طوال الأشهر الماضية من عمر برنامج »مصر النهاردة« وهو ينحاز للغناء الجاد والدليل أن هناك حلقات كثيرة استضاف فيها رموز هذا الغناء مثل محمد الحلو، علي الحجار، عمار الشريعي، محمد منير، الشاب خالد، المطربة مي فاروق، المايسترو أمير عبدالمجيد، أنغام، شيرين، ووائل جسار، وغيرهم من الكبار، لكن ما حدث في حلقة الخميس الماضي، يؤكد أن البرنامج خرج عن السكة التي يسير فيها حيث تحولت حلقة البرنامج إلي كباريه أو ملهي ليلي، وبالتالي فقد البرنامج كثيراً من وقاره في هذه الليلة، لأن ما شهدناه لا يجب أن يقدمه تليفزيون الدولة، ربما أشاهد ضيوف هذه الحلقة في إحدي القنوات الغنائية الخاصة ولا أشعر بالدهشة لأن صاحب القناة من حقه أن يقدم ما يشاء، لكن تليفزيون الدولة له رسالة، ويجب ألا يتأثر بذوق مقدمي برامجه، وإلا لتحولت هذه البرامج إلي ملاهٍ ليلية. بدأت هذه الحلقة بكلام لخيري رمضان يؤكد فيه أن هذه الحلقة ليلة طرب ضيوفه فيها فرقة شاهدها في أحد المطاعم التي دُعي إليها لتناول العشاء، وضمت الفقرة طفلاً ومطرباً من فرقة التراث التابعة لدار الأوبرا، وتحدث خيري، عن هذا الطفل بقوله إن جورج وسوف طلب منه أن يشاركه الغناء، وهو أمر نشك فيه لأن جورج من أين له أن يسمع بهذا الصوت الطفل؟ المهم هذا ليس موضوعنا لكن قضيتنا أن الطفل عندما بدأ يغني استمعنا إلي صوت مثل عشرات الأصوات من الأطفال التي تغني في الأفراح الشعبية، وطريقة أدائه الغنائية تقول هذا، وبالتالي لا يجوز أن يقدم برنامج في حجم مصر النهاردة، وهو البرنامج الأول والرسمي في التليفزيون المصري، وبمعني أدق هو لسان حال الدولة وإذا كان خيري رمضان مقدم البرنامج معجباً بهذه الفرقة، فهذا ذوقه ورأيه وعليه ألا يفرضه علينا، وحالة الانبهار التي كان عليها تحولت إلي حالة سخط لدي كثير من الناس لأنه كما قلنا هذا تليفزيون الدولة. وربما كنا سنتقبل الأمر بشكل مختلف لو أن خيري عالج الحلقة بشكل مختلف، وتحدث مثلاً عن صورة الغناء في الأفراح الشعبية أو في الملاهي الليلية، وقتها كان حكم الناس سوف يكون مختلفاً، خاصة أن الجزء الثاني من الحلقة كان مع مغنٍ كل تاريخه هو الغناء في الأفراح الشعبية، والملاهي الليلية، وهو عبدالباسط حمودة وهي الفقرة التي قدمتها مني الشرقاوي، وبدأت حلقتها بالكلام بأن الأستاذ عبدالباسط حمودة هو مطرب شعبي، وواصلت كلامها بأن الغناء الشعبي بدأ علي يد سيد درويش، وهو ما يعني أن الأستاذ حمودة امتداد لدرويش، وأتصور ومعي كل الناس هذا الكلام من العيب أن يخرج من لسان مقدمة برنامج في التليفزيون المصري لأنها تتحدث أمام الملايين. ومن الخطأ أن تقارن بين تجربة درويش وحمودة، نعم سيد درويش خرج بالغناء من القصور إلي الشارع لكن هذا سيد درويش الذي وضع أول بذرة من بذور تطوير الموسيقي العربية، ووضع المنهج الذي نسير عليه حتي الآن، وسار عليه قبلنا عبدالوهاب والسنباطي والقصبجي حتي الرحبانية وبليغ حمدي أخذوا منه المسرح الغنائي، وهم حتي الآن يؤكدون هذا الكلام، سيد درويش ياست مني عندما نزل بالغناء من القصور إلي الشارع كان يهدف إلي أن الإنسان المصري البسيط يجب أن يستمتع أيضاً بالغناء، وهو الذي استخدم الغناء لمقاومة المستعمر، وهو صاحب نشيد »بلادي بلادي« الذي هو السلام الوطني الآن لمن لا يعرف، سيد درويش غني غناء شعبياً لكن شتان الفارق بين الغناء الشعبي الذي كان يقدمه فنان الشعب الذي جر خلفه قطار الموسيقي العربية، وبين الشعبي الذي يقول »إديني قلبك وخد قلبي« التي تغني لشريحة معينة من الجماهير الذين يتواجدون في الكباريهات، والملاهي الليلية، وبالمناسبة ديكور الحلقة كان يؤكد أننا في »خمارة«. الإعلام المصري ظل متجاهلاً أحمد عدوية حتي أوائل التسعينيات رغم أن هذا الفنان قدم أعمالاً جادة كثيرة كانت تعكس التغيرات التي تحدث في المجتمع، ورغم ذلك كان أول اسم في القائمة السوداء لا صوت ولا صورة، وكانت نافذته الوحيدة هي سوق الكاسيت. الآن نحن وصلنا إلي مرحلة خطيرة كل من هب ودب يمكن أن نشاهده علي الشاشة الرئيسية التي هي لسان حال الدولة. أهلاً بعبدالباسط حمودة وشعبان عبدالرحيم وكل مطربي الميكروباصات لكن ليس علي القنوات الرئيسية التي هي ملك الشعب، وإذا كان أحد مقدمي البرامج له ذوق خاص، فعليه أن يحتفظ بذوقه لنفسه من خلال أسطوانة يضعها في سيارته الخاصة، لأن ظهور هذه الأصوات في تليفزيون الدولة يعد دليل اعتراف بهذا الفن النشاز، كما أن وجهة النظر الخاصة بمقدم البرنامج يجب أن يحتفظ بها لنفسه، بدلاً من أن يشوه تاريخ كبار فنانينا من أجل مجاملة مطرب مفضل لديه. حلقة »مصر النهاردة« التي عرضت مساء الخميس الماضي، يجب أن تحول إلي لجنة تقييم الأداء الإعلامي، لأن الخروج علي التقاليد لا يعني فقط إلقاء نكتة خارجة.