السؤال الذى يتردد هل يجد المشاهد وقتاً لمتابعة كل هذه الأعمال الفنية ولمصلحة من تضخ قرابة مليار ونصف مليار جنيه مصرى لإنتاج كل هذه المسلسلات.. المؤكد أن كل عمل فنى وهو يسعى لتحقيق النجاح سوف يجد نفسه يدخل فى معركة حتمية لضرب المسلسلات المتنافسة؟! تدخلت عوامل عديدة حتى يصل فقط الإنتاج المصرى إلى رقم 70 مسلسلاً درامياً والحقيقة أن هذا الرقم لا يعبر بدقة عما هو مطلوب سنوياً من الدراما المصرية فى السوق الرمضانية ولكن هناك العديد من الأسباب نذكر منها بدون ترتيب غياب الدراما السورية هذا العام عن المنافسة بسبب الموقف السياسى من الثورة السورية حيث إن النظام السورى صارت لديه حساسية تجاه كل ما هو خليجى ولهذا لم يتحمس المنتجون السوريون لتقديم أى أعمال درامية لأنها فى حالة تسويقها خليجياً سوف تضع صناعها فى مأزق سياسى أمام النظام وبالتأكيد كانت سوريا ومن خلال سوق الخليج تشكل عامل جذب وقوة طوال السنوات الماضية ولهذا قرر المنتجون المصريون أن يعوضوا الفارق من خلال ضخ أعمال جديدة وسوف نجد أن عدداً من النجوم يقدم كل منهم أعمالا درامية عديدة مثلاً «سوسن بدر» و«أحمد خليل» و«محمود الجندي» تتجاوز مشاركتهم سبعة مسلسلات.. ونضع أيضاً بين تلك الأسباب أن شركات الإنتاج فى رمضان الماضى 2011 الذى جاء فى أعقاب ثورات الربيع العربى ولم تكن الرؤية التسويقية واضحة سيطر على سوق الفيديو حالة من الضبابية ولهذا فإن عدداً كبيراً من شركات الإنتاج أرجأت مشروعاتها التى كانت قد بدأت تصويرها قبل بدايات ربيع الثورات وقررت التراجع عن استكمال الإنتاج فلا أحد من الممكن أن يراهن على بوصلة مزاج الجمهور كما أن وكالات الإعلان التى فى العادة تضخ الأموال فى كل رمضان تقاعست عن الدخول إلى هذا المضمار وعرض فى رمضان الماضى أقل من 40 مسلسلاً.. كانت المفاجأة التى لم يتوقعها أحد هى أن هذه المسلسلات حققت نجاحاً ملحوظاً فى مجال التوزيع مما شجع شركات الإنتاج على أن تدخل بقوة هذا الموسم إلى السوق الرمضانية!! نضيف إلى تلك العوامل انطلاق عدد كبير من القنوات الفضائية فى أعقاب ثورات الربيع العربى وبعيداً عما أحيط ولا يزال بمصادر تمويل هذه المحطات فإن الأهم هو أن هذه القنوات صارت لديها مساحات يجب أن تشغلها بمادة درامية بالإضافة إلى أن التنافس الشديد بين هذه القنوات دفعها للبحث عن مادة جاذبة للجمهور وللوكالات الإعلانية مع الأخذ فى الاعتبار أن الإعلانات صارت تشكل معركة ضارية بين القنوات ولن تستطيع الفضائيات الاستمرار فى البث بدون توافر قوة إعلانية ولهذا ازدادت المعركة شراسة على من يحصل على القضمة الأكبر من تلك التورتة. الصراع بين الكبار الذين صاروا يشكلون بحكم العشرة القديمة عامل قوة لدينا أسماء مثل «يحيى الفخراني» فى مسلسل «الخواجة عبد القادر» و«نور الشريف» فى «عرفة البحر» ويسرا «شربات لوز» والهام شاهين «قضية معالى الوزيرة» وليلى علوى «نابليون والمحروسة» وفيفى عبده «كيد النسا».. كل من هؤلاء صار لدى بعضهم رصيدا يربو على عشرين عاماً ورمضان بطبعه يتحول إلى حالة طقسية، نوع من التعود نجوم يلتقى بهم المشاهدون كل رمضان وينتظرونهم بما لديهم من رصيد سابق كما أن هذا العام انضم للكبار نجمين غابا عن الدراما التليفزيونية منذ سنوات بعيدة، «عادل إمام» قبل أكثر من ربع قرن بعد «دموع فى عيون وقحة» و يدخل بمسلسل «فرقة ناجى عطالله» الذى يعتبر هو الأكثر تكلفة فى تاريخ الدراما المصرية ل70 مليون جنيه.. «عادل» استحوذ بمفرده كأجر على قرابة نصف هذا الرقم وهو ما لم يحصل عليه فنان آخر فى تاريخ الدراما التليفزيونية.. و«محمود عبد العزيز» يعود فى «باب الخلق» بعد غياب 8 سنوات كان آخر مسلسل له هو «محمود المصري» المأخوذ عن حياة «محمد الفايد» الملياردير المصرى الذى عاش فى لندن. الصراع الشرس بين النجوم الكبار بالطبع يشكل تحديا لهم ولكن الصراع الأكبر الذى سنشهده هذا العام مع النجوم الشباب مثل «أحمد السقا»، «كريم عبد العزيز»، «غادة عادل»، «خالد النبوي»، «آسر ياسين»، «خالد صالح»، «مصطفى شعبان»، «شريف منير» و « عمرو سعد». أعتقد أن «عادل إمام» سيحظى بنسبة مشاهدة عالية خاصة فى بدايات رمضان ولكن هناك تخوف سياسى من المسلسل حيث إنه سوف يضطر إلى ذكر اسم «حسنى مبارك» لأن البطل كان يعمل فى سفارة مصر بتل أبيب خلال حكم «مبارك» ويقرر سرقة بنك هناك مع عصابة يقودها فى تل أبيب.. هل سيحدد «عادل» موقفه من مبارك خلال الحلقات أم سيحاول ألا يتورط سياسياً كما أن عليه فى ظل تسارع الأحداث السياسية أن يعلن عن موقفه لأن «عادل» يحاول العودة للوطن عن طريق غزة والأردن وسوريا ولبنان وفى كل مرة يطرح وجهة نظر سياسية فى العلاقة مع هذه الدول.. الكاتب «يوسف معاطي» حرص على أن يطرح سيناريو المسلسل فى كتاب قبل العرض الرمضانى بعدة أشهر وهذا يعنى أنه يريد أن يبعث رسالة للمشاهدين تؤكد أنه غير راض عن إضافات ما وضعت فى السيناريو أثناء التنفيذ حيث شهدت العلاقة بين «عادل» و «معاطي» فى العامين الأخيرين توتراً بعد فيلم «بوبوس» الذى لاقى فشلاً ذريعاً.. «عادل» يدخل السباق الرمضانى مع ابنه «رامي» الذى يخرج المسلسل وابنه «محمد» يشاركه البطولة مع «أحمد» ابن صلاح السعدنى و«هيثم» ابن أحمد زكى هكذا فإن الخسارة لو حدثت لن تكون فقط لعادل الذى يقود الفرقة ولكنها للعائلة كلها ولمشروع التوريث الفنى برمته.. يدخل «عادل» المعركة الرمضانية وهناك من يطالب على الفيسبوك بمقاطعة المسلسل لأن «عادل» من رموز نظام مبارك، المؤكد أن شعبية «عادل» تراجعت بعد الثورة ولكن غيابه كل هذه السنوات يصبح ورقة مهمة تلعب فى صالحه وعلينا أن ننتظر ونترقب!! ومن الكبار «يحيى الفخراني» أو «الخواجة عبد القادر» حيث تجرى الأحداث فى أجواء صعيدية ويخرج المسلسل لأول مرة ابنه «شادى الفخرانى».. «يحيى» صار بمثابة أحد معالم رمضان وعلى مدى ربع قرن تشعر أن رمضان لا يستقيم إلا بمذاق «الفخراني».. نعم هناك رغبة فى التعامل مع الجديد من النجوم الشباب ولكننا لا نغفل أبداً تلك العشرة الطويلة التى تحددت معالمها مع «الفخراني» منذ «ليالى الحلمية» فى دوره الذى لا ينسى «سليم البدري» وتتابعت قفزاته الرمضانية. من الكبار تعود يسرا «شربات لوز» يلعب لصالحها اسم المخرج «خالد مرعي» والكاتب «تامر حبيب» ولكن الكوميديا تظل هى المشكلة خاصة ويشاركها البطولة «سمير غانم» الذى يقدم نوعا من الأداء الكوميدى تجاوزه الزمن كما أن آخر أفلامها «جيم أوفر» لم تكن «يسرا» موفقة فى لعبة الكوميديا فهل تنتصر مع «شربات لوز»؟! «نور الشريف» يعود مع «عرفة البحر» أتصور سيحقق نجاحاً متوسطاً كعادة «نور» فى مسلسلاته الأخيرة ولكن فى ظل هذا الزخم فى المسلسلات هل يكفى النجاح المتوسط لكى يواصل المشاهد المتابعة وهو ما ينطبق على «الهام شاهين» فى مسلسلها «قضية معالى الوزيرة» خاصة أن مخرجتها «رباب حسين» تقدم رؤية إخراجية تقليدية وشاشة الفيديو الآن صارت أكثر عصرية. وتعود هذا العام «نبيلة عبيد» نعتبرها فقط نصف عودة وهى بالقطع كذلك حيث إنها تشارك «فيفى عبده» فى «كيد النساء» الجزء الثانى إخراج «أحمد البدري».. لاقت «نبيلة» عدة هزائم متلاحقة فى رمضان بداية من «العمة نور» ثم «البوابة الثانية».. يبدو أن «نبيلة» تتشعبط هذه المرة فى ذيل جلباب «فيفي» وذلك بعد أن اعتذرت «سمية الخشاب» عن استكمال دورها فاخترع الكاتب دوراً آخر لنبيلة وهى «حلاوتهم» زوجة أولى لأحمد بدير دخلت السجن لمدة 25 عاما وخرجت وقررت الانتقام بينما «أحمد بدير» والذى كان قد مات فى نهاية الجزء الأول اعاده الكاتب للحياة.. إنه مسلسل يريد فقط صناعة استثمار نجاح الجزء الأول وتلك هى المشكلة.. و«غادة عبد الرازق» تعود هذه المرة «مع سبق الإصرار» وتلعب دور محامية.. كانت «غادة» قد وصلت لمرحلة التشبع فى الأجواء الشعبية بعد مسلسلات «الباطنية» و«زهرة وأزواجها الخمسة» و«سمارة» وكان من المهم أن تسبح فى مياه درامية مغايرة هذه المرة. ومن نجوم هذا الجيل مصطفى شعبان «الزوجة الرابعة» وكان «مصطفى» قد حقق نجاحاً ملفتاً فى مسلسل «العار» ومن الممكن أن تجد فى المسلسل تنويعة على مسلسل «الحاج متولي» الذى تزوج فيه أيضاً «نور الشريف» أربع وكان «شعبان» يؤدى دور ابن الحاج متولي.. و«جمال سليمان» يدخل السباق مع «سيدنا السيد» حيث يعود للتمثيل باللهجة الصعيدية التى كانت ولا تزال سر نجاحه.. و«ليلى علوي» التى تقدم «نابليون والمحروسة» مع المخرج التونسى «شوقى الماجري» الذى يشكل اسمه عامل جذب كواحد من أفضل مخرجى الشاشة الصغيرة فى عالمنا العربي.. هناك «الصفعة» لشريف منير و«الهروب» لكريم عبد العزيز مع ثنائى «أهل كايرو» الكاتب «بلال فضل» والمخرج «محمد على».. بينما «أحمد السقا» فى «الخطوط الحمراء» وخالد النبوى «ابن موت» وغادة عادل «سر علني» وحنان ترك «أخت تريز» وأعتقد أن الفرصة ضئيلة جداً مع «محمد سعد» فى مسلسله «شمس الأنصاري» حيث لاقى فشلاً ذريعاً فى أفلامه الأخيرة خاصة أنه فى المسلسل يتكئ على ممثل من الجيل القديم «فاروق الفيشاوي» بعد أن فقد «الفيشاوى» الكثير من لياقته الإبداعية والجسدية. ويبقى أن المسلسل الذى سيحظى بالقسط الأكبر من المتابعة هو «عمر» إخراج «حاتم علي».. تشير التوقعات إلى أن نصف مليار مسلم فى انتظاره وبمختلف لغات العالم حيث تمت ترجمته إلى الأندونيسية والتركية والفارسية والإنجليزية والفرنسية وذلك برغم اعتراض الأزهر على تجسيد سيدنا عمر وباقى الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم أجمعين.. المسلسل بالتأكيد سيحظى بتلك المشاهدة المكثفة خاصة أننا سنقرأ على التترات أسماء العديد من علماء الدين الأفاضل أقروا بصدق الوقائع التاريخية وبجواز تجسيد الخلفاء الراشدين. رمضان هذا العام غير مسبوق فى الدراما التليفزيونية أقرب إلى مذبحة بين شركات الإنتاج ومعركة تكسير عظام بين الجيل الكبير من النجوم وأيضاً الجيل الجديد الذى بدأ يحتل مكانة مهمة على الخريطة.. ويبقى السؤال.. هل لدى الجمهور متسع من الوقت لمشاهدة كل ذلك؟! تم نشره بالعدد رقم 606 بتاريخ 23/7/2012