منذ يومين كتبت عن الحكم الصادر ضد دميانة عبدالنور مدرسة المواد الاجتماعية فى مدرسة الطود بالأقصر، القاضى اصدر حكما بتغريم دميانة مبلغ مائة ألف جنيه، لماذا؟، لأن أحد أولياء الأمور تقدم بشكوى اتهم فيها دميانة بازدراء النبى محمد عليه الصلاة والسلام والتبشير بالمسيحية بين تلاميذ الصف الرابع الابتدائى بمدرسة الطود بمدينة الأقصر، وتساءلت بعد صدور هذا الحكم: من أين جاء القاضى بهذه الغرامة؟، (فالمادة 98/و) وضعت سقفا لعقوبتى الحبس والغرامة، فى الحبس نصت بألا تزيد مدته علي ستة أشهر، والغرامة تبدأ من خمسمائة جنيه وحتى ألف جنيه، والمادة خيرت القاضى بين العقوبتين، الحبس أو الغرامة، ولا يجوز الجمع بينهما: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي». بعد ان فرغت من هذا المقال وعدت مرة أخرى لما نشر عن القضية، اكتشفت ان النيابة العامة أخلت سبيل دميانة عبدالنور بمبلغ 20 ألف جنيه واحالتها لمحاكمة سريعة، فلفت المبلغ انتباهى، إذ كيف تكون غرامة العقوبة بحكم المحكمة بين خمسمائة وحتى ألف جنيه، وكفالة النيابة أكثر منها بعشرين مرة؟، هل يجوز قانونا أن يخرج المتهم فى قضية ازدراء للأديان بكفالة تفوق الغرامة التى سيدفعها عند إدانته أمام المحكمة؟. المنطق يقول إن الكفالة لا يجب ان تتساوى مع الغرامة المنصوص عليها فى قانون العقوبات، لأن مساواتها يعنى ازدواجاً في العقوبة، صحيح جزء او كل مبلغ يسترد، لكنه فى النهاية يشكل عبئا على كاهل المتهم قبل إدانته، كما انه يعد حكما بالإدانة قبل مثوله أمام المحكمة. عدت إلى قانون الإجراءات الجنائية(150 لسنة 1950) ربما يتضمن مواد تطلق يد المحقق فى تحديد الكفالة، وعثرت على ست مواد تتناول الكفالة، من المادة 146 وتنتهي بالمادة 149، ومن المادة 204 حتى 205، حيث منحت المادة 204 بشكل صريح النيابة حق الإفراج عن المتهم بكفالة: «للنيابة العامة ان تفرج عن المتهم فى اى وقت بكفالة أو بغير كفالة»، وذلك بعد تأكدها من وجود محل إقامة له(المادة 145)، هذه الكفالة يقدرها حسب(المادة 146) قاضى التحقيق(أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة)، مبلغ الكفالة(الذى ترك تقديره للمحقق) يتم تسديده من قبل المتهم او من أى شخص آخر، ويسدد فى شكل نقدى أو سندات أو مضمونة من الحكومة(المادة 147). ويراعي عند تقدير المبلغ تقسيمه إلى جزءين، جزء يخصص كضمانة لعدم مخالفة المفرج عنه لشروط الإفراج المؤقت( عدم تغيير مسكنه، عدم المثول أمام جهات التحقيق..) فى حالة تخلفه يصادر هذا الجزء لحساب الدولة بدون حكم قضائى، الجزء الثانى من مبلغ الكفالة(حسب نص المادة 146) يخصص لتسديد، أولا: مصاريف التقاضى، ثانيا: العقوبات المالية التى قد يحكم بها على المتهم. الذى يتوقف امام هذا البند جيدا يفهم منه أن سلطة المحقق فى تقدير مبلغ الكفالة مطلقة، وأنه يمتلك سلطة فرض مبالغ تفوق مبالغ العقوبة التى ينص عليها القانون، حيث تؤكد الفقرة ان الجزء الثانى من الكفالة سيسدد منه مصروفات التقاضى، ويسدد منه(وهو الأهم) العقوبات المالية التى قد يحكم بها على المتهم. فى ظنى ان هذه الفقرة من القانون تعد فى حد ذاتها عقوبة، لأن المتهم مطالب بان يسدد مبالغ قد تفوق المبلغ الذى سيحكم به فى حالة إدانته، وهو ما يدفع المتهم إلى عدم احترام جهات التحقيق وكذلك المحكمة، فقد سدد المبلغ وربما أكثر فما الذى يدفعه إلى المثول امام جهات التحقيق مرة اخرى او الانتظام فى اجراءات سير المحكمة. دميانة عبد النور خرجت بكفالة تقدر ب 20 ضعفا للمبلغ الذى ينص عليه قانون العقوبات، وحكم عليها بغرامة تفوق المبلغ المنصوص عليه مائة مرة، لماذا؟، ولماذا قدمت للمحاكمة بتهمة ازدراء الإسلام؟، ولماذا لم يفصل حتى اليوم فى قضية أبواسلام الذى مزق الإنجيل وقال إنه سيبول عليه؟، وهل شابة فى مقتبل عمرها تفكر فى الازدراء والتبشير فى محل عملها وبين تلاميذها؟، هل يعقل أنها تزدري الإسلام على الملأ، وهل من المنطقى أن تزدرى وتبشر بين تلاميذ الصف الرابع الابتدائى؟.