«لن نبالغ إذا قلنا إن المطرب الكبير على الحجار هو رئة الغناء العربى، الذى نستطيع من خلال حنجرته أن نتنفس ألوانا من الغناء الراقى، والجاد بكل ما يحمله من مواصفات. ومنذ ظهوره فى منتصف السبعينيات وهو مشغول دائما بالبحث عن الكلمة الجادة، واللحن الذى يمنحه مزيدا من القدرة على التواصل مع الناس، وهو ما يؤكد أصالة منبته الذى يعود لعائلة فنية تعى معنى الهدف السامى للغناء. على الحجار خلال سنوات طويلة مع والده الراحل الكبير إبراهيم الحجار حصل على الأمصال الواقية من أى عبث غنائى، فوالده كان بمثابة أبو الأصوات الجادة فى مصر. والفضل يعود له فى نبوغ أصوات عربية كبيرة، لكونه أحد حفظة التراث النابغين كما أنه كان يمتلك قلبا يسع كل الأصوات. وخلال مشواره حافظ على الحجار على نصائح والده واعتبرها المصباح الذى يضىء له الطريق. وبالتالى لم يهمل فنه، ولم يعط الفرصة لأحد لكى يعبث به. لذلك ظل طوال أكثر من 30 عاما ينظر إليه على أنه رمز الغناء الجاد». فى البداية سألته عن حكاية فتوى تحريم الغناء على من يقوم بتسجيل القرآن بصوته.. قال: «أم كلثوم سجلت أجزاء من القرآن الكريم بصوتها، وأعتقد لو أن هناك شبهة حرمانية، لتصدى الشيوخ والعلماء فى ذلك الوقت لها، ومنعوها أو على الأقل لفتوا نظرها إلى هذا الأمر. ثم إننى علمت وقرأت ما قاله الموسيقار عمار الشريعى فى حواره معكم حول هذا الأمر، وأنه استمع لرأى الإمام الغزالى فى أن الغناء حلاله حلال، وحرامه حرام مثل أى شىء فى الدنيا. وهناك شىء آخر سمعته من والدى رحمة الله عليه عندما أراد شقيقى أحمد اعتزال الموسيقى والغناء وكان وقتها طالبا بمعهد الموسيقى. وأقنعه والدى بشيء بسيط، وهو أن الناس عندما تستمع لجملة غنائية جيدة يقولون: «الله».. وهذا يعنى أن الغناء يساعد على ذكر الله عندما يكون سليما. الشروق: هل هذه هى الآراء التى استرشدت بها؟ على: نعم ولى رأى خاص هو لو أن فنانا بحجم عمرو دياب سجل القرآن بصوته، فإنه بجماهيريته وكونه مثلا أعلى للكثير من الشباب سوف يجعل هؤلاء الشباب يستمعون للقرآن أكثر مما يفعله المقرئون المشهورون. وهذا فيه إفادة للناس، وثواب عظيم. والدليل أن الرسول الكريم اختار بلال بن رباح ليس لكونه صوتا جهوريا وقويا. لكنه لأنه يتمتع بصوت حلو، ثم إننى قرأت كتبا كثيرة لم أجد فيها ما يمنع هذا. الشروق: لكن ليس كل المطربين لديهم القدرة على قراءة القرآن بأحكامه الشرعية؟ على: هذا صحيح، لكن هناك أناسا مثلى لديها رقابة داخلية وأراعى الله فى كل ما قدمته. الشروق: كيف استقبلت هذه الفتوى؟ على: فى البداية انزعجت. ثم سرعان ما عاد الهدوء إلىّ. الشروق: ما رأيك فى الغناء الدينى الآن؟ على: يفتقد إلى الخشوع وإن كنت سعيدا بتجربة سامى يوسف مثلا. لأنه قدم هذا الشكل الغنائى للشباب «المودرن». لأن للشكل أجمع له دور كبير فى انتشاره. لذلك الشباب وجد فى سامى يوسف خواجة، وحليوة بالإضافة إلى أنه قدم فنا جيدا. إذن فالرسالة وصلت. الشروق: وتجربة محمد منير؟ على: أعتبرها أيضا تجربة استثنائية لأن منير مطرب كبير، وتصوير «مدد يا رسول الله» كان جيدا، ووظف رموزا تعبر عن الأديان السماوية، وضرورة التسامح بين الناس. الشروق: لكن هناك أعمالا أخرى لمطربين مشاهير دون المستوى؟ على: هذا صحيح لأننا «جرينا» وراء البيزنس. الشروق: هل أنت ضد ظاهرة انتشار الدعاة الجدد؟ على: كثير منهم اتجه إلى الدعوة من أجل البيزنس والدليل أن صورهم الآن أعلى الكبارى، وفى الشوارع مثل الممثلين، والمطربين وأنا شخصيا مازلت أعشق الشيخ الشعراوى. ولكن مع تجربة معز مسعود فهو شاب مثقف ساهم فى نشر الإسلام لدى من لا يجيدون العربية. لأنه يتحدث لغات أجنبية. الشروق: هل انتهيت من تسجيل القرآن؟ على: إلى الآن بالطبع لا. لكن الاستديو الخاص بى الذى افتتحته منذ أشهر قليلة ساعدنى كثير وأنا للحقيقة لا أسجله بترتيب المصحف الشريف. الشروق: بمناسبة الاستديو ما الهدف من إنشائه خاصة أنك مطرب، وليس ملحنا أو موزعا موسيقيا؟ على: الاستديو كان حلم اكبيرا. أول سبب أننى أنتج ألبوماتى منذ عام 1981، واكتشفت أن أغلب ما ينفق يذهب للاستديو. والسبب الثانى أننى أريد مكانا تحت يدى عندما يأتى مزاج الغناء أجرى سريعا إليه. والسبب الثالث تسجيل القرآن الكريم والسبب الرابع أنا أغلب أسرتى ملحنيون ومطربون أخى أحمد وابنى أحمد مغنٍ وملحن وموزع وهذا يعنى أنهم فى حاجة لاستديو لتنفيذ أعمالهم. الشروق: أحمد ابنك له تجارب جيدة لماذا لم تستغله؟ على: استعنت به فى ألبومى الماضى فى أغنية أبويا الطيب حيث ظهر كممثل وموزع موسيقى، وفى الألبوم الجديد هناك أغنية قام أمير عبدالمجيد بكتابة الوتريات وأحمد قام بتنفيذ الأغنية. وعموما أنا أنوى إنتاج ألبوم له. الشروق: لكن لماذا لا يجمعكما دويتو؟ على: قد يحدث وإن كنت لا أفضل هذا حاليا لأننا تقريبا ننتمى لنفس المدرسة الغنائية لأن المعلم واحد، وهو أبويا. لكن من الممكن أن أكون ضيفا عليه فى ألبومه بأغنية. لكن مشاركته فى ألبوم لى قد يكون فيه ظلم، ثم إنه لا يريد أن يحسب على. الشروق: ما الفارق بين أحمد الابن، وعلى الأب؟ على: أحمد يغنى إيطالى وإنجليزى وهو ملحن وموزع باعتبار أنه دارس هارمونى. الشروق: أشعر أن والدك لم يحصل على حقه وعاش مظلوما فنيا؟ على: والدى كان معهد موسيقى يمشى على قدمين، وهو سبب معرفتى بأسرار الموسيقى. فالكل يعلم مثلا أن المقامات الأساسية 9 مقامات. لكن والدى اكتشف 139 مقاما. وحق والدى لم يضع لأن تلاميذه منحوه إياه. ويكفى أن كل الأصوات تقول هو فين زمن إبراهيم الحجار، والدى كان يبدأ يومه بالقرآن الكريم ثم الغناء. الشروق: لكنه لم يستغل على المستوى الأكاديمى إلا فى أواخر حياته؟ على: لأنه ظل بفرقة الموسيقى العربية حتى بلغ المعاش. وبعدها التحق بهيئة التدريس بالمعهد. الشروق: عملت فى الكباريهات فى بداية مشوارك.. لماذا؟ على: وقعت عقد احتكار مع بليغ حمدى عام 1977 لمدة 3 سنوات ورغم أن بليغ كان فنانا لكننى ذقت على يده مرارة الاحتكار. الشروق: ماذا تعنى بمرارة الاحتكار؟ على: بمعنى أننى كنت قد حققت شهرة كبيرة، وصورى معلقة فى كل مكان ورغم ذلك كنت أركب الأتوبيس. لدرجة أن الناس كانوا يتهامسون هل هو بخيل أم مجنون. وأنا فى الحقيقة لم يكن معى فلوس. لذلك اشتغلت أنا والحلو، ومنير، وعمر فتحى فى الكباريهات. الشروق: هذا يعنى أن بليغ لم يف بالالتزامات المالية التى جاءت بالعقد؟ على: العقد كان 3 سنين ب12 ألبوما، وكل ألبوم مفروض أحصل فيه على 200 جنيه. يعنى فى السنة 600 جنيه، كنت أحصل 12.50 جنيه فى الشهر كنت أذهب لمحل موريس إسكندر شريكه فى هذا الوقت لكى أحصل على الراتب. الشروق: لكن هذا يعنى أنك تنازلت؟ على: بالعكس وجودى مع الحلو ومنير غير من شكل الكباريهات التقليدية. الشروق: قسوة احتكار بليغ هل كان السبب وراء اتجاهك للإنتاج منذ عام 1983؟ على: هذا صحيح لأن كل شركة لها شروطها الخاصة، وكل منتج يريد شكلا معينا من الغناء، وأنا أرفض ذلك تماما. الشروق: باعتارك أحد الأصوات التى ساهمت فى نجاح تترات المسلسلات كيف ترى الاستعانة بنجوم الكاسيت مثل نانسى لأداء هذا اللون؟ على: أولا عندما اشتغلت أنا والحلو فى التترات كنا نشعر أن من يغنيها ينظر إليه وكأنه فاته قطار الغناء، أو كأننا لا نجد عملا، لكن عندما استطعنا أن نؤكد أهمية التتر، وحققنا نجاحات نافست الأغانى العادية بدأت هجرة نجوم الكاسيت للتترات. الشروق: وفى رأيك لماذا حدثت هذه الهجرة خاصة أنهم منتشرون فى الكاسيت؟ على: لأن جماهير الكاسيت قد تكون شريحة معينة، ومتابعو المسلسلات شريحة أخرى من كبار السن، وربات البيوت. لذلك فهم فى حاجة للوصول إلى الناس فى البيوت، خاصة أن المسلسلات الآن تعرض فى رمضان. إلى جانب أن موسيقى المسلسلات أصبحت تعامل معاملة الأغانى الأخرى كرنات وهناك أيضا أسباب إنتاجية لترويج العمل. الشروق: هل ترى أن وجود هذه الأسماء سوف يضعف من فرصة جيلك فى أداء التترات خاصة انك قلت إن هناك أسبابا إنتاجية للاختيار؟ على: لا أرى ذلك لسبب بسيط أن أداء أغانى الدراما لها مفردات وجيلى مازال متماسكا. ومنذ فترة طويلة ظهر علينا أصوات ثم يختفون ونحن موجودون. الشروق: ورأيك بصفة عامة فى الاستعانة بنجوم الغناء العربى؟ على: مصر طول عمرها وهى تحتضن الجميع، لكن أتمنى أن يسند العمل للصوت المناسب دون لى ذراع، خاصة أن هناك أسماء غنت بشكل جيد، ودون نشاز لكن الجماهير لم تصدقها مثل وائل جسار عندما غنى مسلسل «عبدالناصر». وكذلك المطربة التى أدت أغانى ليلى مراد، لم يكن يصح أن يسند لها غناء أعمال ليلى. وفى المقابل أعتقد أن مسلسل أم كلثوم كان نموذجا جيدا لأنهم استعانوا بريهام عبدالحكيم فى مرحلة الصبا، وتركوا صوت أم كلثوم فى مرحلة الكبر، وهذا أيضا حدث فى مسلسل إسماعيل ياسين. لأن عمار فنان كبير، وله دراية بكل شيء. الشروق: هل فكرت فى الاعتزال؟ على: لم أفكر فيه، لأننى حرمت نفسى من متع الحياة من أجل الغناء. الشروق: حتى فى لحظات الاحباط؟ على: لحظات الاحباط دائما يأتى معها يقين ان مشاكل الزمن يمكن إصلاحها، لأن التراجع ليس فى الغناء فقط لكن فى أمور أخرى فى السياسة والاقتصاد والصحة، والمرور، ومعاناة الناس فى الحصول على رغيف العيش. الشروق: بمناسبة الانهيار الذى نلاحظه فى شتى المجالات ما رأيك فى إسناد أغانى المناسبات لأصوات شابة وآخرها كأس العالم؟ على: فى البداية كان الأمر يسبب ازعاجا شديدا لى. لكن عندما تكتشف ان هناك فسادا فى كل مكان. فلن تندهش. ولن تلوم سوى نفسك لأنك مازالت تعيش، ولم تقدم على الانتحار الذى حرمه الله. الشروق: هل يزعحك ان لقب مطرب مصر الأول أصبح فى السنوات الأخيرة يطلق على أصوات محدودة الموهبة؟ على: وأنا صغير كنا نشترى تماثيل شكوكو، ولم نسمع وقتها عن تماثيل لأم كلثوم وعبدالوهاب. وهذا ليس معناه أن شكوكو هو الأفضل، وبالتالى ما يحدث الآن صورة من هذا الواقع. الشروق: لماذا لا نراك مع منير والحلو فى عمل غنائي؟ على: بالفعل أنا ومنير والحلو منتخب قوى بلغة الكرة، لكن هذا يتطلب جهة كبيرة تقوم بتنفيذ هذه الفكرة.