شهدت مصر خلال الشهور الماضية أزمة قوية فى توفير العملات الأجنبية، أدت إلى ارتفاع أسعار الصرف أمام الجنيه المصرى وخاصة الدولار، العملة الرئيسية فى التجارة العالمية. أدت هذه الأزمة إلى انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار لمستويات تاريخية، وصلت فى بعض الأحيان إلى 32 جنيها للدولار مقارنة 18 جنيها حتى شهر أكتوبر الماضي. هذه الأزمة تسببت فى اتخاذ البنك المركزى قرارات بتعويم الجنيه فى شهر أكتوبر الماضى بعدما أقر آلية تحديد سعر صرف قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية الأخرى بواسطة قوى العرض والطلب فى إطار نظام سعر صرف مرن، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار ليتراوح من 22 إلى 24 جنيها، ثم قفز مرة أخرى مع بداية 2023 ليصل حاليا إلى 29.80 جنيه. يأتى ذلك فى ظل حاجة مصر إلى تغطية التزاماتها من النقد الأجنبى لسداد أقساط وفوائد الديون وتغطية عجز الحساب الجارى، حيث تحتاج إلى نحو 35 مليار دولار خلال العام المالى الجارى 2022/ 2023، وفقا للجنة الخطة والموازنة. وقال الدكتور على الإدريسى، أستاذ الاقتصاد وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، إن قرارات ترشيد الإنفاق ستسهم فى تقليل الضغط على العملة الأجنبية والنقد الأجنبي. وأضاف «الإدريسى» أن تلك القرارات تنعكس بشكل أفضل على الاقتصاد المصرى من خلال تقليل فاتورة الاستيراد وخفض الضغط على زيادة العجز فى الميزان التجارى، مشيرا إلى أن القرارات جاءت متأخرة، لأن مصر فى دوامة النقد الأجنبى منذ شهر مارس الماضى أى اقتربنا من العام الآن، ومعنى أن يتم الإعلان عن قرارات ترشيد الإنفاق فى الوقت الراهن فهذا أمر يشير إلى أننا متأخرون جدا، قائلا: «الحكومة كانت فين من سنة». وأوضح عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، أن تأخير إصدار هذه القرارات لم يكن فى صالح الاقتصاد المصرى، لأنها لو اتخذت منذ اليوم الأول للأزمة مع سرعة القرارات التى يتم اتخاذها فى هذا الصدد من جهات مختلفة فى الدولة لكان الوضع تغير، إلا أنها فى المجمل قرارات جيدة، وخاصة عدم البدء فى أى مشروعات جديدة لها مكون دولارى، وترشيد السفر للعاملين بالجهاز الإدارى للدولة للخارج إلا فى حالات الضرورة القصوى، وإذا كانت الجهة الداعية هى التى ستتكفل بالمصاريف بشكل عام. وأوضح أن استبعاد عدد من الوزارات السيادية من قرار ترشيد الإنفاق مثل الداخلية والدفاع والتعليم والصحة والخارجية، جاء لأننا مضطرون إلى استثنائها، لكن باقى الجهات الحكومية والهيئات الاقتصادية المختلفة ستكون خاضعة للقرار، كما أن فكرة تقييم تنفيذ القرارات من وزارة المالية كل شهرين جيدة جدا لمعرفة أوجه الإنفاق بشكل دقيق. وتابع: «هذا القرار سيكون حتى نهاية العام المالى الحالى فقط أى 6 أشهر حتى نهاية يونيو القادم، ولكننا كنا نتمنى أن يكون لفترة أطول قد تكون 4 أو 5 سنوات، حتى نستعيد التوازن الاقتصادى وتقليل العجز فى الميزان التجارى، ونحقق استقرار أكبر لسعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية الأخرى». وفيما يتعلق بتنفيذ المشروعات ذات المكون الدولارى، قال «الإدريسى» إن هذه المشروعات تضغط على طلب العملات الأجنبية أمام الجنيه المصرى بشكل كبير، ولذلك حان الوقت لإفساح المجال للقطاع الخاص بأن يقوم بتنفيذ هذه المشروعات سواء بالدولار أو الجنيه، مع ضرورة العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وعدم دخول الحكومة فى مشروعات بها مكون دولارى فيما بعد إلا إذا كان المشروع معروف للجميع مدى جدواه الاقتصادية وسيغطى تكاليفه فى مدى زمنى قياسى، لكن تنفيذ مشروعات جدواها الاقتصادية وتغطية تكاليفها طويلة الأجل على مدى 20 أو 30 سنة لن تصلح فى الظروف الاقتصادية ويجب أن نتركها للقطاع الخاص. ولفت إلى أن الدولة يجب أن تنوع استثماراتها ما بين الاستثمارات طويلة ومتوسطة وقصيرة الأجل، ولا تركز فقط على المشروعات طويلة الأجل مثلما حدث فى مصر خلال السنوات الماضية، لأن الدخل العائد من المشروعات قصيرة الأجل يتم استثمارها فى متوسطة الأجل وهكذا، لكن التركيز على المشروعات طويلة الأجل فقط لن يمكن الدولة من الاستمرار فى الاستثمار وستضطر إلى الاقتراض. وأوضح «الإدريسى» أن المشروعات التى بدأت وبها مكون دولارى لن تتوقف وسيتم استكمالها، لأن عدم استكمالها خسارة أكبر للدولة، لأنها لابد من استكمالها حتى نستطيع تشغيلها ونحصل على التكاليف والأرباح المستهدفة، أما المشروعات التى تم الاتفاق عليها سواء بمذكرات تفاهم أو اتفاقيات معينة، من الممكن أن تؤجل لإشعار آخر، لأن توقيع الاتفاقيات أو مذكرات التفاهم قد لا تكون ملزمة فى بعض الأحيان، أو من الممكن البدء فى بعضها إذا كانت مشروعات مشتركة مع القطاع الخاص وبقروض وشروط ميسرة، مشيراً إلى أن هذا النوع من المشروعات بها تسهيلات كبيرة ولن تكون العقبة فى الأزمة الاقتصادية. وأضاف أن هناك توقعات بانخفاض معدل النمو إلى 4% بعدما كان 4.4% وهذا نوع من الانكماش الاقتصادى بسبب ظروف محلية وعالمية وليس محلية فقط، ولذلك نحتاج الفترة المقبلة إلى تحقيق استقرار لسعر صرف الجنيه وتهيئة مناخ الاستثمارات بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة وعلاج عجز الميزان التجارى، وإعادة الثقة المتبادلة مع القطاع الخاص، وتحريك عجلة الإنتاج مرة أخرى وتشغيل المصانع المتوقفة بسبب مشكلات الاستيراد.