فى يناير 1977 خرج المصريون فى الشوارع للتظاهر ضد سيد مرعي رئيس مجلس الشعب آنذاك مرددين «مرعي بيه يا مرعي بيه كيلو اللحمة بقي بجنيه». والآن قفز سعر كيلو اللحم الأحمر إلي 100 جنيه للفلتو والعرق والقطع الفاخر في بعض السلاسل التجارية والأحياء الراقية وللأسف لا يستطيع المستهلك المغلوب على أمره اتخاذ أى موقف حتى سلاح المقاطعة لم يعد مجدياً. وإذا كان التجار يتذرعون دائما بارتفاع أسعار العلف والدولار فإن أسعار بيع اللحوم فى المحافظات المجاورة للقاهرة تدحض جميع هذه الافتراءات فسعر كيلو اللحم لا يزيد على 50 جنيها من الأنواع التى تعتبر أفضل جودة من المباعة فى السلاسل التجارية، مما يؤكد أن جشع التجار هو السبب الأول والأخير وراء الارتفاع الجنونى للأسعار. وفى دراسة تحليلية أعدها الخبير الاقتصادى حسن هيكل عن اللحوم فى مصر أكد أن السبب الأول والأخير لزيادة أسعار اللحوم هو التجار. ففى عام 2009 لم تشهد أسعار اللحوم أى ارتفاع فى الأسواق العالمية طبقا للتقارير الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) بل إنها انخفضت بنسبة 8% مقارنة بعام 2008 في ظل انخفاض أسعار الأعلاف والحبوب إبان تداعيات الأزمة العالمية ومع ذلك ارتفعت أسعار اللحوم فى مصر وفى عام 2010 عندما ارتفعت الأسعار العالمية بنسب قليلة سارع المستوردون المصريون لرفع الأسعار بمعدلات وصلت إلي 30% خلال أسبوع بما يؤكد وجود شبهة الاستغلال للمستهلك المصري. وفى عام 2011 كانت أسعار اللحوم الأبقار فى أعلى من مستوياتها لعام 2010 بمقدار 16% وفى عام 2013 شهدت أسعار اللحوم استقرارا نسبيا حتى الآن طبقا لأحدث التقارير الصادرة عن الفاو فى فبراير الماضى. وأشارت الدراسة إلى وجود فجوة كبيرة بين إنتاج اللحوم الحمراء وبين الاستهلاك تتسع وتتزايد سنويا قائلا إن الحكومة توقعت أن حجم الاستهلاك سيصل عام 2011 إلي مليون و219 ألف طن وأن الإنتاج سيصل إلي 950 ألف طن، بينما في عام 2010 لم يتجاوز حجم الإنتاج 670 ألف طن فقط بفارق عن المستهدف 280 ألف طن، مما ضاعف من المشكلة بالإضافة إلي العجز المتوقع عند استهداف الخطة التي عجزت الحكومة عن تحقيقها وقدره 269 ألف طن. أي أن جملة الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك ستتجاوز 550 ألف طن وهو تقريبا الحادث ولكن عام 2010 انخفض حجم المذبوح من رؤوس الأبقار والجاموس انخفض في 2009 و2010 عما كان عليه في عام 2008 سواء من الأبقار أو الجاموس أو العجول البقري أو حتي الأغنام وهو ما يعني انخفاض المعروض من الإنتاج المحلي وزيادة العجز!! أكدت الدراسة أن المواطن المصري أقل استهلاكا للحوم علي المستوي العالمي حيث تشير الإحصاءات إلي أن متوسط الاستهلاك السنوي للحوم الحمراء في مصر لا يتجاوز 14.9 كيلو جرام سنويا (في الريف تقل كثيرا عن هذا المعدل)، أما في أمريكا يصل استهلاك الفرد إلي 100 كيلو جرام سنويا. أما في دولة أفريقية مثل غانا فإن معدل استهلاك الفرد يصل إلي 17 كيلو جراما سنويا. وهو ما يعني أن المواطن المصري خاصة إذا أخذنا في الاعتبار عدم تساوي الريف مع الحضر في استهلاك اللحوم بمصر لاكتشفنا حجم النقص الخطير في البروتين الحيواني للكثير من المواطنين مما قد يعرضهم لمخاطر صحية. وتؤكد الدراسة أن مستهلكي اللحوم في مصر بأسعارها الحالية لا يزيدون على 24.6% من عدد السكان طبقا للإحصاءات الرسمية وأنه في حال تحسن الأوضاع المعيشية فسيزيد استهلاك اللحوم بمعدلات أكبر من الزيادة الناتجة عن معدلات الزيادة السكانية وستتفاقم المشكلة أكثر وفقا للبيانات الصادرة عن مركز المعلومات بمجلس الوزراء، مشيرا إلى أنه فى حالة عودة أسعار العلف إلى الانخفاض فإن رؤوس الماشية لم تنخفض مرة ثانية.