فى عام 73 عندما وقعت أحداث الخانكة بسبب اعتراض مسلمين على إقامة شعائر دينية فى مقر ناد ثقافى قبطى، انتفضت مصر رغم عدم وقوع إصابات أو ضحايا، وتم احتواء الأمر، وعقد مجلس الشعب جلسة طارئة لمناقشة الحدث الطائفى الأول، تشكلت لجنة على أعلى مستوى برئاسة الدكتور جمال العطيفى وكيل المجلس وقتها لتقصى الحقائق والوقوف على الأسباب ثم وضع التوصيات بسياسات لحلول جذرية تتناول جميع الأبعاد الاجتماعية والثقافية، وانتهت لجنة العطيفى إلى توصيات عشر تتعلق بالقوانين والقواعد والأعراف التى تنظم مسألة بناء الكنائس ودور العبادة ومناهج التعليم ووسائل الإعلام والثقافة. دعت اللجنة وتقريرها إلى تفعيل مواد الدستور لتنص على المساواة الكاملة فى الحقوق والواجبات بين المصريين بلا تمييز، وحذرت من عدم الأخذ بالتوصيات، ونبهت إلى خطورة إهمال التقرير وعدم تنفيذ ما به، وعبرت اللجنة فى استعراض التقرير عن مخاوفها من تفاقم تلك الأحداث مستقبلا فى حالة عدم التجاهل من الدولة. وحدث ما توقعته اللجنة، وأهملت الدولة وأجهزتها تقرير العطيفى ودفعت به إلى ظلمة الأدراج، وحدث ما حدث بعد ذلك، وكما توقعت لجنة العطيفى، كان كل حادث أشد وطأة من سابقه واتسعت رقعة الحوادث وزاد الاحتقان حتى إن الحوادث الفردية يتم تفسيرها بالمعنى الطائفى لها، لأن مناخ التطرف والطائفية هو المسيطر الآن ولا حل له أو مواجهته إلا بالرجوع من جديد إلى تقرير لجنة العطيفى الذى لابد من الإفراج عنه وتنفيذ ما جاء به بمشاركة جميع فعاليات المجتمع بأحزابه ومؤسساته المدنية والدينية ونخبته الوطنية. بدلاً من انشاء المجلس الوطني للعدالة الذي دعا إليه الرئيس ولن يكون مصير توصياته سوى تكرار لما حدث مع تقرير العطيفي. وقال تقرير العطيفى ان مسألة ترخيص الكنائس من أهم الأسباب التي تؤدي للاحتكاك وإثارة الفرقة وحذر من ان عدم وضع نظام ميسر لتنظيم هذه التراخيص دون صدور قرار جمهوري في كل حالة. وطالب التقرير بإعادة النظر في أحكام الخط «الهمايوني» وقرارات وزارة الداخلية في هذا الشأن تجنبا لحالة شاعت وهي تحويل بعض الأبنية أو الدور إلى كنائس دون ترخيص وما يؤدي إليه ذلك من تعرض بعض الأهالي له دون أن يتركوا هذا الأمر إلى سلطة الدولة وحدها واقترحت اللجنة فى هذا الوقت بإعادة النظر في نظام الترخيص بهدف تبسيط إجراءاته على أن تتقدم الكنيسة الارثوذكسية بخطتها السنوية لإقامة الكنائس لتدرسها الجهات المختصة دفعة واحدة بدلاً من أن تترك للمبادرة الفردية للجمعيات أو الأشخاص ودون تخطيط علمي سليم. كما تنبه التقرير إلى ما اسماه «الرقابة على نشر الكتب الدينية» مشيرا إلى أن بعض الكتب الدينية التي تنشر في مصر للمؤلفين من المسلمين كثيرا ما تتعرض لأحكام الديانة المسيحية والأمر كذلك بالنسبة للكتب الدينية التي يكتبها مؤلفون من الأقباط فقد تتعرض لأحكام الإسلام. وحتى الآن لم تضع الدولة وأجهزة الإدارة هذه التوصيات في الاعتبار، فرغم وجود قانون لبناء دور العبادة تمت صياغته قبل ثورة يناير، لا يزال هذا القانون في الأدراج. وسر تميز تقرير لجنة العطيفي عن باقى التقارير التى تحدثت عن الازمة هو عملها فى ذاك الوقت بروح وكيل النيابة فى محاولة فهم الحادث حيث سعى معدوه الي تأصيل الحادث وفتح الجراح المسكوت عنها، وفتحت اللجنة عقلها وأعمالها إلي جميع المواطنين من كل المستويات، فكان من المسئولين الذين قابلتهم اللجنة نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية ممدوح سالم، والتقت اللجنة بمواطنين عاديين وسجلت شهادتهم، فقد خشي البعض من التقدم بمعلوماته الي جهات التحقيق. فذهب الي رئيس اللجنة وأدلي بمعلوماته حول الحادث. وقابلت اللجنة مواطني واهالي الخانكة والأماكن المجاورة لها، وعادت بالزمن الي الوراء للبحث عن الملابسات والاسباب الي أشعلت الفتنة الطائفية، باختصار فتحت لجنة العطيفي آذانها وعقلها للجميع، واستقبلت قسيسا ليحكي عن قصة اخري من قصص الفتنة. وطلبت اعداد المسيحيين في الخانكة وفي المحافظة للوقوف علي ازمة بناء الكنيسة. وحذرت اللجنة مبكرا من الدور السلبي الذي قد تلعبه الجمعيات الاهلية الدينية. وذلك قبل نحو ثلاثين عاما من سيل الجمعيات والمنتديات المدعومة بأموال بعض الخارج إسلاميا ومسيحيا. كما لاحظ التقرير ان بعض تعليقات المسيحيين أو المسلمين علي بعض أمور في الديانة الاخري يثير الحساسية، فوجه العطيفي الدعوة الي الكبار من الجانبين، دعوة للترفع عن مثل هذه الامور «وإلا أصبح ابداء الرأي والتعليق والاستدلال محفوفا بالمخاطر» وذلك بحسب نص تقرير العطيفي. وطالبت اللجنة ببسط اشراف وزارة الاوقاف على كل المساجد والزوايا فى مصر وتوجيه القائمين عليها لتؤدى رسالتها الدينية على الوجه الصحيح، كما تقترح اللجنة أيضاً في هذا الصدد أن يكون تعيين أئمة هذه المساجد بموافقة وزارة الأوقاف بعد التحقق من توافر الشروط الشرعية لتعيين إمام المسجد وفهمه الصحيح لأحكام الدين وتنظيم الإشراف على ما يلقى من خطب فيها حتى لا تجاوز شرح أحكام الدين الحنيف إلى توجيه انتقادات أو مطاعن في الأديان الأخرى. وبالمثل دعت اللجنة أيضاً الى مراجعة ما يلقى من مواعظ في الكنائس يمكن أن يقع فيه تجاوز أيضاً إذا لم يلتزم الواعظ الحدود التي يتطلبها شرح أحكام الدين والدعوة إلى الحق والخير والفضيلة على أنه لما كان تعيين راعي الكنيسة يتم دائماً على قرار المطران المختص أو البطريركية فإنها تكون مسئولة عن أداء واجباته الدينية، ويمكن مراجعتها في ذلك عند أي تجاوز لهذه الواجبات. ويرجع تميز هذا التقرير ايضا الى أنه الاول من نوعه الذى استطلع الحلول من المواطنين مباشرة حيث عرض اقتراحات أهالى إمبابة صاحبة الازمة الاخيرة والذين طالبوا بالعقاب وتفعيل القانون وأن تكون هناك أحكام رادعة على كل من شارك وارتكب هذه الجرائم أياً كان مسلماً أم مسيحياً وضرورة عودة رجال الأمن إلى الشارع حتى ترجع الطمأنينة إلى البيت المصرى و ان يفصل القضاء فى مسائل حرية العقيدة و التأكيد على أنه ليس هناك أى كيان فوق القانون سواء كان جامعة أو كنيسة حتى لا نتدخل فى لغط دولة داخل دولة. وحذر التقرير من غياب العقاب الرادع فى الأحداث السابقة على أحداث إمبابة وترك الأمر بلا حساب وبلا محاسبة ساعد فى تكرار هذه الأحداث وتصاعد وتيرة العنف فيها وتشير اللجنة إلى أن أحداث إمبابة مرشحة للتكرار فى مواقع جغرافية أخرى ما لم تتخذ إجراءات قانونية حاسمة ورادعة ضد المتسببين فى هذه الأحداث.