لم يكن الفنان الكبير محمد منير مجرد مطرب تقليدي أو صوت عادي مثل أصوات كثيرة، ظهرت علي ساحة الغناء المصري والعربي، لأنه بطبيعة الحال خلق شكلاً جديداً من أشكال الموسيقي، والغناء وقت ظهوره حيث كان الغناء يعتمد علي القوالب التقليدية، والشكل الكلاسيكي بداية من الغناء، وحتي المظهر الخاص بالمطرب علي خشبة المسرح. وظل منير هكذا متمرداً علي كل ما هو تقليدي طوال 35 عاماً هي عمره الفني، إلي جانب ذلك ظل منير مثلاً أعلي للملايين من الشباب المصري، والعربي. والدليل علي ذلك ما كنا نراه في حفلاته، فالجمهور لم يأت لمجرد السمع لكنه جاء لأنه يري في فن منير رسالة لابد من دعمها. لذلك فهو بأي حال من الأحوال لا يمكن منعه من الغناء في أي مكان داخل مصر. لمجرد أن الدكتور محمد البرادعي قال في أحاديث له.. إنه يحب صوت منير. وهذا الرأي تسبب في منع منير من الغناء بدار الأوبرا المصرية خلال السنوات الأخيرة من عمر النظام السابق. وأتصور أن الفنان »منير« تورط في الكثير من التصريحات الصحفية التي تناولت هذا الأمر، وأكد فيها أن سبب منعه من الغناء بالأوبرا هو كلام الدكتور محمد البرادعي عنه، وعن حبه لصوته. وسبب تأكيدي أن تصريحات »منير« فقد جانبها الصواب لأسباب كثيرة، منها أن حفلات منير خلال فترة ابتعاده عن الأوبرا كانت تقام تحت رعاية وتنظيم مؤسسة صحفية كبري هي أخبار اليوم، وهي إحدي المؤسسات التابعة للدولة شأنها شأن الأوبرا المصرية. وبالتالي لو أن النظام السابق منع منير من الأوبرا، فأخبار اليوم ليست بعيدة عن متناول يديه. والكل يعلم أيضاً أن النظام السابق كان يسيطر بفكره، ورجاله علي كل الهيئات والمؤسسات الحكومية بل والخاصة أيضاً. وبالتالي حتي الرعاة الذين كانوا يدعمون حفلات محمد منير مثل إحدي الشركات الخاصة بالاتصالات كانوا سينسحبون من حق الرعاية لأنهم كانوا يعرفون ويدركون مخاطر ذلك ولم ولن يدخلوا في مخاطرة مع نظام شديد السطوة، والبطش من أجل حفل للدعاية لهم حتي ولو كان المطرب بحجم وجماهيرية وشعبية الملك منير. ثم إن حفلات منير التي أقيمت في الساحل الشمالي كان من الممكن إفسادها، وكذلك التي أقيمت في بعض الجامعات الأجنبية، حتي الحادث العام الذي حدث في إحداها تكرر مع عمرو دياب، وكان السبب في الحفلين هو تدافع الجماهير، ركوب الموجة ليس من صفات محمد منير. لكن توريطه بهذه الصورة وتلك الشهادات التي نشرها العديد من الصحف والمجلات، والمواقع المنتشرة علي الإنترنت كانت بحاجة إلي توضيح أكثر منه أو معالجة أخري. لأن هذه الآراء التي انتشرت شبهته بآخرين ممن يحاولون ركوب الموجة. خاصة أن منير له آرائه منذ فترة طويلة. وهو صاحب مبادئ لا تتغير بتغير الأشخاص. وكان يقول آراءه عبر أغانيه التي صاحبته طوال مشواره الفني. والذي قضي منه 30 عاماً مع النظام السابق، وبالتالي فهو لم يكن يخشاه، وهو في عز قوته. وبالتالي تأكيده علي تصريحات الدكتور محمد البرادعي لم تكن في محلها. نعم هناك أغان لمنير وللحجاز حجبت لكنها لم يمنعا من الغناء. وبالمناسبة منير كان علي وشك الاتفاق علي إقامة حفل بدار الأوبرا خلال فترة عيد الربيع السابق وهو الحفل الذي انتقل إلي إحدي القوي السياحية بالغردقة. وجاء قرار النقل نظراً لاعتبارات أمنية أيضاً. وهي نفس الأسباب التي منعت منير من الأوبرا طوال الثلاث سنوات الماضية بسبب أعمال البناء التي تقام بمركز الهناجر للفنون بساحة الأوبرا. وهي التي أدت إلي تقليص مساحة جراج الأوبرا الذي كان يقام به حفل منير بنسبة 25٪ تقريباً، وهو ما لا يتناسب مع حجم الجماهير التي تحرص علي حضور حفلاته، خاصة بعد حفل »أيكون« الذي سقط فيه جزء من منصة الجماهير، وكاد يحدث مالا يحمد عقباه، وتعرض العديد من الجماهير لإصابات خفيفة.. لكن هذا الحادث جعل الأمن يخشي من إقامة الحفلات الكبيرة في هذا المكان. وبالتالي لو أن حفل عيد الربيع الأخير أقيم كان من الممكن أن نصدق علي كلام الدكتور البرادعي، والمطرب محمد منير. وبالمناسبة سبق لنا من خلال »الوفد« أن انتقدنا جهاز الشرطة خلال وجود حبيب العادلي علي رأسه لأنه منع حفلات منير. ونحن فقط نذكر بذلك حتي لا يفهم كلامنا علي سبيل الخطأ. لأننا كنا ومازالنا من أشد المؤيدين لإقامة ووجود حفلات لمنير ضمن برنامج الأوبرا رغم المخاطر التي كان الأمن يتحدث عنها. لأن الأيام أثبتت بالدليل القاطع أن المخاطر موجودة في كل مكان حتي لو كان في الصحراء. والمهم قبل هذا وذاك هو الحسم والتمسك بعدد التذاكر المباعة. لأن الشرطة خلال الفترة الماضية وبكل الثورة كانت تترك الدنيا حتي تصل لمرحلة الخطورة وعندما تحدث المشكلة يصدر قرار بالمنع بدلاً من علاج القصور والمسئولين عنه. كما أن هناك أسباباً أخري تجعلنا نطالب بوجود منير منها أن حفلاته تحقق عائداً كبيراً للأوبرا وبالتالي فهذا الإيراد كان يدعم فنوناً أخري لا تحقق نفس الإيراد. كما أن حفلاته كانت تمثل عيداً يتجمع فيه كل شرائح المجتمع المصري وعدد كبير من الجاليات. منير عندما غني »إزاي« كان رده قوياً، وحاسماً ضد كل الذين كانوا يقولون لماذا لم يظهر منير في ميدان التحرير؟ والأجمل في الحكاية أنه غناها قبل ثورة 25 يناير بنحو أربعة شهور أي أنها صدرت في عز قوة النظام السابق، وقوة رجاله. لذلك منير بفنه عمره أطول من كل الزعماء الذين حكموا مصر والذين سيحكمونها. والدليل أن أغاني عبدالحليم حافظ عن ثورة 52، وعن السد العالي، ونصر أكتوبر مازالت موجودة رغم رحيل صناع هذه الأحداث. وأعمال منير لا تقل أهمية عن أعمال كثيرة لحليم وغيره ممن غنوا لمصر. وربما يكون صوت منير أكثر نقداً للأوضاع من آخرين. منير كان سابق لعصره في موسيقاه وغناه.. لكنه فيما يتعلق بأن البرادعي وراء إبعاده عن الأوبرا.. عاد بنفسه وبنا إلي الوراء.