اتخذت دول عديدة حول العالم الاستثمار في مجال كرة القدم كمصدر دخل قوي لها باعتبارها أحد الصناعات الجديدة التي تدر أرباحًا طائلة للقائمين عليها، ومن ثَم اعتمدت تلك الدول فكرة الاستثمار الرياضي كأحد الاقتصاديات المواكبة لعصرنا الحالي. واتجهت عدة دول أفريقية إلى مجال الاستثمار الرياضي على رأسها السنغال حيث أنشأت أكاديميات لاكتشاف المواهب الكروية ومن ثَم تسويقهم في الأندية الأوروبية المختلفة، ما يدر أموالًا إلى تلك الدول جراء تصدير المواهب إلى أوروبا، بخلاف قدرة المواهب الأفريقية لقيادة منتخبات بلدانهم لاحقًا بعد اكتسابهم الخبرات من الاحتراف الأوروبي. وتواجه الدول الإفريقية التي تبنت مشروع الاستثمار الرياضي صعوبات عديدة؛ اذ تفتقر للموارد المالية التي بموجبها تستطيع التكفل بكافة المتطلبات المالية لاستمرار الصناعة بجانب عدم وجود بنية تحتية جيدة للمنشآت الرياضية مصر والاستثمار الرياضي لم تخطو مصر أي خطوة نحو الاستثمار الرياضي واكتشاف المواهب الأفريقية، وتصديرها إلى الأندية الأوروبية المختلفة، لاسيما وأن مصر لديها مكانة كبيرة وتاريخية في كرة القدم في أذهان جميع الشعوب الأفريقية، إذ تنظر تلك الدول إلى مصر كونها دولة أوروبية في القارة السمراء. وتمتلك مصر قدرات كبيرة سواء من الناحية المالية أو البنية التحتية الخاصة بصناعة كرة القدم ما يؤهلها لاستقطاب المواهب الأفريقية من بلدانهم وتطويرهم ومن ثَم تسويقهم في الأندية الأوروبية المختلفة، ما سيدر أموالًا طائلة بصفة عامة على الدولة المصرية من تلك الصناعة لاسيما وأننا نعاني من أزمة سيولة دولارية، إذ من الممكن أن تكون صناعة كرة القدم أحد الاستثمارات الهامة في مصر حال اتخذت الدولة إجراءات جادة في تطبيقها وتعميمها بشكل علمي ومدروس. وبخلاف الاستثمار الرياضي واكتشاف المواهب الكروية في القارة السمراء وضخها في السوق الأوروبي، فهناك فائدة هي الأهم متمثلة في توطيد العمق الاستراتيجي السياسي للدولة المصرية في القارة الأفريقية ما يعود بالنفع لمصر في المجالات المختلفة المتعلقة بدول أفريقيا. ويحتاج الاستثمار الرياضي إلى بيئة صالحة لنجاحه إذ ينبغي أن يكون هناك رؤية وتصور كامل لتطبيقه في مصر، وتشجيع الأندية على ذلك بتطوير نظام المسابقات والمكافآت ووضع أسس وضوابط لانتداب المواهب من أفريقيا. نموذج دجلة يعد نموذج نادي وادي دجلة هو الوحيد في مصر الذي حاول تطبيق الاستثمار الرياضي وتسويق لاعبيه في السوق الأوروبي خلال السنوات الماضية، حيث نجح ماجد سامي مالك وادي دجلة، في شراء نادي ليرس البلجيكي ثم بدأ في انتداب اللاعبين المصريين إلى الدوري البلجيكي بهدف تسويقهم في السوق الأوروبي، ويعد أبرز الأسماء التي خرجت من وادي دجلة إلى الملاعب الأوروبية هما الثنائي عمر مرموش لاعب فولفسبورج الألماني الذي يتألق في الدوري الألماني والموهبة السنغالية إبراهيما نداي قبل عودته إلى الزمالك، لكن تجربة وادي دجلة لم تلق الدعم الكامل في ظل سطوة الأندية الجماهيرية والكبرى المسيطرة على الكرة المصرية. تجربة جينيراسيون فوت وتعد السنغال واحدة من الدول الممتلئة بمواهب كرة القدم، إلا أنها تفتقر الموارد المادية والبنية التحتية لاستغلال تلك المواهب على مدار سنوات عديدة حتى جاءت فكرة إنشاء أكاديمية جينيراسيون فوت. وتعد أكاديمية جينيراسيون فوت واحدة من أكبر عمالقة التسويق الرياضي في أفريقيا، والتي ترجع نشأتها في العام 2000 على يد أسد التيرانجا السابق مادي توريه، حيث أخرجت العديد من المواهب الأفريقية إلى سماء الكرة الأوروبية ولعل أبرزهم على سبيل الذكر وليس الحصر، ساديو ماني نجم ليفربول السابق وبايرن ميونيخ الحالي وإسماعيلا سار نجم واتفورد. ولم تملك أكاديمية جينيراسيون فوت حينها أموالًا كي تستمر في اكتشاف المواهب الأفريقية المدفونة حتى تعاقدت مع نادي ميتز الفرنسي لرعايتها ماليًا وإمدادها بالمدربين وتطوير المنشآت والملاعب بجانب إمدادهم بالملابس الرياضية، وذلك مقابل الحصول على أفضل المواهب دون سن 18 عامًا. ذكر تجربة جينيراسيون فوت هو على سبيل المثال وليس الحصر فهناك العديد من الأكاديميات في مختلف الدول الأفريقية لاكتشاف المواهب الأفريقية لتسويقهم في أوروبا ومنها ما يحتاج رعاية من أجل الاستمرارية في المشروع، فنرى أن أسيك أبيدجان الإيفواري أخرج لاعبين إلى أوروبا مثل حبيب كولو توريه نجم منتخب كوت ديفوار ونادي أرسنال السابق، ومؤخرًا كريم كوناتي ابن 18 عامًا الذي انضم إلى سالزبورج النمساوي. نموذج ريد بول تعد شركة ريد بول النمساوية أحد الشركات العالمية المنتجة لمشروب الطاقة المعروف بإسم ريد بول والتي لجأت في السنوات الماضية في مجال الاستثمار الرياضي، إذ اشترت نادي أوست وغيرت اسمه بعد ذلك إلى ريد بول سالزبورج في عام 2005، كما عممت الفكرة في أكثر من دولة عبر شراء أندية مثل ريد بول لايبزج في ألمانيا وريد بول نيويورك في أمريكا وريد بول براجانتينو في البرازيل. وتعتمد فكرة نادي ريد بول على الاستثمار الرياضي في مجال كرة القدم من حيث اكتشاف المواهب وتطويرهم ثم تسويقهم للأندية الكبري في أوروبا، ولعل أبرز الأسماء التي خرجت من أكاديمية ريد بول هو ارلينج هالاند مهاجم مانشستر سيتي وابراهيما كوناتي مدافع ليفربول وتيمو فيرنر لاعب تشيلسي ودايوت أوباميكانو لاعب بايرن ميونيخ. ويضم نادي ريد بول سالزبورج بين صفوفه 12 لاعبًا من أصول الأفريقية تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 22 عامًا استقطبهم النادي النمساوي عن طريق كشافته سواء في أوروبا أو أفريقيا للاستفادة ماديًا فيما بعد من بيعهم لأندية أوروبا، كما يضم ريد بول سالزبورج بين صفوفه 7 لاعبين من أصول أفريقية. ليس فقط سالزبورج من يعتمد على تلك الاستراتيجية، بل باتت منهجًا لعدد من الأندية الأوروبية، إذ يكتظ الدوري الفرنسي والألماني بالعديد من المواهب الأفريقية صغيرة السن التي تجلبها الأندية بهدف الاسثمار ودر أموالًا كبيرة من وراء ذلك. دور المحترفين يتطلب الدخول في مجال الاستثمار الرياضي، دورًا كبيرًا وهامًا من لاعبي مصر البارزين الذين تركوا بصمة في الملاعب الأوروبية سواء السابقين أو الحالين، في تحسين سمعة الكرة المصرية بالإشارة إلى التغير نحو الفكر الاحترافي الرياضي وعدم التعنت في رحيل اللاعبين وامتلاك الكرة المصرية ذخيرة من المواهب الأفريقية والمحلية قادرة على اللعب في كبرى أندية أوروبا. التعنت وتغيير النظرة ولعل أكبر عائق أمام احتراف اللاعبين المصريين في أوروبا هو تعنت قطبي الكرة المصرية تجاه رحيل اللاعبين، فنرى أن أبرز المواهب المصرية التي تركت بصمة في الملاعب الأوروبية كانوا بعيدين عن الزمالك والأهلي وهم على سبيل المثال محمد صلاح ومحمد النني ثنائي المقاولون العرب ومحمد زيدان ابن النادي المصري البورسعيدي الذي شق طريقه مبكرًا في عالم الاحتراف وعمر مرموش لاعب وادي دجلة بجانب ميدو الذي خرج ناشئًا من الزمالك. كما أن هناك عدد من النجوم الأفارقة في سماء الكرة الأوروبية، رفضتهم الأندية المصرية على سبيل الذكر بيير إيميريك أوباميانج نجم تشيلسي الانجليزي الذي رفضه النادي الأهلي، وأيضا محمد صلاح نجم ليفربول الذي رفضه الزمالك وهناك حديث عن خضوع توماس بارتي وفيكتور أوسيمين في أحد الأندية المصرية وتم رفض التعاقد معهم لعدم القناعة الفنية بقدراتهم.