رغم مرور قرابة ثلاثين شهراً علي زوال عرش الرئيس السابق حسني مبارك، إلا أن الكثير من أسراره الشخصية ظلت طي الكتمان رغم ان الشغل الشاغل لوسائل الإعلام التي ظلت تقتات من خزانة أسرار العائلة التي حكمت البلاد طيلة ثلاثة عقود مازالت تبحث عما يشفي صدور المصريين التي تمثل لها أي معلومة عن ديكتاتورهم المستبد أشهي من أي فيلم سينمائي. اللواء حسين علام أحد الذين لازموا «مبارك» كظله لسنوات جاوزت العشرة أعوام، وتبدو أهمية شهادة الرجل الذي لم يسبق له أن تحدث للصحف من قبل في أنه عاصر الرئيس المخلوع في فترات التحول الكبري في حياته إذ تسلم عمله في فترة كان شعار «مبارك» خلالها «ليس للكفن جيوب»، حتي تحول إلي واحد من أشهر جامعي الثروات بين أقرانه وفتح الأبواب علي مصراعيها أمام حفنة من صغار رجال الأعمال ليتحولوا في غضون فترة وجيزة إلي قمة السلطة. في هذا الحوار يتحدث الحارس الشخصي للرئيس السابق عن العديد من المواقف التي كان فيها شاهداً علي «مبارك» والطريقة التي كان يدير بها شئون الدولة، كما يدلي علام بشهادته حول علاقة مبارك بأسرته وخاصة نجله «جمال» الذي كان بمثابة المسمار الأول الذي دق في نعش أبيه بعد أن ولدت بداخله شهوة السلطة. ما هي الفترة التي عملت فيها مع الرئيس السابق «حسني مبارك» وما رأيك فيها؟ - عملت معه منذ توليه الرئاسة عام 1981 وحتي منتصف عام 1992، وهذه الفترة من وجهة نظري من أزهي فترات حكمه، فقد تولي مقاليد الوطن في وقت لم تكن فيه مشروعات كافية وما هو موجود كان متهالكا، وقد عمل بمجهود وافر مستكملاً ما بدأه الرئيس الراحل أنور السادات، من إنشاء مدن جديدة، وأضاف إليها وتوسع فيها واهتم بالمناطق الصناعية بها، وليس أدل علي ذلك من مئات المصانع الكبيرة التي توقفت عن العمل في عهد الإخوان، بل إن «مبارك» نقل مصانع عدة من حالة الخسائر الفادحة وقت توليه الحكم إلي حالة تحقيق أرباح سنوية كبيرة مثل مصانع إيديال، والشركة المصرية للدخان، و«سكلام» للألبان وأخري كثيرة بالإضافة إلي ما تم استحداثه من مشروعات زراعية كثيرة. هل كنت تستشعر أنه رجل وطني؟ - نعم كنت أستشعر أنه وطني يحب مصر، وكان دائماً يفكر في مشاكلها، وكان متواضعا جداً في تعامله مع الآخرين، ويحترم كل من يتعامل معه، حتي وإن قلت درجته الوظيفية، وكان في هذه الفترة الأولي يبعد زوجته عن التدخل في شئون الدولة، وكان «جمال» و«علاء» صغيرين، فقد كان «مبارك» وقتها يجبرك علي حبه، وتشعر بذلك كلما اقتربت منه. وما عيوبه في هذه الفترة؟ - ليس سوي أنه كان عنيداً، خاصة إذا عقب أحد علي قرار اتخذه أو تدخل فيه. هل كان نشيطاً؟ - للغاية، فيستيقظ ما بين الخامسة والسادسة صباحاً، ليبدأ عمله اليومي في الثامنة وربما قبل ذلك، رغم أنه كان ينام في بعض الأحيان متأخراً بعد انتهاء عمله اليومي من متابعات قد تمتد إلي الساعات الأولي من الصباح، وربما ساعده علي ذلك أنه كان رياضياً يستغرق في ممارسة الرياضة ما بين 3 إلي 4 ساعات بعد انتهاء القسط الأول من يومه. هل كان متابعاً جيداً لأحوال الدولة، وهل كانت حواسه سليمة أم تردت مثل الأيام الأخيرة؟ - كان متابعاً جيداً، وأذكر أنه في صيف أحد الأعوام، مر علي مصنع شركة «سكلام» للألبان بالإسكندرية وكانت الشركة تحقق خسائر من 40 إلي 60 مليون جنيه في السنة، وحوالي 60٪ من ماكيناتها خارج الخدمة، ومياه الصرف الصحي تغرق المصنع حتي أنك كنت تشم الرائحة الكريهة من الطريق، وكان «مبارك» يعتمد في معلوماته بالدرجة الأولي علي أصدقائه ومعارفه كمصادر مجردة للمعلومات دون حذف أو اختصار، وقد تسبق المعلومات التي تمده بها أجهزة الدولة وبعد أن وصلته المعلومات عن هذا المصنع، توجه إليه في زيارة مفاجئة فتأكد من صحتها، وأمام جمع من الوزراء وأعضاء مجلس الشعب والشوري سأل رئيس مجلس إدارة المصنع.. ما رأيك فيما رأيناه..؟ فأجاب: أعطني مهلة ستة أشهر وهي كافية للقيام بعمليات إحلال وتجديد للماكينات، وتقليص الخسائر المحققة سنوياً، فرد عليه «مبارك»: ولك من عندي أيضا ستة أشهر وسآتيك في نفس اليوم من العام القادم، وفي العام التالي ذهب للمصنع في نفس التوقيت المتفق عليه، وفوجئ الحاضرون بأنهم داخل مصنع حديث كأنه في أوروبا أو أمريكا وليس داخل مصر، وهذا مثال من بين مئات الأمثلة. كيف كنت تراه وأنت تقوم بالحراسة الشخصية له؟ - فترة عملي معه كانت طيبة، وتحقق فيها إنجازات وأذكر هنا أنه كان متابعاً جيداً للصحف خاصة صحف المعارضة وبالطبع علي رأسها «الوفد» وكان خفيف الظل يحب الدعابة، وكنت أشعر وأنا معه أن مصر محل احترام شديد من دول العالم خاصة ألمانيا وفرنسا ناهيك عن الدول العربية خاصة الإفريقية والخليجية، وكان يرتبط بصداقات عميقة مع بعض الساسة في هذه الدول ومع الأمريكان أيضا، وكان يرجع ذلك إلي الفترة التي عمل بها نائبا مع الرئيس «السادات» التي أكسبته هذه الصداقات الطيبة مما ساعده كثيراً علي تيسير أمور الدولة منذ بداية تعيينه مباشرة. ما هي التحديات التي كانت تقف في وجهه من أول يوم؟ - المشاكل الاقتصادية، وكان هناك متحدثون كثيرون يدلون بدلوهم في حل المشاكل الاقتصادية، فيقول لأحدهم هل أجيء بك وزيرا للاقتصاد لتحقق ما تقول، وإذا لم تحققه أدخلك السجن؟.. فيقول له: لا يا ريس. متي بدأت الانتكاسة في حكم مبارك؟ - أقسم «مبارك» منذ أن تولي الحكم أن تكون فترة ولايته أربع سنوات فقط، وكان يقول لنا إن هذا المنصب همه ثقيل ومن يستطيع المرور بالبلاد خلال فترة حكمه يكون قد حقق بطولة خاصة في ظل المشاكل الاقتصادية الطاحنة التي كانت موجودة ولا تزال، وكذلك البطالة، ولكن بعد توالي فترات حكمه، وتقدمه في السن كان هذا سبباً في تدخل عائلته في الحكم لعدم ترك هذا المنصب، وعندما طعن في السن تدخل نجله «جمال» الذي كان طامعاً في منصب أبيه علي غرار ما كان في بعض الدول العربية مثل سوريا، وقد دفعه ذلك إلي أن يكون مجلس وزراء من بعض أصدقائه ومنهم رجال أعمال كان شغلهم الشاغل مصالحهم الشخصية، وكان يخفي عن والده بعض المعلومات التي قد تكون مؤثرة في تيسير أمور الحكم، وقد شجعته علي ذلك أمه «سوزان» ولم يكن مبارك قادراً علي المقاومة بفعل السن الذي كان يحتم عليه أن يترك هذا المنصب لآخر أكثر منه قدرة في إدارة شئون البلاد. بماذا شعرت يوم التنحي؟ - كان طبيعياً أن تكون هذه هي النهاية، فقد وصلت شريحة كبيرة من المواطنين إلي مرحلة يأس من المستقبل، فتعثرت فرص الإعاشة، واستشري الفساد من بعض المسئولين والمقربين من الرئيس سواء من بطانته أو من الحكومة. هل تعتقد أن «مبارك» سعيد الآن وهو يري انتكاس مرافق الدولة بعد وصول «الإخوان» إلي الحكم؟ - بالطبع، فحواسه لاتزال تعمل بكفاءة يري ويسمع ويتابع، فهو يتشفي وهو يري حكم الإخوان وهو الذي قال «خليهم يشربوا الإخوان». كيف كان أسلوب وطبيعة تعامل «مبارك» وأسرته مع الأمن؟ - الرئيس كان أفضلهم علي الإطلاق في تعاملاته مع عناصر الأمن الخاص به، وكان متباسطاً معهم، ويشعرهم بأنه قريب منهم، ويشعر كل عنصر في الأمن بقيمته، أما أسرته وخصوصاً في زوجته «سوزان» فقد كانت تتعامل بتعال مع عناصر الأمن لدرجة تقترب من أن تنفر منها، ونفس الشأن مع «جمال» أما «علاء» فكان يبتعد عن كل ما يمس السياسة علي عكس شقيقه الذي كان عاشقاً لها حتي أوردته المهالك. ما رأيك في فترة حكم الإخوان؟ - مبارك كان فرداً لا تحيط به جماعة، فكان كل الشعب عنده سواء سوي بعض المجاملات القليلة، وكان دائماً يقول لنا «إذا الشعب أراد لا يستطيع أي حاكم أن يقف أمام إرادة الشعب» أما الإخوان فقد باتت أمورهم واضحة لا تحتاج إلي تعليق، حيث الجماعة هي التي تدير الدولة، وبات واضحاً التدهور لكل ذي عينين في الأحوال الاقتصادية والمعيشية والأمنية عن ذي قبل. بماذا تفسر الأوضاع الآن في شبه جزيرة سيناء؟ - هناك اتفاق أمني نتيجة اتفاقية «كامب ديفيد» خاصة الخط في المنطقة «ج» والمنطقة المتاخمة للحدود الشرقيةلسيناء وقد استغل ذلك بعض المنظمات الإرهابية المتشددة من داخل مصر وخارجها، خاصة في فترة الثورة وحالة التسيب الأمني الشديد وغياب الرقابة علي الحدود والمعابر، بالإضافة إلي أن صلة قرابة فكرية تجمع بين التيارات الإسلامية المتشددة في سيناء والتيارات الإسلامية الموجودة في الحكم، بالإضافة أيضاً إلي من تم الإفراج عنهم من تلك العناصر من السجون، وقد أدي كل ذلك إلي استفحال مشكلة الإرهاب في ظل استمرار فتح الأنفاق بين مصر وغزة، وهذه مشكلة ضخمة لا يمكن حلها إلا إذا أطلق الرئيس «مرسي» يد الجيش والشرطة للقضاء علي تلك البؤر الإرهابية فالأنفاق بيننا وبين غزة هي بيت القصيد في شيوع الإرهاب. وماذا عن مشكلة تنمية إقليم قناة السويس؟ - هناك مخاوف كثيرة من هذا المشروع خاصة خلال بنود القانون الذي يعد من أجله والذي يقضي بأن يكون غير قابل للطعن عليه، وقد سبقه في ذلك قانون الصكوك، مما يزيد الشبهات من حوله، ويخشي أن يكون بداية لتقسيم مصر، أو بيع القناة لدولة أجنبية كحق انتفاع علي الأقل دونما وجود أي سيادة لمصر عليها. ما هي الأدوات التي علي الرئيس «مرسي» أن يستعين بها حتي لا يلقي مصير «مبارك»؟ - لابد أن يشعر الشعب أنه رئيس لكل المصريين، وهذا لم نره في أي موقف سابق، وعليه أن يشعر بمشاكل المواطنين ويحاول حلها بعيدا عن أخونة الدولة، ولكننا لم نر أي بادرة مبشرة في هذا الشأن، وعلي «مرسي» أن يمتنع عن سياسة الإقصاء التي ينتهجها تجاه التيارات الأخري، ويستعين بأهل الكفاءة في مصر وهم كثيرون جداً، وأن يشعر الشعب أنه الحاكم الفعلي بعيداً عن مكتب الإرشاد ولكننا للأسف لا نشعر بشيء من ذلك، لكن لاتزال أمامه الفرصة. بطاقة شخصية اللواء حسين علام الحارس الخاص للرئيس السابق حسني مبارك منذ عام 1981 حتي 1992. كان ضمن المجموعة الأولي التي عبرت القناة في حرب أكتوبر 1973. خبير في مكافحة الإرهاب الدولي، وحماية الشخصيات والرماية والمفرقعات. عمل رئيساً لقطاع الأمن بشركة المقاولين العرب لمدة 4 سنوات. وكيل هيئة الرقابة الإدارية.