لن تكون بالطبع أحداث مدينة فرشوط بمحافظة قنا التى وقعت على خلفية اتهام شاب مسيحى -21عاما- باغتصاب فتاة مسلمة عمرها 12 عاما فى نوفمبر الماضى، الأخيرة فى حلقات العنف الطائفى فى مصر المتكررة منذ أكثر من 35 عاما. ومنذ أحداث مدينة الخانكة فى عام 1972، حدث أكثر من 70 حادثة طائفية من الزاوية الحمراء إلى الكشح والإسكندرية والبحيرة وأسيوط وحتى فرشوط، بما يدل على وجود حالة احتقان طائفى بين الجانبين، ويؤكد فشل الدولة فى معالجة وإدارة الأزمة بين الجانبين. لقد ظلت العلاقة بين أقباط مصر، مسلمين ومسيحيين، طوال تاريخها قوية وراسخة ومتينة فى إطار النسيج الوطنى المصرى والعربى والإسلامى، وفى إطار الجماعة الوطنية والمشروع القومى والوطنى سواء قبل ثورة يوليو أو بعدها حتى بداية السبعينيات، فقد تغيرت طبيعة العلاقة وبدأت الحوادث تتكرر، واشتعلت نيران وفتنة بسبب سياسات خاطئة وإدارات فاشلة وعاجزة لاحتواء الأزمة وإخماد النيران المشتعلة فى النسيج الوطنى حتى باتت الآن وكأنها غير قابلة للإخماد. هل تعرفون لماذا لن تكون فرشوط الأخيرة؟ لأن الدولة تعالج ملف الأزمة بطريقتها الأمنية البحتة، وإلقاء عبء المواجهة على الأمن الذى تفوق قدرته الأحداث وتتجاوز صلاحياته رغم قوته الباطشة ولكنها وحدها لا تكفى، فالأوضاع فى كل وقت مازالت قابلة للاشتعال لأن الألغام وأسباب انفجارها مازالت ساكنة فى الأعماق وتحتاج بالتالى إلى معالجة من نوع خاص بعيدا عن الأمن.. علاج ليس بالمسكنات وتبويس اللحى ورفع شعار «عاش الهلال مع الصليب»، وجلسات الصلح، وكل شىء تحت السيطرة، وتمام يا افندم والانحياز أحيانا لصالح جانب تحت ضغوط أو خوفا من استقواء بالخارج.. وتكون النتيجة مزيداً من الاحتقان وتجذير عدم الثقة وخلق وجدان طائفى مريض لا يهدد مجتمعا فقط بل يعصف بوطن بأكمله. فهل لا تدرك وتعى الدولة والحكومة الممثلة لها الخطر الداهم؟ فى عام 73 عندما وقعت أحداث الخانكة بسبب اعتراض مسلمين على إقامة شعائر دينية فى مقر نادى ثقافى قبطى، انتفضت مصر رغم عدم وقوع إصابات أو ضحايا، وتم احتواء الأمر، وعقد مجلس الشعب جلسة طارئة لمناقشة الحدث الطائفى الأول.. تشكلت لجنة على أعلى مستوى برئاسة الدكتور جمال العطيفى وكيل المجلس وقتها لتقصى الحقائق والوقوف على الأسباب ثم وضع التوصيات بسياسات لحلول جذرية تتناول جميع الأبعاد الاجتماعية والثقافية، وانتهت لجنة العطيفى إلى توصيات عشر تتعلق بالقوانين والقواعد والأعراف التى تنظم مسألة بناء الكنائس ودور العبادة ومناهج التعليم ووسائل الإعلام والثقافة. دعت اللجنة وتقريرها إلى تفعيل مواد الدستور لتنص على المساواة الكاملة فى الحقوق والواجبات بين المصريين بلا تمييز، وحذرت من عدم الأخذ بالتوصيات، ونبهت إلى خطورة إهمال التقرير وعدم تنفيذ ما به، وعبرت اللجنة فى استعراض التقرير عن مخاوفها من تفاقم تلك الأحداث مستقبلا فى حالة عدم التجاهل من الدولة. وحدث ما توقعته اللجنة، وأهملت الدولة وأجهزتها تقرير العطيفى ودفعت به إلى ظلمة الأدراج، وحدث ما حدث بعد ذلك، وكما توقعت لجنة العطيفى، كان كل حادث أشد وطأة من سابقه واتسعت رقعة الحوادث وزاد الاحتقان حتى إن الحوادث الفردية يتم تفسيرها بالمعنى الطائفى لها، لأن مناخ التطرف والطائفية هو المسيطر الآن ولا حل له أو مواجهته إلا بالرجوع من جديد إلى تقرير لجنة العطيفى الذى لابد من الإفراج عنه وتنفيذ ما جاء به بمشاركة جميع فعاليات المجتمع بأحزابه ومؤسساته المدنية والدينية ونخبته الوطنية. فالمطلوب هو الإفراج الآن عن تقرير العطيفى.