رئيس البرلمان منتقدًا غياب "نواب": أقول أسماء الغائبين بصوت عال لأهمية الجلسة وليس لإحراجهم    محافظ المنوفية ورئيس الجامعة يفتتحان المعهد الفني للتمريض الجديد بمنشأة سلطان    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    تنسيق الجامعات.. 6 أقسام متاحة لطلاب الثانوية ب حاسبات حلوان    القوات المسلحة تنظم لقاءً تعريفيًا بمبادرة معهد تكنولوجيا المعلومات لتدريب المجندين    "نرفض التمييز".. رئيس "صحة النواب" ينتقد مشروع قانون المنشآت الطبية الخاصة    الوكالة الدولية تكشف حجم الخسائر التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية    الاتحاد الأوروبي: ملتزمون بتكثيف الجهود لتهدئة الصراع بين إيران وإسرائيل    روسيا تنصح رعاياها بمغادرة إسرائيل عبر مصر    16 لاعبًا في صفوف الأهلي وبالميراس في صدام متجدد بمونديال الأندية    4 قرارات عاجلة من النيابة في انهيار مدخنة مصنع طوب بالصف    طب قصر العيني تنظم يوما علميا طلابيا "في الوقاية حماية"    «استئناف المنيا» تؤيد عقوبة الإعدام شنقًا ل قاتل عروس بني مزار    اليوم .. محاكمة 15 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية في مدينة نصر    بحضور وزير الثقافة ورئيس الأعلى للإعلام.. افتتاح استديو نجيب محفوظ بماسبيرو    «وحشتنا القاهرة».. إلهام شاهين تعلن عودتها من العراق    انطلاق برنامج «مصر جميلة» لاكتشاف ودعم الموهوبين بقصر ثقافة أبوسمبل (صور)    ما هي علامة قبول الطاعة؟.. أستاذ بالأزهر يجيب    «الصحة»: «التأمين الصحي» أصدرت 19.9 مليون قرار علاج مميكن خلال العام المالي 2024/2025    «الصحة»: الدولة تسير في مسار مالي لتحفيز الأطباء وتحسين بيئة العمل بالمستشفيات الحكومية منذ 11 عامًا    محافظ المنوفية يدشن قافلة طبية متكاملة بمنشأة سلطان ضمن احتفالات العيد القومي    إطلاق سيارات الأحوال المدنية المتنقلة لخدمة سكان وديان جنوب سيناء    «التضامن» تقر تعديل وتوفيق أوضاع 3 جمعيات في القليوبية وكفر الشيخ    حقيقة استبعاد محمود تريزيجيه من مباراة بالميراس البرازيلي    شوبير يكشف سبب تبديل زيزو أمام إنتر ميامي وحقيقة غضبه من التغيير    وزير الزراعة يفتتح ورشة العمل الأولى لتنفيذ استراتيجية إعلان كمبالا للبحث والتطوير الزراعي في أفريقيا    المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: قطع الاحتلال للاتصالات والإنترنت جريمة مدروسة ومقصودة لعزل القطاع    الدفاعات الجوية الإيرانية تتصدى لهجمات إسرائيلية قرب منشآت حساسة    رئيس مجلس النواب يعلن قواعد مناقشة الموازنة العامة    محافظ سوهاج يدعو المواطنين للإبلاغ عن وقائع الغش في امتحانات الثانوية العامة بالأدلة    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    طارق شكري في مؤتمر «أخبار اليوم العقاري»: نحتاج جهازًا حكوميًا لتصدير العقار    الثانوية العامة 2025.. أبرز المعلومات عن كلية علوم الرياضة للبنات بالجزيرة    أحمد السقا يرد برسالة مؤثرة على تهنئة نجله ياسين بعيد الأب    خلافات زوجية في الحلقة الثالثة من «فات الميعاد»    شام الذهبي تطمئن الجمهور على نجل تامر حسني: «عريس بنتي المستقبلي وربنا يشفيه»    القبض على 3 متهمين بسرقة كابلات من شركة بكرداسة    حكم الصرف من أموال الزكاة والصدقات على مرضى الجذام؟.. دار الإفتاء تجيب    الدخول ب 5 جنيهات.. 65 شاطئًا بالإسكندرية في خدمة المصطافين    معلق مباراة الأهلي: الحماس سبب تريند «تعبتني يا حسين».. والأحمر كان الأفضل (خاص)    انخفاض الطماطم.. أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    أسعار النفط تقفز وسط تصاعد المخاوف من تعطل الإمدادات    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    الاثنين 16 يونيو 2025.. البورصة المصرية تعاود الارتفاع في بداية التعاملات بعد خسائر أمس    موريتانيا.. مظاهرات منددة بالعدوان الإسرائيلي على إيران وغزة    أحمد فؤاد هنو: عرض «كارمن» يُجسّد حيوية المسرح المصري ويُبرز الطاقات الإبداعية للشباب    الرئيس الإيراني: الوحدة الداخلية مهمة أكثر من أي وقت مضى.. ولن نتخلى عن برنامجنا النووي السلمي    إيران تنفذ حكم الإعدام فى مدان بالتجسس لصالح إسرائيل    حالة الطقس اليوم في الكويت    انتصار تاريخي.. السعودية تهزم هايتي في افتتاحية مشوارها بالكأس الذهبية    "عايزة أتجوز" لا يزال يلاحقها.. هند صبري تشارك جمهورها لحظاتها ويكرمها مهرجان بيروت    مدرب بالميراس يتوعد الأهلي قبل مواجهته في مونديال الأندية    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    كريم رمزي يكشف تفاصيل جديدة عن توقيع عقوبة على تريزيجيه    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يواصلون كفاحهم رغم مشقة الصيام
نشر في الوفد يوم 30 - 03 - 2023


وجوه «مضيئة».. فى رمضان
فى شهر رمضان كل شىء مختلف.. مظاهر الحياة.. العادات اليومية.. سلوك المواطنين.. حال الشوارع.. وحتى العمل له مذاق مختلف.
يبدأ اليوم الرمضانى مع أذان الفجر، كثيرون يستيقطون قبل تغريد العصافير، وينطلقون إلى عملهم، وعندما تشير عقارب الساعة إلى السادسة صباحًا ومع إشراق الشمس تجد صائمين يسعون على «لقمة العيش».. كلما تجولت فى الشوارع تجدهم فى أماكنهم يمارسون عملهم برضا وابتسامة ليكون لهم ثواب الصيام مضاعفًا مع إخلاصهم فى عملهم.
رغم ذلك فإنه مع بداية شهر الصوم نشهد ألوانا من التناقضات بين فئة تحرص على قضاء حوائج الناس، وفى المقابل نجد آخرين يصدرون المشكلات لغيرهم، فكم من المشاحنات التى نشاهدها فى نهار رمضان سببها الذين يتحججون بالصوم.
كما يشهد الشهر الكريم فئة أخرى من «الشقيانين» فى سبيل الحصول على «لقمة العيش» وفى المقابل نجد غيرهم يتغيبون عن أعمالهم فى المكاتب المكيفة ويعطلون مصالح المواطنين بحجة الصيام، وهى ظاهرة مؤسفة تتكرر فى رمضان كل عام.
هذا الملف يرصد وجوها «مضيئة» فى شهر الصوم لا تمنعها مشقة الصيام من الكفاح والسعى إلى رزقها.
عمال المخابز: نصوم رغم لهيب النار
أمام لهيب النار يواصل «شعبان» عمله بكل عزيمة وقوة.. لا يبالى مشقة الصيام أمام أهوال النار التى تزيد من عطشه، حتى يجف لسانه.
قرابة 10 ساعات يقضيها صاحب الجسد النحيل أمام نار الفرن وهو صائم وقال: «أحاول أن أضحك مع أصحابى فى الفرن ونتبادل النكات والقفشات الضاحكة علشان نعدى يومنا».
بحرفية شديدة يضع الشاب العجين على يده فى شكل دائرى ثم يلقيه داخل الفرن.. ويقول إن ساعة العمل فى نهار رمضان أمام النار تقارب فى الجهد يومًا كاملاً من الأيام العادية.
يخرج الشاب منديلاً من القماش ويزيل العرق الذى غطى وجهه، ويذكر موقفًا له فى رمضان الماضى ويقول: «فيه يوم أنا فطرت فيه لما اشتد الحر فى وكانت الأرصاد قد حذرت من ارتفاع درجات الحرارة وأمام الفرن كان الأمر أشد صعوبة فلم أملك نفسى حتى وقعت على الأرض وتم نقلى إلى المستشفى».
«لقمة العيش صعبة ويمكن اخترت المهنة دى علشان ورثتها عن والدى».. يستكمل الشاب الثلاثينى حديثه قائلا: إن الصحبة الحلوة أكبر نعمة لأصحاب المهن الشاقة فى رمضان، وتابع: «لو الواحد متكلمش ولا مضحكش اليوم يبقى علقم».
نفس الأحوال يعيشها محمد الفتوة، قائلا: إن العمل أمام ألسنة النيران فى رمضان شرف كبير، ويمنحنى شعورا بأننى بطل أمام نفسى لما أقوم به من دور اجتماعى فى تقديم العيش للمواطنين، ففى الوقت الذى يهرب فيه الجميع من الحر يقف «الفتوة» صادمًا أمام لهيب الفرن.
«ربنا يعلم ريقى يبقى زى الحجر لكن كلمة شكر من الريس جودة صاحب العمل بتشيل كل التعب».. يستكمل الفتوة حديثه ويقول إنه كغيره من العاملين فى المخابز يحاولون أن يستمدوا قوتهم من الصحبة الحلوة وروح الدعابة.
«الفتوة» تعوّد على العمل منذ نعومة أظافره.. عشق التعب والاجتهاد وبناء الذات.. وقال: «الزمن ده زمن الكفاح.. علشان كده، كله لازم يشتغل ويتعب ويجتهد علشان يقدر يعيش فى الزمن الصعب الذى نعيشه».
بائعة جرائد: شهر العمل.. لا الكسل
الساعة تدق السادسة صباحًا، تخرج بائعة الجرائد من منزلها فى أرض اللواء مترجلة حتى تصل لمحطة البحوث بالدقى، وعلى الرغم من تقدم عمرها إلا أنها ما زالت «تعافر» مع الحياة، وقالت: «ربنا مابينساش حد ومدينى الصحة علشان ماحتاجش لحد».
«فواكه»، سيدة لا تفارق شفتيها الابتسامة تروض مصاعب الحياة بالرضا والوجه البشوش.
تقول: «الحياة دى مدرسة.. ياما اتعلمت منها.. وكمان من قرايتى للجرايد شوفت الكثير».. فواكه، لم تستكمل تعليمها وتوقفت عند المرحلة الإعدادية، موضحة أن ظروف والدها المادية كانت لا تسمح باستكمال التعليم فكانت تنظر لغيرها من الفتيات فى سنها بنظرة الغيرة ولكن مع مرور السنوات اقتنعت بأن كل شىء رزق.
بائعة الجرائد أم لفتاتين، وكانت زوجة لبائع جرائد وبعد وفاته قررت استكمال مسيرته، قالت: «ماكنتش أعرف أبيع ولا أشترى حاجة إلا الجرائد علشان شربت الشغلانة من جوزى».
ومع حلول رمضان، قررت بائعة الجرائد متابعة نشاطها بنفس عدد الساعات، وقالت: «اللى زيى لو بطل يشتغل يموت من الجوع.. ورمضان شهر العمل مش الكسل».
وحول موقف أبنائها منها لكونها سيدة فى الخمسين من عمرها وتحتاح المساعدة ردت قائلة: «عيالى كل واحد فيهم عايش حياته والدنيا تلاهى.. كلهم متجوزين».
وأشارت «فواكه» إلى أن رزقها فى رمضان مضاعف على الرغم من أن أعداد قراء الجرائد نفس العدد، ولكن يشترون الجرائد بكميات كبيرة.
من بيع الجرائد استطاعت «فواكه» تربية أبنائها، حتى استكملوا تعليمهم وتزوجوا، لكن فى رمضان يحاولون أن يقضوا معها بعض الأيام ليؤنسوا وحدتها، خاصة أن هناك العديد من الأيام تمر عليها وتشعر فيها بالوحشة فور أن تعود لمنزلها، وتقول: «ساعات بحس بالخوف إنى أموت وملاقيش حد ينقذنى.. وجيرانى على طول بيحاولوا يتواصلوا معايا ويطمنوا عليا عارفين بحالى ووحدتى».
عامل نظافة: الرزق يزيد فى الشهر الكريم
على أحد الأرصفة وجدناه جالسًا يلتقط أنفاسه قليلاً حتى يقوى على استكمال عمله الشاق فى تنظيف الشوارع.. ما أن تقترب منه حتى يستقبلك بابتسامة صافية تشعرك بحنان الأبوّة وحديث عذب يعطى معنى للحياة.. لا يهتم بعمره الذى تعدى الخمسين عامًا قضاها فى تنظيف أماكن غيره من المواطنين.. هذا هو جمال السيد.
يدفع الرجل الخمسينى بجسده النحيل عربة حديدية مليئة بالقمامة ويقول: «الريحة اللى بتطلع من العربية كفيلة تفطر أى حد لكن ربنا بيقوى».
ويضيف: «المرار الأكبر لما يكون الصيام مع الصيف.. عذاب اللى زينا بيكون أكبر».. موضحا أنه مثل غيره من عمال النظافة يفضل العمل فى الشتاء أكثر من الصيف لعدة أسباب منها كثرة الأمراض التى تلاحقهم من العمل فى القمامة صيفًا ومحاصرتهم من الذباب بشكل مستمر، وغيرها من الروائح التى تفوح من الأطعمة الفاسدة بفعل الحرارة وأكياس البلاستك.
وفى شهر الصيام يزداد ساعات عمل «عم جمال» حيث يبدأ يومه من الخامسة فجرًا حتى يستطيع العمل فى ساعات الصباح وقبل أن تلتهب أشعة الشمس، ويقول: «بحاول أصحى بدرى فى رمضان علشان أخلص الشغل على الساعة 3 عصرًا». بينما فى الأيام العادية يبدأ يومه فى السابعة صباحًا وينتهى الثانية ظهرًا.
«رمضان شهر الخير.. والرزق فيه بزيادة والإكراميات أكثر بكثير».. يستكمل عامل النظافة حديثه قائلا: إن الجهد المبذول فى رمضان كبير جدًا لكن مع ابتسامة أبنائه حال عودته ببعض اللقيمات التى تسد رمقهم يشعر بفرحة كبيرة تذيب من جسده هموم اليوم.
يسير عامل النظافة فى الشارع وأمامه عربته الحديدية ويقول: «مفيش رمضان جه عليا إلا والخير جه معاه»، ومع حلول شهر الصيام يحاول الجميع مراضاته ببعض الجنيهات فى سبيل الإكراميات، ويتابع: «الناس قلوبها شوية بتحن ولما بيلاقوا حد شقيان بيراضوه».
يتذكر عامل النظافة يومًا عاد فيه باكيًا لمنزله، وقال: «فيه يوم ماكنش فيه جنيه فى جيبى وعيالى كانوا عايزين طلبات وواحد منهم عيان».
عامل تسليك المياه: أعمل 24 ساعة.. ولا أنسى قراءة القرآن
عقارب الساعة تشير إلى السابعة صباحًا يبدأ عيد خليل يومه مع شركة المياه فى تسليك البالوعات، تحت شعار «طوارئ ال24» يعيش صاحب الأربعين عامًا مع عمله الشاق.
فى الوقت الذى يتهرب فيه الجميع من ألسنة أشعة الشمس الحارقة فى رمضان يستقبل «عم عيد» تليفون طوارئ من أحد المواطنين بوجود بالوعة مغلقة تسبب غرق الشارع.
«عيد» والملقب ب«صاحب المهام الصعبة» تجده كثيرًا مترجلاً فى الشوارع.. ابتسامته مألوفة للجميع ما أن تقترب منه حتى يذكرك بقول «لسه الدنيا بخير».
«رمضان شهر الكرم والتعب فيه بثوابه والرزق بيزيد».. قالها عامل التسليك وهو يشعر بالفخر لما يقوم به فى خدمة المواطنين، لا يبالى بالضغوط التى يتعرض لها من المواطنين، وقال: «الكل عاوز كن فيكون.. ببقى مش ملاحق على الشغل».
استكمل الرجل الأربعينى حديثه وقال أن هناك أياما يخرج فيها طوارئ لأكثر من 8 مرات وفى كل مرة يشعر بمشاق الحياة وتابع: «الساعة اللى بخرجها فى رمضان تعبها يقارب تعب أسبوع كامل من الأيام العادية.. بس الجنيه اللى بكسبه بيشيل تعبه تحت الشمس».
عامل البالوعات كثيرًا ما يحرص على تلاوة القرآن الكريم فى نهار رمضان بعد أن يذهب إلى الجامع ويؤدى صلاة العصر. يمسك بمصحفه ثم يقرأ القرآن ويقول: «فيه سنوات أنا بختم فيها القرآن.. أحاول استغلال أى وقت بكون فاضى فيه».
«الحياة بيكون فيها بركة لما براعى ربنا فى شغلى وحريص على التقرب إلى الله».. يستكمل «عيد» حديثه ويشير إلى أن راتبه ضعيف جدا مقابل أهوال الحياة ومتطلباتها ولكن «البركة» التى تحل عليه وعلى أسرته جعلته يستطيع أن يسد احتياجاته وتابع: «اللى بيتعب بيلاقى ولما براعى ربنا فى لقمة عيشى ربنا بيبارك فى قرشى».
موظفون يعطلون مصالح الناس.. والإفتاء: حرام شرعاً
حالة من الغضب تسود بين كثير من المواطنين بسبب سلوكيات بعض الموظفين الذين يتخذون من الصيام حجة فى تعطيل مصالح المواطنين وغيرها من المشاجرات التى تنشب يوميًا خاصة على مواقف الميكروباصات وبين السائقين والركاب.
أنت الآن على خدمة «كله بعد رمضان بإذن الله».. قالها بسخرية أحمد سالم، موظف، مشيرا إلى أنه يعمل فى إحدى الشركات الخاصة منتقدًا سلوكيات غيره ممن يعرقلون مصالح المواطنين سواء فى المصالح الحكومية أو المؤسسات الخاصة.
يشير الرجل الخمسينى إلى أنه كثيرًا ما يشاهد المشاجرات بين المواطنين الذين يأتون إلى المصالح الحكومية لقضاء حوائجهم وبين الموظفين ويحاول أن يتدخل لفض الشجار حتى دخل هو فى إحدى المرات فى مشاجرة مع
أحد الموظفين، وقال له: أنا موظف زيك وصايم أهو وبجرى علشان أخلص مصالح غيرى راعوا ربنا فى الناس.
«أنا فى مرة من المرات رحت قسم شرطة علشان موظف مش بلاقيه على مكتب لأكثر من مرة».. بهذه الجملة استهل وليد على حديثه، وسرد سيناريو مشاجرة بينه وبين أحد الموظفين المتكاسلين فى شهر رمضان ولم يجده لعدة مرات وبعدما توصل له وعاتبه رد الموظف عليه ردًا أثار غضبة حينما قال: الدنيا صيام ومش ناقصين صُداع.
«فيه ناس معدومى الضمير وللأسف دول كتير أوى ومايعرفوش أن العمل عبادة وأن التكاسل فى رمضان حرام».. قالتها بغضب شديد فوزية محفوظ حينما تذكرت موقفاً لها داخل إحدى المصالح الحكومية مع أحد الموظفين الذين تشاجر مع جميع المواطنين المقبلين عليه لقضاء حوائجهم.
تصمت السيدة الأربعينية قليلاً وتقول: إن شهر رمضان المفترض أن يكون شهر الرحمة بين المواطنين إلا أن نادرًا ما يكون ذلك سواء فى الشوارع أو فى المصالح وتابعت: الخناقات أصلا مش بتزيد إلا فى رمضان وبنشوف ده كتير فى المواصلات ده غير الشتائم.
كله بعد العيد.. قالها صبرى خلف، موظف، بسخرية شديدة، مشيرا إلى أن المواطنين كثيرًا ما يدخلون فى مشاجرات دائمة مع الموظفين وغيرهم من السائقين.
وتابع: تقريبا الناس فاهمة غلط.. رمضان بييجى علشان يتوبوا مش علشان يبقوا شياطين.. السواق من دول بيتلكك علشان يتخانق مع الركاب والموظفين بيقضوا حوائج الناس بالغصب.
فى بيان لدار الإفتاء، أكدت أن ما يفعله الكثير من الموظفين من تعطيلٍ لمصالح غيرهم أو من يتقاضى أموالاً بغير وجه حقّ ليقضوا لهم مصالحهم محرمٌ شرعًا.
كما أوضحت أن تلك السلوكيات مُجَرَّمٌ فى قانون العقوبات، والواجب الضرب على أيدى هؤلاء المرتشين العابثين الفاسدين، ما لم يتوبوا إلى الله مما يفعلون، كما أن على ولى الأمر أن يُغيث كل من طلب منه الغوث للقضاء على مثل هذا الفساد العريض.
الأمر لن يتوقف على ذلك فحسب بل هناك عقوبة قانونية على تعطيل مصالح المواطنين، حسبما قال عصام محمود، الخبير القانونى.
وأشار عصام إلى أن قانون العقوبات يواجه ممارسات الموظفين الذين يتعمدون عرقلة مصالح المواطنين، حيث تنص المادة 124 من هذا القانون، على أنه إذا ترك ثلاثة على الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عملهم ولو فى صورة الاستقالة أو امتنعوا عمداً عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم متفقين على ذلك أو مبتغين منه تحقيق غرض مشترك عوقب كل منهم بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على مائة جنيه.
ويضاعف الحد الأقصى لهذه العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم فى خطر، أو كان من شأنه أن يحدث اضطراباً أو فتنة بين الناس أو إذا أضر بمصلحة عامة.
ووفقا للمادة، كل موظف أو مستخدم عمومى ترك عمله أو امتنع عن عمل من أعمال وظيفته بقصد عرقلة سير العمل أو الإخلال بانتظامه يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه.
ويضاعف الحد الأقصى لهذه العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم فى خطر أو كان من شأنه أن يحدث اضطراباً أو فتنة بين الناس أو إذا أضر بمصلحة عامة.
واختتم عصام حديثه بالتنويه إلى المادة 124 (أ)، والتى تنص على أن يعاقب بضعف العقوبات المقررة بالمادة 124 كل من اشترك بطريق التحريض فى ارتكاب جريمة من الجرائم المبينة بها، ويعاقب بالعقوبات المقررة بالفقرة الأولى من المادة المذكورة كل من حرض أو شجع موظفاً أو مستخدماً عمومياً أو موظفين أو مستخدمين عموميين بأية طريقة كانت على ترك العمل أو الامتناع عن تأدية واجب من واجبات الوظيفة، وفضلاً عن العقوبات المتقدم ذكرها يحكم بالعزل إذا كان مرتكب الجريمة من الموظفين أو المستخدمين العموميين.
استشارى علم النفس: انعدام الثقة.. سر الشعور بالكسل
قالت الدكتورة منى حمدى، استشارى علم النفس، إن التكاسل بالعمل يصنف فى علم النفس بأنه عادة وسمة شخصية وليس اضطرابا نفسيا تتسم به بعض الشخصيات، كنتيجة لعدة عوامل منفردة أو مجتمعة منها عدم الثقة بالنفس وانخفاض تقدير الذات وفقد الاهتمام بالعمل.
وأشارت الدكتورة «منى» إلى أن مصادر التشتت متعددة ونقص فى مستوى التحفيز والذى يزيد من إطلاق «الدوبامين» هرمون سعادة الإنجاز فى الجهاز العصبى، وهى المادة المسئولة عن الإحساس بالسرور والتى كلما زاد إفرازها زاد الإحساس بالرضا، وزيادة القبول والإقبال على العمل، كما تتميز شخصيات المقصرين والمتكاسلين فى رمضان بالتململ السريع والتسويف والمماطلة وانخفاض الإرادة فى حين يرتفع لديهم التبرير للذات والاتجاه المادى فى تناول الأمور وقصور النظرة الدينية والأخلاقية.
وأضافت: يعمد بعض الناس فى رمضان إلى اتخاذ الصيام رخصة وذريعة نفسية للتهرب من بذل الجهد فى العمل والتعامل ويتبنون متلازمة الصيام العصبى ويغفلون عن الجانب الأهم والأعمق فى رمضان وهو الصوم عن كل ما يغضب الله وتهذيب النفس والارتقاء بها، فيستخدمون أحد أخطر ميكانيزمات الدفاع النفسى وهو التبرير، ليبرروا لأنفسهم التقصير فى العمل والعصبية والانفعال والمزاج السيئ بسبب الصيام.
وأوضحت استشارى علم النفس أن هؤلاء المتكاسلين الذين يعرقلون مصالح غيرهم فى رمضان يعانون من انخفاض الوازع الدينى حيث أثبتت الدراسات والأبحاث النفسية علاقة وطيدة قوية بين التدين وما يصاحبه من وازع دينى وضمير يقظ لضبط النفس والسلوك وهو جوهر الصيام الحقيقى والهدف الأسمى والأعمق وليس كما يشاع ويطفو على السطح صيام الجسد.
واستكملت: الشعور بالرضا له عامل قوى ومؤثر فى ميل الكثيرين لأداء وظائفهم على أكمل وجه رغم صعوبتها ومشقتها بينما يقصر البعض رغم سهولة مهنتهم ومهامها، فمتلازمة الصيام العصبى التى تتضمن ترك العنان للانفعال والعصبية والغضب وسوء المزاج، ومتلازمة توفير الطاقة بتأجيل المهام أو التقصير فيها هم فئة الصائمون الأقل تدينا وانخفاض الوازع الدينى كما يسيطر عليهم باللاوعى وسيلة التبرير للذات وينساقون لمبدأ العقل المتكاسل الموفر للطاقة، ويركزون على أداء الصيام بمفهومه المادى الذى لا يعرفون غيره بالامتناع عن الطعام والشراب وشهوة الجسد بينما يتركون العنان لشهوات النفس.
وأشارت إلى أن هناك العديد من الدراسات أثبتت أن نسبة البسطاء الذين يتسمون بالرضا والتدين أكبر منها عند ذوى مستويات الرفاهية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.