من الممكن أن يتصدى المنتجون المصريون لأعمال جيدة تزيد على مائة حلقة، وأنها تحتمل التناول التراجيدى، والكوميدى مثلما تحتمل الموضوعات الاجتماعية، التى تهم الأسرة والشباب ويمكن توجيهها إلى فئات معينة، وقال: «ربما تكون هذه المسلسلات هى حلقة الوصل بين الحكومة والشعب، مثلما حدث فى مسلسل «القاهرة والناس»، مشيرا إلى أن هذه النوعية تحتاج فى إنتاجها الى مؤسسات كبيرة، أما اعتمادها على مخرج واحد أو عدة مخرجين فمتوقف على فكرتها، ولكن تعدد المخرجين سيثرى المسلسل ويجعله متنوعا، كما فضل الاعتماد فيه على ورشة للكتابة، وألا يزيد طول الحلقة على 20 دقيقة بل ربما تختصر إلى 10 دقائق فقط أو 15 دقيقة، بشرط أن تكون ذات ديكورات محددة، لكنه أبدى استعداده للعمل فيها إذا توافرت الظروف المناسبة. وحدد المخرج عمر عبدالعزيز مشكلة هذه المسلسلات بأنها تكمن فى وجود فريق عمل متفق على شىء واحد ويتمتع بقدر كبير من المرونة، وقال: «التكتلات الإنتاجية ليست فى صالح صناعة الفن عموما خصوصا فى مجتمعنا، فلن نجد ممثلا يرغب فى الاشتراك بها، فالنجم الذى يتقاضى 5 ملايين فى 30 حلقة، كم يتقاضى لو اشترك فى مسلسل من 200 حلقة؟».