تحت هذا العنوان نشرت مجلة السياسة الخارجية في 15 مارس لكاتبها «جيمس تراوب» تقييماً لنظرة إدارة أوباما لمحمد مرسي، يبدأ الكاتب بأن يقول صراحة إن إدارة أوباما أنها لا تكن تقديراً كبيراً لمرسي، ولكنها مضطرة لإيجاد وسيلة للتعامل معه، فقد قام الكاتب في الأيام الأخيرة بالحديث مع مسئولين بإدارة أوباما عن رأيهم في أوضاع مصر ، وحتي عندما يتردد أوباما في الزج بأمريكا في أتون سوريا المشتعل، فإن نقاده يتهمونه بأنه يساعد ديكتاتوراً في القاهرة، ويتهم أعضاء الكونجرس عن الحزب الجمهوري مثل «ماركو روبيو» يتهمون أوباما بمنح شيك لمصر بمبلغ 250 مليون دولار لحكومة مرسي الاستبدادية، ويقول المحللون إن إدارة أوباما تكافئ «مرسي» علي مساعدته لأمريكا في أهدافها القومية والأمنية في المنطقة، مثلما كان سلفه «مبارك» يفعل، فهل هذا من العدل؟.. إن أوباما يستحق التحية لقيامه عمداً بامتداح اختيار المصريين لحكومة دينية بعد سنوات طويلة من نظرة واشنطن لأي تقارب مع حكومة إسلامية علي أنه عمل مستحيل، ولكن من الحقيقي أيضاً أن الإدارة كان رد فعلها ضعيفاً في مواجهة قيام مرسي بإضفاء حصانة قانونية علي تصرفاته تمنع رقابة القضاء لها، كما لم يعترض أوباما علي دستور مرسي الجديد غير الديمقراطي، واحتقار مرسي لمعارضيه، ورغم عدم وجود دليل لإثبات ذلك فإن مرسي لابد أنه شعر أن إدارة أوباما قد أعطته الضوء الأخضر بصمتها علي قيامه بالاستمرار علي طريق إقامة حكم أوتوقراطي، لا يبدو أن أوباما يريد مشاكل لمرسي أو هز مسيرة المركب الضعيف الذي يسوق فوقه مرسي سياسته، وقد اعترف مسئول في إدارة أوباما الأولي التي تركها عقب نهاية مدتها أن أمريكا لم تعد ترفع صوتها علناً، ولكن يبدو أن الناس لا تلاحظ بما يكفي ما نفعله لمساعدة الطرف المعارض لأنظمة الحكم القائمة. فلنفترض أن أوباما أخطأ من حيث الحرص مع مصر، هذه طبيعته، وهي علي أي حال أحسن من البديل الذي حاولناه أيام جورج بوش، إن نظرة أوباما الشاملة نحو الربيع العربي كانت صائبة، ولكن تأخرت قليلاً، فماذا الآن؟.. ماذا يظن مسئولو الإدارة الأمريكية عن مرسي؟.. وكيف يعتقدون أنه يمكنهم التأثير في تصرفاته؟.. الجواب البسيط هو أنهم يعتقدون أن مرسي ومن حوله يقومون بدور أكبر من طاقتهم، ولذا فمسئولونا أكثر قلقاً بسبب سوء إدارته عنهم بسبب عدم مرونته، فهم يرون في مرسي ومن حوله مجموعة قضت في السجون أربعين عاماً، ولذلك لا يدرون ما يفعلون، فهم مرعوبون ويرتكبون العديد من الأخطاء، ولكن ليس هناك بديل لدفعهم علي طريق الديمقراطية، فمرسي باختصار هو الرجل الخطأ للمرحلة، ولكنه الرجل الوحيد، كذلك يجب الضغط عليه برفق ويمكن الضغط عليه برفق. أما رأي الإدارة الأمريكية في قوي المعارضة فهو مثل رأي الجميع فيها، فهي مفككة وكسولة وغير منظمة، تكتفي بالصياح في القاهرة بدل التغلغل في الأقاليم، لقد زار وزير الخارجية «كيري» مصر الأسبوع الماضي وحادث قادة المعارضة ومنهم محمد البرادعي وعمرو موسي ونصحهم بعدم مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة كما ينوون الآن، تدهور شعبية مرسي يجب أن تكون حافزاً للمعارضة علي تحقيق نجاحات عديدة، رغم أن الكثير من هذه النجاحات قد يذهب للسلفيين وليس لليبراليين، والأخبار الحسنة الوحيدة هنا هي أن الانتخابات يبدو أنها ستؤجل لبضعة شهور، مما يعطي المعارضة فرصة تصحيح أخطائها. أخيراً يبدو أن إدارة أوباما أكثر ارتياحاً للتعامل مع الجيش المصري عن أي قوة أخري في مصر، فالجيش أسقط مبارك وسلم السلطة لرئيس منتخب ومازالوا يسندون حكمه، ويتعاونون مع إسرائيل في موضوعات أمن الحدود، وليس لإدارة أوباما أي رغبة في قطع المعونة العسكرية أو تخفيضها، باختصار فأوباما أقل قلقاً من القمع الطغياني للسلطة عنه من الخوف من تفكك الدولة المصرية، فخزينة الدولة المصرية ليس بها أكثر من ثلاثة أشهر من الاحتياطي الأجنبي، وليس هناك مبالغ إضافية قادمة من قطر أو غيرها، وصندوق النقد الدولي مستعد لتقديم قرض ب 4.8 مليار دولار يمثل فرص مصر الوحيدة لتجنب الإفلاس، والمؤسسات الأخري التي قد تقدم مبالغ إضافية مثل البنك الدولي وبنك تنمية أفريقيا، لن تفعل شيئاً قبل أن توقع مصر علي قرض صندوق النقد، وصندوق النقد يطالب مصر بإصلاحات اقتصادية قد تكون مدمرة سياسياً مثل إلغاء دعم السلع الأساسية مثل الطاقة والمواد الغذائية، ومرسي يريد من واشنطن أن تأمر صندوق النقد بإقراض مصر دون شروط.. وتخشي واشنطن حقيقة أن القيادة العاجزة في مصر قد تدفع البلاد للهاوية، والسيناريو الكابوس هو أن تعجز مصر عن سداد ديونها، ما قد يدفع بنصف الشعب المصري إلي ميدان التحرير، وقد يشعر الجيش أن واجبه هو العودة للسلطة ثانية، هذه هي مشكلة مصر اليوم، وقد أعلن «كيري» خلال وجوده بمصر عن ضرورة الوصول لاتفاق بشأن قرض صندوق النقد، أما في الاجتماعات السرية فقد صارح مرسي بضرورة الخيار بين اتخاذ قرارات سياسية قاسية مع بدء التعاون مع المعارضة، وقدم كيري لمرسي حافزاً قيمته 250 مليون دولار كدفعة أولي من المليار الذي وعد أوباما بمساعدة مصر به، فضلاً عن 300 مليون دولار أخري لو وقع مرسي القرض مع الصندوق، بذلك يكون الإجمالي هو حافز متواضع مادياً، وتأنيب في السر مع تشجيع في العلن، فهل هذا حقاً رد فعل كاف لأزمة بهذا الحجم تهدد القلب التاريخي للعالم العربي؟.. إن أول ما يجب أن يقال هو أن ذلك أفضل مما يلوح بها عباقرة السياسة الخارجية للجمهوريين مثل «ماركو روبيو» الذي ينادي بحجب كل مساعدة اقتصادية عن مصر إلي أن تقوم مصر بإجراء التغييرات السياسية التي يريدها، ما سيضمن كارثة في علاقات البلدين، وإذا أخذنا في الاعتبار عجز مرسي ورد الفعل العلني الرافض للنقد الأمريكي لمصر، إن التأنيب في السر يبدو حالياً أفضل كثيراً من النقد العلني. إن المشكلة الكبري هي المال، ويقول «فالي نصر» في كتابه الأخير: «إنه يمكن الاستغناء عنها»، إن أمريكا قدمت مساعدات ضخمة عندما اجتاحت موجات الديمقراطية أمريكا اللاتينية وشرق أوروبا، ولكنها قدمت القليل جداً للعالم العربي وخصوصاً مصر، وهذا حقيقي، فحتي المليار دولار التي وعد بها أوباما مصر أغلبه ضمانات قروض، وبينما تحتاج ليبيا وتونس معونة مالية كبيرة فإن مصر تحتاجها، وقد بدأت الإدارة العمل علي جهود دولية لتشجيع الاستثمار الخاص في الدول العربية التي تتحول للديمقراطية، وهذا حافز إضافي لمرسي لتوقيع قرض الصندوق، ولكن ليست هناك مشروعات مثل مشروع مارشال الشهير الذي أنقذ أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. بصفة عامة اتفق مع زميلي «مارك لينش» الذي يقول إن أوباما فعل ما يستطيعه مع مصر ولكن الظروف لا تسمح بأكثر من هذا، إن الديمقراطيات العربية الهشة تحتاج لمساعدة أكثر بكثير مما كان الحال مع بولندا أو المجر، ولكن مساعدة الدول العربية صعب، فليس في استطاعة الإدارة الأمريكية دفع المعارضة المصرية للانخراط في العملية الديمقراطية، كما أنه ليس في استطاعتها دفع مرسي ليفهم أن فوزه بأغلبية برلمانية لا تجعل من حقه أن يطأ المعارضة، فهذه المفاهيم لا تكتسب إلا بالخبرة المؤلمة، وليس لدي أمريكا موارد لا محدودة للمساعدة. يقول «فالي نصر»: إن واشنطن قد يئست من العالم العربي، وأعتقد أن الأدق هو أن نقول إن أوباما يستطيع عمل ما يتمناه للمساعدة، وأنه مستعد للتعاون مع عالم عربي عليه أن يعمل علي بناء مصيره بنفسه، فهل هذه سخرية؟.. ربما قليلاً.. ولكنها الحقيقة المرة. إلي هنا ينتهي عرض المحلل الأمريكي لموقف بلاده من مشاكل العرب عموماً، ومصر خصوصاً، لا يعني أمريكا ما يحدث لمصر أو للعرب طالما كانت مصالحها في المنطقة مصانة، وما دامت القوي السياسية التي علي الساحة في المنطقة تتصارع كالذئاب المسعورة علي تحقيق مصالحها الفئوية أو الطائفية بصرف النظر عن المصلحة العامة للوطن ككل، وطالما كانت أمريكا هي اللاعب الأكبر الذي تتهافت كل الأطراف علي إرضائه، ولو كان عن طريق التلويح بالتفريط في بعض الثوابت الوطنية، فليس لدي أمريكا أي حافز لمحاولة كسب رضاء هذه القوي، ولنضرب في النهاية مثلاً واحداً للإسرائيليين أنه عندما بلغت الصفاقة بأوباما مؤخراً أن يقذف في وجه العرب بتصريحه المذهل بأن القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لإسرائيل، لم تجرؤ حكومة عربية واحدة إسلامية أو علمانية أن تشجب تصريحه مجرد شجب شفهي. نائب رئيس حزب الوفد