إن السمات البغيضة التي تتبلور في البؤر العشوائية التي تولد الإرهاب والتطرف الطائفي والبلطجة بأشكالها المتعددة والمتنوعة في المجتمع المصري منذ 40 عاماً بسبب عدم اهتمام الدولة بأهمية التنسيق الحضاري والتنمية البشرية، من تعليم وصحة وعمل.. والسؤال الذي أطرحه: هل الإرهابي إرهابي بذاته أم أنه وليد البيئة التي يعيش بها؟ أجاب عن هذا السؤال صديقي »آدم سمسون« الذي يعمل في مكتبة »ريد تشموند« بلندن وهذا الحي عشت به أكثر من عشرين عاماً. قال: إنه أثناء العصر الفيكتوري، أي عصر الملكة البريطانية »فيكتوريا« في القرن الثامن عشر عندما ازدحمت لندن بالسكان، لذا طلبت الملكة من محافظ »ريد تشموند« في ذلك الوقت، أن يبحث عن مهندس معماري لتخطيط ضاحية »ريد تشموند« وهي تبعد عن لندن بمائة ميل.. وهذه المنطقة كانت مزار لفناني بريطانيا وأوروبا، كما عاش بها الفنان العالمي »فان جوخ« من أجل رسم المناظر الطبيعية التي تميزت بها. وفعلاً ذهب المحافظ لفنان معماري كان يعيش في المنطقة واسمه »Gary Russell« »جاري راسل« وطلب منه عمل رسومات معمارية لمدينة سكنية تستوعب زيادة سكانية في حدود 2 مليون نسمة، وأعطي للفنان المعماري مهلة لمدة شهرين لتنفيذها. وبعد المدة المحددة قدم المعماري رسوماته إلي المحافظ وهي عبارة عن وحدات سكنية علي شكل فيلات منفصلة عن بعضها البعض بها حديقة من الخلف والأمام، وتم تخطيط المدينة بشوارع كبيرة مليئة بالأشجار المتنوعة والزهور الجميلة، ومساحات بالحدائق الشاسعة وملاعب للأطفال بها حمامات سباحة، بجانب المدارس والجامعات والمستشفيات. وعندما نظر المحافظ علي هذه التصميمات المعمارية للمدينة، شعر بخيبة أمل حيث إن هذه المدينة سوف تستوعب في حدود 30 ألف ساكن فقط والمطلوب 2 مليون ساكن، وحيث إن المحافظ كان متأثراً بالعمارة الأمريكية التي عرفت بالبلوكات، أي العمارات العالية. قال الفنان المعماري للمحافظ: هل تعلم يا سيدي أن العمارة التي تريدها هي عمارة عشوائية وسوف تقضي علي روح الإبداع عند الإنسان الذي يعيش بها وسوف تحوله إلي إرهابي؟.. وكلمة »إرهابي« التي ذكرها المعماري في ذلك الوقت من القرن الثامن عشر ذكرتني بالبؤر العشوائية المنتشرة في مصر. وأوضح الفنان المعماري فلسفته عن الجمال ومعني التنسيق الحضاري للمدينة الفاضلة، وقال للمحافظ: إن البيت الذي يعيش به الإنسان يجب أن يحيط به الجمال والكمال في كل أركانه، وأيضاً المدينة حتي لا يعيش الإنسان مغترباً داخل منزله، وفلسفتي عن الجمال تساعد الإنسان علي الإبداع، حيث إنه يعود عينه علي الجمال الذي ينمي إحساسه علي نشر الحب والتسامح والعدل والخير، وقال له: انظر إلي تلك الزهور الجميلة عندما تفتح الباب أو الشباك، انظر إلي الشوارع المحيطة بالأشجار التي تشعرك بالربيع الدائم والحقول الخضراء المحيطة بها تلك هي فلسفتي ورؤيتي عن المدينة التي تساعد الإنسان علي الإبداع. أخذ المحافظ هذه الرسومات المعمارية للمدينة وذهب إلي الملكة »فيكتوريا« وعرض الرسومات ورأي الفنان المعماري وفلسفته عن المدينة، وقال لها: إنه فنان مجنون غير عملي.. فقالت له: إنني اختلف معك يا سعادة المحافظ في هذا الرأي، وإنني أري أن هذه التصميمات تصلح للمدينة الفاضلة التي أتمناها لشعبي، وأري أنه من المصلحة العامة أن تقدم استقالتك لأنني سوف أعين هذا الفنان محافظاً لمنطقة »ريد تشموند« حتي لا يتدخل أي شخص في إنجاز مهمته المعمارية للمدينة الفاضلة. ووجدت الإجابة عن السؤال الذي طرحته في بداية مقالتي: هل الإرهابي إرهابي بذاته أم أنه وليد البيئة التي يعيش بها؟ *مدير متحف محمد محمود خليل سابقاً E-mail:[email protected]