محمد فاروق هندى – جلال الشافعى فى استفتاء لموقع جول العالمى حول أفضل ثلاثى لعبوا معا فى تاريخ كرة القدم، صوتت الجماهير لصالح ثلاثى برشلونة ميسى وتشافى هيرنانديز وإنيستا.. وربما يكون لصعود اللاعبين الثلاثة معًا من أكاديمية لاماسيا الإسبانية الشهيرة حتى الفريق الأول بنادى برشلونة دورًا كبيرًا فى هذا الاختيار. فالأكاديميات الرياضية فى أوروبا تحولت إلى استثمار، بدأت الأندية الكبرى فى الاهتمام به من أجل صناعة النجوم وتحقيق المكاسب، سواء للنادى من خلال الفوز بالبطولات أو تسويق هؤلاء اللاعبين، بعكس الحال فى واقعنا المصرى والعربى الذى تحولت فيه تلك الأكاديميات - إلا ما ندر - إلى بيزنس لتحقيق الأرباح وجمع الأموال من أهالى اللاعبين. تنهى هدى عملها فى أحد البنوك الخاصة فى الخامسة مساءً، وفى عجالة تصطحب صغيرها زياد 10 سنوات ليلحق بتدريب كرة القدم فى إحدى أكاديميات كرة القدم. زياد يعشق كرة القدم ويتمنى أن يكون لاعبًا شهيرًا مثل محمد أبوتريكة نجم النادى الأهلى ومنتخب مصر السابق، لذلك ضمته أمه لأكاديمية الخطيب بالرحاب إحدى أكبر الأكاديميات لتدريب كرة القدم وأشهرها فى مصر. وتقول هدى إن كورس التدريب بأكاديمية الخطيب يتكلف 4000 جنيه كل 3 شهور ويمكن تقسيط المبلغ على دفعتين، لكنها تخشى أن يتحطم حلم ابنها مثل أخيه الأكبر سيف الذى تدرب على كرة القدم بنادى الرحاب لمدة 3 سنوات قبل أن ينقطع عن التدريب بعد أن أدرك بنفسه أنه لا يمتلك مهارات كرة القدم الأساسية. وهنا يتبادر إلى الأذهان السؤال: لماذا لا توجه الأكاديميات الرياضية النشء إلى اللعبة المناسبة لهم بدلًا من تركهم يمارسون رياضة لا يمتلكون القدر الكافى من مهاراتها الأساسية.. فهل تمارس الأكاديميات فى مصر والدول العربية دورها الحقيقى فى رعاية المواهب أن تحولت إلى بيزنس لجنى الأموال من الأهالى؟ يرى المحلل والخبير الرياضى خالد بيومى أن الأكاديميات فى مصر بشكل خاص والمنطقة العربية بشكل عام فاشلة، ويجب وصفها فقط بالسبوبة، لأنها لا ترتقى لأن يطلق عليها أكاديميات رياضية، نظرا لاستغلال أصحابها لحلم الأسر العربية فى أن يصبح أبناؤهم نجوما فى إحدى اللعبات الرياضية ولاسيما كرة القدم، وكذلك حلم الناشئ فى ممارسة اللعبة فى المقام الأول، فتلك الأكاديميات أو بشكل أدق المدارس لا تستقطب سوى مدربين من الدرجة الثالثة يقبلون بمقابل مادى ضعيف، من أجل الحفاظ على الجزء الأكبر من دخل تلك المدارس، وبالتالى فإن الاستفادة الفنية للناشئين من تلك المدارس تكون فى أضيق الحدود أو تكاد تكون منعدمة. وأضاف بيومى أن دولة المغرب تعد الدولة الوحيدة فى المنطقة العربية التى تمتلك أكاديميات على أعلى مستوى ولكنها للأسف تعمل لصالح الدول الأوروبية المجاورة وتصدير النجوم أصحاب المستوى المتميز لتلك الدول مقابل مادى كبير، لكى تحصل هؤلاء النجوم على جنسيات هذه الدول للعب الى منتخباتها فى المستقبل، وهو ما يؤكد على أنها فى النهاية تعمل لصالح الكسب فقط بعيدا عن أى انتماء لدولة المغرب. وأكد أن الأكاديميات الرياضية فى إفريقيا تتقدم بشكل كبير، وأصبحت السبب الرئيسى فى تطور الكرة الإفريقية بعكس الوضوع فى المنطقة العربية، وهناك منتخبات كثيرة فى القارة السمراء تقدمت فى أداءها بسبب هذه الأكاديميات مثل منتخب كوت ديفوار الذى يضم تشيكلة كاملة من خريجى أكاديميات كرة القدم هناك والتى نجحت بعد ذلك فى تسويق هؤلاء النجوم فى أكبر الأندية الأوروبية، وهو أحد أسباب وصول منتخب الأفيال لبطولة كأس العالم ثلاث مرات متتالية، ونفس الشىء ينطبق على عدة منتخبات فى القارة السمراء أبرزهم المنتخب الغانى والنيجيرى ، وهو ما يؤكد أن الأكاديميات الإفريقية باتت تنافس أكاديميات القارة الأوروبية فى كل شىء سواء على المستوى الفنى أو التسويقى، وفى المقابل لا نجد سوى مشهد باهت وأكاديميات للبيزنس فى مصر والمنطقة العربية التى تتأخر كل يوم فى فنيات الرياضة بصفة عامة وكرة القدم بشكل خاص. ويقول أحمد سيد، والد أحد اللاعبين بأكاديمية نادى الشمس، إنه يتمنى وجود ابنه مستقبلا فى أحد الأندية الكبرى لكنه يؤكد أن مهارته فقط ستحدد ذلك، فدور الأكاديمية إتاحة الفرصة لتعلم وممارسة كرة القدم وغيرها من الرياضات لأكبر عدد من الاطفال بأسلوب علمى وفى مكان متخصص، لتنمية مهاراتهم الفنية واكتشاف المواهب منهم، مؤكدا أن الموهبة فقط تحدد مدى إمكانية استمرار الناشئ فى لعبة معينة وانضمامه لأحد الأندية الكبرى من عدمه. تجربة ناجحة ماجد سامى رئيس مجلس إدارة شركة "وادى دجلة" المالكة للعديد من الأندية ومنها ناديى ليرس فى بلجيكا وادى دجلة فى مصر يؤكد بأن اكاديميات وادى دجلة المالك لها بانها تعمل بشكل احترافى كبير فى مصر وخارجها، وتقوم برعاية الناشىء من جميع الوجوه المأكل والملبس والمشرب والتعليم بهدف تخريج لاعب ناشئ موهوب ومثقف كرويا وعلميا وأيضا ملتزم من الناحية الأخلاقية، وأنه لا علاقة له بالأكاديميات التى تعمل فى مصر من أجل الربح فقط لتجنى فى النهاية الفشل. وأشار إلى أن اكاديمية وادى دجلة لها حاليا 4 فروع فى مصر وغانا وبلجيكا وبيلاروسيا ولكل منها سبب وراء اختيارها، وتضم كل أكاديمية ناشئين على أعلى مستوى فنى فى كرة القدم. كما أوضح سامى أن الأكاديميات المتطوره فى العالم نوعان، الأولى أكاديميات للأطفال من 6 إلى 12 سنة تقريبًا وعادة ما تكون بمقابل مادى وهى أكاديميات تعنى بإعطاء الأطفال جرعات تدريبية غير مكثفة الغرض منها اندماج الأطفال فى الرياضة وتحبيبهم لفريق معين وهى بالتالى ذات بعد اجتماعي، أما النوع الآخر من الأكاديميات فهى المتخصصة من سن 12 إلى 18 سنة وهى أكاديميات ترعى الأطفال الموهوبين دون مقابل، بل قد يمتد ذلك أيضا إلى تعليم هؤلاء الأطفال وإدماجهم فى برنامج تدريبى مكثف لإعدادهم لحياة الاحتراف عند سن 18 سنة، وكانت تعرف فى الماضى باسم مدارس الموهوبين رياضيًا. وأوضح أن شركة وادى دجلة تمتلك أكاديميتين فى مصر هما أكاديمية أرسنال وهى من النوع الأول وقد أخرجت العديد من اللاعبين أبرزهم شادى عهدى لاعب الفريق الأول بوادى دجلة، والثانية هى أكاديمية وادى دجلة چان مارك جيو وهى من النوع الثانى وأخرجت حتى العديد من اللاعبين منهم أحمد زيزو وكريم حافظ وأحمد حسن ومحمد هلال وأحمد عبد العال وأيمن عادل، وجميعهم محترفون بنادى ليرس البلچيكى حاليًا وأعمارهم 18 إلى 19 سنة، كما أخرجت محمود شوقى وعبد الرحمن عبده وكلاهما يلعبان بالفريق الأول لكرة القدم بوادى دجلة. أيمن يونس نجم الزمالك والمنتخب المصرى السابق، يرى أن المعنى الحقيقى للأكاديميات الرياضية لم يتحقق فى مصر سواء فى كرة القدم أو غيرها من اللعبات، وأنها لم تثبت حتى الآن جديتها فى التعامل مع الناشئين وهذا هو السبب الرئيسى فى فشلها حتى الآن. وأوضح يونس أن تلك الأكاديميات تعمل فقط من أجل الربح ولا يوجد فى مصر مدارس تعمل على تنمية قدرات النشء فى مختلف اللعبات والمساعدة على الانضمام للأندية، والحصول على المقابل المادى من الأهل هو الهدف الرئيسى الذى تعمل الأكاديميات من أجله بصرف النظر عن قدرتها على تقديم ناشئ ناضج ومتميز من عدمه. وأكد أن ما تفعله هذه الأكاديميات هو تنمية عشق الطفل للرياضة ولاسيما كرة القدم حتى يستمر معهم أطول فترة ممكنة، دون النظر إلى قدراته ومهاراته وهل يصلح لممارسة تلك اللعبة أم لا؟ موضحا أن عددا قليلا جدا من هذه الأكاديميات يعمل بالشكل الصحيح ويتبنى المفهوم الحقيقى الذى أنشئ من أجله، وهو تقديم نجوم ورياضيين متميزين فى مختلف اللعبات. ويرى نجم الزمالك السابق، أن الأكاديميات كرة القدم على سبيل المثال لابد أن تخضع لإشراف اتحاد الكرة وأن تعمل تحت سيطرته بشهادات معتمدة فى التدريب، وأن يشترط على من يعملون بها، الحصول على شهادات تدريب والقدرة على التعامل مع الأطفال، وكذلك أن يكون بداخل كل أكاديمية جهاز طبى أو طبيب على الأقل لضمان توفير الأمان للاعبين الصغار. متنفس للرياضة ويؤكد أشرف أبواليزيد مدرب أكاديميات الموهوبين التابعة لاتحاد كرة القدم، والمقامة فى إحدى المناطق الشعبية، أن إنشاء مثل هذه الأكاديميات أفضل من لعب الأطفال فى الشارع، فإذا كان هناك ولد موهوب يلعب فى الشارع، لن يجد من يهديه إلى الطريق الصحيح، مثلما كان يحدث فى الماضى عن طريق "كشاف" المواهب، فيلتحق بالأكاديمية حتى يعمل على صقل الموهبة ومن ثم عرضه على أحد الأندية. وعلى الرغم من أن البعض يؤكد أنها عملية هادفة للربح فقط، فإنه أكد أن الأكاديمية تلعب دورا مؤثرا جدا فى حياة الناشئ، خصوصا بعد تراجع الساحات الخالية التى كنا نجد فيها متنفسا للعب الكرة فى الماضي. أكاديمية فوق سطح القمر بمفهوم مختلف وفكر احترافى بحت تعمل العديد من أكاديمات الكرة فى أوروبا وأشهرها على الإطلاق "لاماسيا" الإسبانية مصنع نجوم نادى برشلونة. يمتد تاريخ لاماسيا لعام 1954 وكانت فى البداية ورشة للعمال الذين كانوا يعملون فى ملعب الكامب نو ملعب النادى الكتالونى إلى عام 1979 حيث تقدم يوهان كرويف أسطورة برشلونة على مر العصور بفكرة عبقرية لرئيس النادى آن ذاك جوسيب نونيز الذى وافق عليها مباشرة وكانت الفكرة هى تحويل لاماسيا إلى أكاديمية شباب لصناعة النجوم ولتصعيدهم لللعب فى الفريق الأول بدلا من شراء اللاعبين وتكليف خزائن النادى الأموال. تاريخ عريق من جوسيب جوارديولا المدير الفنى الحالى لبايرن ميونيخ والسابق لبرشلونة، ومرورا بتشافى وميسى وإنيستا، والأكاديمية لم تتوقف عاما واحدا عن مد أندية كرة القدم بالنجوم والمواهب الفذة التى تتم رعايتها داخل جدران النادى الكتالونى برعاية فائقة وباستخدام أحدث الأساليب العلمية فى رعاية الناشئ بدنيا وذهنيا وفنيا.. وتطوير مواهبه الخاصة إضافة لتعليمه الأسلوب الكتالونى الخاص بالتمرير الدقيق والسيطرة على الكرة أطول فترة ممكنة والهجوم السريع. كانت الأكاديمية فوق سطح القمر حينما أعلن الفيفا عن أفضل ثلاثة لاعبين فى العالم عام 2010 وكانوا لونيل ميسى وأندرياس إنيستا وتشافى هيرنانديز وجميعهم خريجو أكاديمية لاماسيا. لكن الوصول من لاماسيا إلى الفريق الأول لنادى برشلونة ليس بتلك السهولة، يصف جوارديولا كم هو أمر شاق ورائع فى نفس الوقت أن تنجح فى الفئات العمرية بالنادى حتى تتمكن من الوصول للفريق الأول "لكى تخترق الفريق الأول عليك أن تعبر 12 فريقا داخل الأكاديمية بدءا من عمر 7 سنوات حتى عمر 18 عاما وحينها يتم ضم الناشئ إلى نادى برشلونة ب، وهو الامتحان الأخير للاعب الصاعد قبل الانضمام للفريق الأول، ويضيف: "اللاعبون الذين ينجحون فى لاماسيا يجب أن يكونوا مختلفين ويقدموا إضافة كبيرة لينضموا للفريق وحينها يكون شعورا رائعا أن تلعب للفريق الأول فى برشلونة بعدما كنت فى النادى طوال عمرك منذ أن كنت طفلا". وبذلك فإن لاماسيا ومثيلتها من أكاديميات الفرق الكبرى وأبرزهم أكاديمية نادى أياكس الهولندى الذى يشكل خريجوها ٪70 من تشكيلة الفريق الأول وكذلك أكاديمية نادى مونبيليه الفرنسى الذى يشكل خريجوها ٪41 من تشكيلة الفريق الأول.. أثبتوا جميعهم أن هناك ضلعا جديدا تمت إضافته لعالم كرة القدم وهو صناعة النجوم.. الأكاديميات التى تعد استثمارا كبيرا بدأ كبار الأندية فى العالم الالتفات له والاهتمام الشديد بها من أجل صناعة النجوم وتحقيق المكاسب سواء للنادى من خلال الفوز بالبطولات أو تسويق هؤلاء اللاعبين، بعكس الحال كالعادة فى واقعنا العربي.