علي خلاف الشائع لم تنجرف الثورة الفرنسية نحو حمامات الدم منذ بدايتها، بل بدأ عهد الإرهاب في الثورة الفرنسية بعد أربع سنوات، وليس حقيقياً ما قاله صحفي مشهور إن الثورة الفرنسية أعدمت الملك سريعاً، بل الحقيقة أن الثورة الفرنسية التي بدأت في 14 يوليو عام 1789 قد قبضت علي الملك بعدها بثلاث سنوات في أغسطس عام 1792 في أثناء محاولته الهرب من البلاد والانضمام للأعداء، وأنها أعدمته في يناير عام 1793 ورغم أهمية الثورة الفرنسية في التاريخ إلا أن عهد الدموية والإرهاب التي جرفها إليها الغوغائيون لم تفد منه الثورة شيئاً وكان وبالاً عليها وعلي سمعتها في التاريخ. وقد تنازع الثورة الفرنسية تيارات، تيار معتدل كان يسمي »الجيروند« وتيار متطرف يسمي »اليعاقبة« وكان »الجيروند« مسيطرين في البداية ويقودون البلاد إلي خطوات متدرجة إصلاحية تتسم بالتعقل، بينما لما تولي »اليعاقبة« قادوا البلاد نحو حمامات دم لم تفدها في شيء حتي سقطوا في النهاية بعد أن أساءوا لأنفسهم ولبلادهم وللثورة. والذي أراه الآن أن الثورة المصرية التي شاركنا فيها جميعاً يتنازعها تياران أحدهما يمثل اليعاقبة - والقياس مع الفارق فليس في العقل الجمعي المصري فكرة سفك الدماء - لكنه يريد أن يقود الثورة في طريق التطرف وإهدار سيادة القانون واتخاذ خطوات حادة، وإلا فما معني هذه الدعوات إلي مليونيات جديدة في التحرير!! وقد أصبح معظم مفسدي النظام السابق في السجون، وما معني الدعوة الآن إلي مجلس رئاسي ونحن نخطو نحو إنهاء الفترة الانتقالية مع انتخابات مجلس الشعب وبعدها الانتخابات الرئاسية، وما معني محاولة إسقاط المجلس العسكري في هذه اللحظة، أليس هذا أقرب ما يكون إلي انقلاب اليعاقبة في الثورة الفرنسية والذي أدي إلي قيام عهد الإرهاب والتنكيل بالمخالف. وما معني أن يقال إن الثوار لم يحكموا حتي الآن!! أليس رئيس الوزراء من الثوار؟.. ثم من قال إن الثوار قد قاموا بثورتهم ليحكموا هم؟.. لقد قام الثوار - وأنا واحد منهم - بثورتهم ليزيلوا المظالم والمفاسد، ثم يعود الحكم من بعدها للشعب، لقد قام الثوار ليحكم الشعب لا ليحكم الثوار، وبئس الثورة هذه التي يقوم بها أحدهم ليحكم ويتحكم. إن البلاد تمر بمنعطف حاد يحتاج لتوحد كل الجهود من أجل عبور الفترة الانتقالية، وإن آخر من نحتاجه اليوم هو ظهور »اليعاقبة« وسيطرتهم علي الأمور وتوجيه البلاد نحو عهد من الإرهاب الفكري إن لم يتطور إلي الجسدي مثلما حدث للثورة الفرنسية، وما هو ببعيد إن لم نأخذ الحذر ونتصدي لهؤلاء الذي يريدون الاستيلاء علي الثورة والتحدث بلسانها بدعوي أنهم كانوا طرفاً فاعلاً فيها، وينسون أن الثورة ملك لكل من شارك فيها، وليست حكراً علي هؤلاء اليعاقبة المصريين. [email protected]