مشوار المنيا - 240كم - من القاهرة إلي الجنوب - يكشف كثيراً من عورات الحكم في مصر.. إذ كما يكشف بعض الايجابيات.. يكشف كثيراً من السلبيات.. ويكفي بلوة رحلة القطار التي تحولت إلي عذاب كامل بسبب سوء إدارة هذا المرفق الحيوي وخلل إدارة الحركة، التي تنظم حركة القطارات.. كانت الترعة الإبراهيمية علي يميني وهي نموذج ممتاز مما فعله الخديو إسماعيل. إذ هي الترعة التي حفرها إسماعيل وأطلق عليها اسم والده بطل مصر: إبراهيم باشا.. حفرها في ست سنوات رغم أن طولها 267 كم وصممها بهجت باشا ونفذها مهندس الري المصري.. وهي الآن تروي حوالي مليون و550 ألف فدان.. حفرها بالمقطف والفاس وكان هدفه أن يخرج بمياه النيل من هذا الشريط الضيق الذي يطبق عليه الجبل الشرقي.. وايضا الغربي. أي الخروج من الوادي الضيق لزيادة المساحة التي تزرع فخرج بالترعة من قناطر أسيوط ثم انطلقت - غرب النيل - حتي تصل إلي حدود محافظة الجيزة، هذه الترعة التي صممت أيضا لتكون مجري ملاحياً أيضا علي غرار ترعة المحمودية التي حفرها جده محمد علي باشا. هذه الإبراهيمية تخرج منها ترع عديدة منها الديروطية والفشن وتزيد المياه الواصلة عبر بحر يوسف إلي الفيوم.. وبسبب الإبراهيمية اتسعت زراعة قصب السكر والقطن.. وبفضلها تحول نظام الري من ري الحياض إلي الري الصيفي والدائم.. ونمت صناعة السكر.. ومنها تروي الآن مساحات هائلة تزرع بالقمح الذي يجري الآن حصده.. المهم أنني رأيت علي طول الترعة إهمالاً رهيباً وتعديات بشعة حتي حرم النهر لم يسلم من الاعتداء.. سواء ببناء مساجد صغيرة وزوايا.. أو إقامة غرز السائقين.. ثم تحولت الترعة إلي مكان مباح تلقي فيه كل قاذروات ومخلفات المراكز والقري التي تمر عليها.. وتلك مسئولية المحليات من مجالس المدن والقري التي يفترض أن تحمي حرم الترعة بالتعاون مع وزارة الري.. ولكن هل نستطيع - اليوم - أن نحاسب أحداً من المقصرين، بعد أن اختفت السلطة وضاعت الشرطة ونام كل مسئول - رغم أنه مازال يتسلم راتبه.. بل ويطالب بالزيادة.. إيه رأيكم نربط الأجر بالانتاج؟! كله يشتغل.. ورأيت علي مسار الإبراهيمية والترع المتفرعة منها انتشار مواتير رفع المياه من الترعة أو الترع القديمة التي تكاد تجف لانخفاض منسوب المياه فيها.. حقا تطورنا.. ولكن أين الشادوف.. آلة رفع المياه الفرعونية.. وبعد أن كانت ترتفع أشجار النخيل ترتفع الآن غابات مدافن مصانع الطوب وإن شدتني حقول القمع الذهبية التي زادت هذا العام.. منها ما تم حصده.. ومنها ما يجري حصاده.. ومنها ما ينتظر، وهذا ايجابي نحمد الله عليه إن استمر الفلاح يعمل ويزرع ليأكل شعب مصر.. وبعد أن أخذنا ندعم الفلاح المصري بعد أن كنا ندعم زارع القمح الفرنسي وفي أوكرانيا وفي الأرجنتين وكندا وأمريكا، وبذلك الإنتاج الزائد المصري سنقلل من حجم استيراد القمح ويا سلام لو زدنا من انتاج السكر لنقلل استيرادنا منه وايضا نلجأ إلي استيراد 95٪ من زيت الطعام.. إن كان ممكنا.. ونصل إلي محطة المنيا.. ومعظم مدن المحافظة مدن لها تاريخ.. هذه هي الفشن وكان اسمها القبطي «فنشي» ومنها حورت إلي الفشن، وكانت تابعة لإقليم البهنسا، وكانت البهنسا هي عاصمة الاقليم.. من عهد الفاطميين ولكن عام 1730 قرر محمد باشا النشانجي الوالي التركي نقل مقر ديوان الولاية من بلدة البهنسا إلي بلدة الفشن لوقوعها علي النيل.. وكانت هذه الولاية تمتد من الواسطي شمالاً إلي سمالوط جنوبا.. وجاء محمد علي باشا فقرر في عام 1821 نقل قاعدة الولاية من الفشن إلي مدينة المنيا ولكن عام 1844 قرر جعل الفشن قاعدة لمديرية الأقاليم الوسطي ولكن في عام 1851 تقرر تقسيم هذه المديرية إلي مديريتين هما بني سويف وعاصمتها مدينة بني سويف.. ومديرية المنيا وعاصمتها مدينة المنيا. ومدينة المنيا قديمة اسمها القبطي «تيموني» وأيضا «تمون خوفو» ومن هذين الاسمين يجىء اسم المنيا، وأن كلمة موني معناها المينا وكلمة موني معناها المرضعة، وقال بعض المؤرخين إن اسمها المصري هو «بيرميما» وإن قال ماسبيرو إن كلمة المنيا.. اسم عربي. ولكن الادريسي - في نزهة المشتاق - ذكرها باسم منية ابن الخصيب وفي معجم البلدان جاء أن منية أبي الخصيب مدينة كبيرة في الصعيد بها مدارس وحمامات وأسواق - وأن الخصيب بن عبدالحميد مسئول خراج مصر «الضرائب» أيام هارون الرشيد هو الذي عمرها وأنشأها لابنه وسماها باسم ابنه.. فعرفت به.. وفي دفاتر الروزنامة القديمة وردت بني خصيب المعروفة «بالمنية» ثم وردت مرات باسم المنية أو منية ابن خصيب التي أصبحت علي لسان العامة «منية ابن خصيم» ومنية الفولي حيث مقام الشيخ علي الفولي وهكذا ومن عام 1833 تكونت مديرية المنيا بأمر عال.. فماذا الآن في مدينة المنيا؟! غدا نكمل بإذن الله..