الشقق المغلقة مشكلة لاتزال تبحث عن حل، خاصةً فى ظل تزايد عددها ، حيث وصلت أكثر من 11 مليون وحدة سكنية مغلقة من إجمالى 58 مليون وحدة عقارية فى مصر حسب آخر إحصائيات للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، هو ما استدعى تحرك الأفراد والجهات الرسمية على حد سواء لعلاج هذه الأزمة، خاصة أن عدداً كبيراً من هذه الوحدات يخضع لقانون الإيجار القديم وهو محل جدل حتى يومنا هذا. فكان الحل من وجهه نظر البعض تعديل قانون الإيجار القديم وإضافة بنود مشددة بسحب أو توجيه انذار بسحب الشقق من المستأجر أو المالك فى حال إغلاقها أو بقائها دون سكن، أما آخرون فكان ملجؤهم ساحات القضاء، فقرر بعضهم رفع دعوى قضائية لحل الأزمة مستغلين قرار محكمة النقض الذى صدر خلال الشهر الجارى بالإخلاء نتيجة غلق الشقة استناداً على انتفاء الإقامة فيها وهى الميزة التى يترتب عليها امتداد عقد إيجار السكن ، ولكن هذه الميزة حسبما أكد خبراء القانون طبقت على حالة بعينها ولا يجوز الاعتماد عليها لحل المشكلة، خاصةً أن القانون مع المستأجر وليس المالك ولا يوجد بند قانونى يلزم المستأجر بالسكن وعدم إغلاق الشقة طالما هو ملتزم بدفع الإيجار. ومع تعدد الخيارات التى يلجأ إليها البعض لحل الأزمة يبقى الوضع كما هو عليه وتهدر ثروة عقارية قدرها بعض الخبراء العقارين ب8 تريليونات جنيه، «الوفد» فتحت هذا الملف واستمعت لكافة الأطراف لمعرفة تفاصيل الأزمة وكيفية حلها أو الحد منها. أحمد جاد، المحامى المتخصص فى قضايا الإيجار القديم، أكد أن هذه الأزمة لا حل لها فى القريب العاجل، خاصةً أن قانون الإيجار القديم الحالى مع المستأجر وليس المالك، وبالتالى كافة العقارات التى تخضع لهذا القانون وتم تأجيرها منذ عقود طويلة وورثت على مر الأجيال، لا يمكن إجبار مستأجرها على السكنى فيها ، مشيراً إلى أن القانون لا يحتوى على أى عقوبات تقضى بسحب العقار من المستأجر فى حال لم يقم بالمسكن. ونوه إلى أن الحالة القانونية التى على أثرها تم استرجاع الشقة المغلقة للمالك مرة أخرى بعدما قضت المحكمة بذلك هى حالة شاذة لا يجوز اعتبارها قاعدة أو حلا للأزمة، مشيراً إلى أن المحكمة قضت فى هذه الحالة بانتهاء عقد إيجار شقة النزاع تأسيساً على ما شهد به شاهد المطعون ضدهم من أن مورث الطاعنين ترك الإقامة بها قبل وفاته بأربع سنوات تقريباً وأن اياً من الطاعنين لم يقم بها منذ ذاك التاريخ وهو ما تم تأييده بفواتير الكهرباء والمياه والغاز والتى أثبت فيها عدم وجود استهلاك بالشقة خلال تلك الفترة. وأوضح أن الشقق المغلقة الخاضعة لقانون الإيجار القديم تحتل نسبة كبيرة من إجمالى الوحدات الخالية فى مصر، خاصةً أن سكانها عادةً يحتفظون بها لقلة القيمة المالية المدفوعة لها، وعادةً ما يقطون بمكان أخر سواء كان خارج البلاد أو داخلها ويخضع لملكيتهم، منوهاً أنه لطالما هم يدفعون الإيجار بانتظام فلا يجوز سحب أو إخراجهم من الشقة من قبل المالك للانتفاع بها. وأشار إلى أن حل مشكلة الشقق السكانية المغلقة التى تخضع لقانون الإيجار القديم يكمن بالأساس فى تعديله، حيث لا بد أن ينص على بنود لسحب الشقق المغلقة من المستأجرين وإعادتها للملاك للاستفادة منها، علاوةً أنه لابد من مراجعة جادة لعدد الشقق المغلقة لحصرها على نحو دقيق، ومراجعة نسب استهلاك المياه والكهرباء لهذه الشقق للتأكد من هجرها، فضلاً عن الاستعانة بشهادة الجيران، مؤكداً أن تقديم المستأجر ما يثبت استغلاله لها عبر إيصالات الكهرباء والمياه والغاز لمدة عام سابق على الأقل سيحد من هذه الأزمة. ولفت إلى أنه بالرغم من إضافة بعض المواد فى مشروع قانون الإيجار القديم المعدل والمطروح حاليا للنقاش أمام مجلس النواب، إلا أنه لا يزال حبيس الأدراج ومن غير المرجح أن يظهر للنور قريباً بسب الخلافات والجدل الكبير المثار حوله من كافة الأطراف سواء المستأجرين أو الملاك، مشيراً إلى أن التعديلات القانونية شملت إضافة بعض المواد للحالات التى تلزم المستأجر بإخلاء الشقة فى حالة الغلق لمدة ثلاث سنوات والسفر خارج البلاد ويكون السكن بالنسبة له ليس للإقامة المستقرة، وأيضاً مرور ثلاث سنوات على استخراج المستأجر لترخيص بناء باسمه، أو زوجته، أو أولاده، أو حصول أحدهم على وحدة من برامج الإسكان المقررة بالدولة، أو مرور خمسين سنة على بدء العلاقة الإيجارية الأصلية للعين المورثة للمستأجر. وأكد أنه رغم وجود هذا البند فى قانون الإيجار القديم المُعدل، إلا أنه بعض المستأجرين قاموا بفتح بعض وحداتهم أو وضع بعض المفروشات البسيطة والذهاب للجلوس بها من حين للآخر كوسيلة للتحايل على هذا البند، وبالتالى بقى الوضع على ما هو عليه واعتبر هذا البند كأن لم يكن. واختتم حديثه بأنه يأمل أن تحل هذه المشكلة فى القريب، وأن يتم تعديل قانون الإيجار القديم بشكل ينظم العلاقة بين المالك والمستأجر، ويراعى مصلحة الطرفين، ويحقق العدالة الاجتماعية ويعطى لكل طرف حقه، سواء من خلال زيادة قيمة الإيجار المدفوع فى الوحدة السكنية بشكل يتناسب مع عصرنا الحالى، أو بالنص صراحة على عدم توريث الوحدة للأبناء بعد وفاة المستأجر. واتفق معه مهندس صابر خضر، أحد المتضررين من قانون الإيجار القديم، مشيراً إلى أنه ورث مع إخوته عمارتين بهما 16 شقة أغلبها مغلق من قبل المستأجرين، ولا يتم الانتفاع بها أو استغلال بغرض السكن كما هو منصوص عليه بالعقد، ومع ذلك لا يستطيع أن يفعل حيالها شيئاً طالما أن الساكن ملتزم بدفع الإيجار الشهرى والذى لا تزيد قيمته على خمسة جنيهات، منوهاً أنه لجأ للمحاكم لإخلاء هذه الشقق بسبب إغلاقها ولكن القانون كان فى صف المستأجر.. وقال: «لا بد أن نفرق بين أمرين، أولاً العقود التى أبرمت بين المالك والمستأجر قبل قانون 4 لسنة 1996 والتى لم تحدد مهلة زمنية للإيجار لانتهاء العقد، فقط تشترط الالتزام بدفع القيمة الإيجارية المتفق عليها لاستمرار هذا التعاقد، وبالتالى تعتبر الشقة من حق المستأجر للأبد طالما هو ملتزم بدفع الإيجار والقانون يحميه فى هذه الحالة ولا حق للمالك فى أى شىء، أما عقود الإيجار التى أبرمت بعد هذا التاريخ فتخضع للقانون المدنى وبالتالى تحدد بها مهلة زمنية لانتهاء فترة الإيجار والتى عادةً تصل ل59 عاماً. ولفت إلى أنه رغم امتلاك عائلته وحدات سكنية لا يستطيع أن يستفيد منها بل لا يجد مأوى واضطر لاستئجار شقة.. كما أن أغلب مستأجرى الوحدات السكنية التى يمتلكها لديهم وحدات سكنية أخرى، منوهاً إلى أن أحد المستأجرين مقيم خارج البلاد منذ أكثر من عشرين عاماً ولا يقطن بالشقة وتركها مغلقة، ويكتفى بدفع مبلغ زهيد لا يزيد على خمسة جنيهات فى المحكمة بناء على عقد تم توقيعه منذ عشرات السنين، وذلك ليثبت أنه يدفع قيمة الإيجار ويبقى فيها. وأشار إلى أن القانون لا يقدم أى حلول لهذه الأزمة منذ عقود بل تركها كما هي، مشيراً إلى أنه من ضعف وقلة حيلة بعض ملاك هذه العمارات التى تم تأجيرها منذ عقود من أن يحصلوا على حقهم فى إيجار مناسب أو يستردوا وحداتهم فى حال عدم السكن فيها، اضطر بعضهم إلى بيع هذه العمارات لتجار ومقاولين برخص الثمن، والملاك الجدد هم من يخرجون المستأجرين بطريقتهم الخاصة سواء بالقوة عبر استئجار بلطجية لتعكير صفو حياتهم وتكديرهم، أو من خلال دفع مبالغ تعويضية لهم نظير تركهم الشقة. وتابع: الدولة لا توفر قاعدة بيانات تكون مسجلاً عليها الوحدات التى يقوم أى فرد بشرائها، وبالتالى فى حال أن المستأجر قام ببناء عمارة أو شراء وحدة سكنية باهظة الثمن لا يستطيع المالك معرفة هذا الأمر وحتى إن كان على علم بهذا الموضوع فلا يستطيع إثباته، وبالتالى تستمر الأزمة وتحول دون استفادة أى طرف من الشقة ، مشيراً إلى أن المالك لا يستطيع مطالبة المستأجر بالتنازل عن الشقة لأن قانون الإيجارات فى صفه ، منوهاً بأن هذه المشكلة وصعوبة استرجاع بعض الوحدات السكنية من المستأجرين، جعل بعض الملاك لديهم ذعر أو خوف من فكرة الإيجار بشكل عام، فبعضهم وإن استطاع استعادة شقته سواء بدفع مبالغ باهظة للمستأجر أو وفاته أوعدم وجود وراثة له، يخشى تأجيرها لساكن جديد ويفضل تركها مغلقة لترتفع قيمتها ويبيعها لأعلى سعر حين يحتاج إليها، وبالتالى تستمر الأزمة. وأرجع عبدالمجيد جادو، الخبير العقارى، مشكلة إغلاق الشقق السكانية لطريقة تفكير غالبية المصريين والذين يفضلون شراء العقارات بهدف الاستثمار وكنوع من الادخار للمستقبل، وبالتالى يكون هناك زيادة فى عدد الأفراد المالكين لوحدات سكنية فى مقابل آخرين لا يستطيعون شراءها، وبالتالى فتبقى هذه الشقق مغلقة أو بعض الملاك يقومون بإيجارها بأسعار باهظة لمغتربين أو أجانب. ونوه إلى أنه يوجد بنود فى القانون تلزم مالك الشقة المغلقة بإيجارها أو استغلالها أو السكن فيها، وبالتالى تستمر الأزمة خاصةً فى ظل عدم وجود قاعدة بيانات لحصر هذه الشقق ورسم خطة للاستفادة منها، مشيراً إلى أن السياسة التى تتبعها الدولة فى تشييد وحدات سكنية دون تشطيب لارتفاع تكلفة التشطيب عمّقت الأزمة وزادت من حدتها، حيث يلجأ البعض لشراء أكثر من وحدة دون تشطيب ويتركها كنوع من الادخار لأبنائه على أن يقوم بتشطيبها بمرور الزمن. وأكد ضرورة سن تشريع عاجل لمعالجة مشكلة الوحدات السكنية المغلقة والتعامل معها على أنها ثروة عقارية يجب الحفاظ عليها وتنميتها واختيار أساليب منطقية للتعامل معها، منها أن تفرض ضريبة على من يمتلك أكثر من وحدة سكنية غير مستغلة، أو وجود قاعدة بيانات مسجل عليها كافة عمليات البيع والشراء للعقارات، بحيث تستطيع الدولة الحد من احتكار بعض الأفراد للعقارات فى حين عدم استطاعة آخرين امتلاك أية وحدة. واختتم حديثه أنه لا بد أن تتدخل الحكومة لحل هذه المشكلة سواء بمحفزات لأصحاب الشقق المغلقة لتشجيعهم على طرحها للإيجار، ووضع رؤية واضحة المعالم للمستقبل تشجع من يملك وحدة سكنية لا يحتاج إليها على تأجيرها، منوهاً إلى أن عشوائية البيع والشراء فى الفترة الحالية للعقارات وهرولة طبقة بعينها لشرائها يحدث نوعاً من الخلل فى العرض والطلب، وبالتالى ستكون لدينا أزمة فى المستقبل، خاصةً فى ظل ارتفاع مستوى الزيادة السكانية.