عندما قررت جماعة الإخوان بشكل مفاجئ الترشح للانتخابات الرئاسية ودفعت بخيرت الشاطر كمرشح أساسي والدكتور محمد مرسي كمرشح احتياطي أسرفت في الوعود الانتخابية، إلي حد أنها وعدت بتحويل مصر إلي جنة موعودة خلال 100 يوم من وصولهم إلي الحكم، كما وعدوا بالقضاء علي كافة الأزمات التي تواجه المجتمع. وبعد أن وصل الدكتور محمد مرسي إلي الرئاسة مدعوما بأصوات معظم القوي السياسية والثورية تنكر لكل وعوده واهتم بتنفيذ مشروع الجماعة السياسي وهو ما أدي إلي حالة إحباط عامة لدي الشعب المصري وتراجع علي كافة المستويات. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: لماذا شهدت مصر حالة تراجع عامة في كل المجالات بعد وصول الإخوان الي الحكم رغم أن الجماعة كان لديها مشروع إصلاحي لنهضة البلاد قدمته أثناء الحملة الانتخابية للرئيسي مرسي؟ الإجابة يطرحها الدكتور نادر فرجاني خبير التنمية البشرية قائلا إن هناك سببين لحالة التراجع العامة في مصر أولهما سبب عام وهو انه عقب الثورات التي تقوم بها الشعوب عادة ما تكون هناك فترة من الاضطرابات ولكنها سرعان ما تنتهي. وأشار إلي ان هناك أسباباً أخري للحالة المصرية بعد الثورة وهي أن سلطات الحكم الانتقالي أساءت إلي الثورة وأبقت علي النظام السابق ومن ثم فإن نظام الحكم مازال يفرز كل ألوان الظلم الاجتماعي وهذا ما قامت به كل سلطات الحكم الانتقالي بشكل لا يبشر بخير ومؤدي ذلك ان حققت مصر تراجعاً في كل المستويات. وقال إن هذا التراجع طبيعي بسبب الاضطرابات التي تحدث في مصر خاصة أن الفترة طالت ولا يوجد بدايات جادة علي الإطلاق لتحسين الأوضاع ونتيجة ذلك شعر الناس في الشارع بالتعاسة والكآبة والحزن. وأكد الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية أن حالة عدم الاستقرار السياسي وغياب الأمن تنعكس علي السلوك العام وهناك حالة خوف عامة من المستقبل وقطاعات كثيرة في المجتمع تأثرت بالثورة ولم يحدث فيها أي إصلاح ولا تقدم إلي الأمام في أي من المجالات. وأشار إلي أن بعد الثورات كلها يحدث تراجع، والثورة المصرية كانت لديها أهداف يطالب بها الثوار والشارع السياسي وفي الوقت نفسه فإن هناك بعض القوي التي تحاول تحقيق مصالح حزبية ولا تحقق أي تقدم وهو ما أدي إلي انتشار حالة من الإحباط والخوف والقلق من المستقبل. وقال إنه من الطبيعي بعد الثورات ان يحدث تراجع ولكن نظام الحكم الحالي لم يقدم ما يواجه به التراجع بل قدم الرعب والقلق للشارع ونشر الخوف بين الناس. وأشار إلى أن عجز النظام الحالي أحد أهم عوامل التراجع وجزء مهم من الأزمة أن النظام السابق والثورة المضادة متواجدان في المشهد بفضل أخطاء النظام الحاكم الذي لم يسع إلي احتواء كل القوي السياسية وزرع الفتنة والتقسيم وكانت نتيجة ما فعله حالة تراجع عامة خاصة انه ليس لديه أي حلول وأصبحت المؤشرات تشير إلي التخلف. وقال إن الشارع في انتظار تحسن الأوضاع ولكنه يفاجأ بتصريحات متشددة من الإسلاميين والجهاديين ساهمت في تفاقم الأوضاع الاقتصادية، حيث تسببت في هروب المستثمرين من مصر مما أدي إلي انتشار البطالة بشكل كبير. وأشار إلي ان فشل النظام في إدارة البلاد كان مقدمة لكل المؤشرات السلبية في كافة القطاعات وكل العوامل في مصر تؤدي إلي الإحباط ومصر الآن ليست دولة سعيدة بل أصبحت مكتئبة فعندما تغيب الحريات تغيب معها السعادة كما أن مصر الآن بلا حريات. وقال إن ضعف الإرادة الرئاسية أدي إلي غياب دور الدولة وانتشار حالة الفوضي وهناك قلق عام من المستقبل السياسي في البلاد. وأكد الدكتور سعد الدين إبراهيم رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية أن هناك حالة من الاكتئاب العام في البلاد بسبب أداء الإخوان في السلطة، وصاحب الأداء حالة من الإحباط بسبب سياسات الجماعة المخيبة للآمال فهم أسرفوا في الوعود الانتخابية ومن انتخبوهم لديهم شعور بالمسئولية عما يحدث لأنهم صدقوا الوعود التي أطلقتها الجماعة التي روجت علي أنهم جنود الله ولكن بعد وصولهم حدثت انتكاسة ولم يحققوا أي تقدم في أي مجال بل علي العكس حدث تراجع شديد. وقال إبراهيم إن أزمة مصر الآن أن الثورة خلقت توقعات مرتفعة جدا والإخوان حينما تقدموا للترشح للانتخابات اختطفوا الثورة ووصل بهم الحال إلي حد أنهم أسرفوا في الوعود بتأكيدهم أن مصر ستكون الجنة الموعودة ولكن حدث العكس وتحولت البلاد الي نكسة ويعاني الشعب من الإحباط العام الذي تطور الي عنف بدا واضحا في المظاهرات والاعتصامات. وأشار إلي أنه في مجال الواقع حدث تقدم في مجال وحيد وهو النقد السياسي وهناك ما يغفل عنه الإخوان حاليا وهو أن حاجز الخوف انكسر بلا رجعة وتسييس المصريين بأكثر مما حدث في أي فترة من التاريخ وأصبح الناس أكثر استعداداً للمشاركة في العمل العام. وقال الدكتور يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي ان التخبط وعدم الاستقرار وضعف النظام في إدارة شئون البلاد وغياب الوفاق بين القوي السياسية والإدارة الحاكمة أدي إلي التراجع العام في كل المستويات. وأشار إلي ان الثورة كانت مفاجئة وأحدثت نوعاً من الصدمة لدي الشارع وخللاً اجتماعياً تطور مع غياب دور الدولة إلي فوضي ومزيد من الانهيارات والانتكاسات في كافة المجالات. وقال إن حالة الحزن الموجودة في الشارع سببها أن سقف التوقعات كان مرتفعاً فلم يجد الشعب أي تطور فحدث اكتئاب عام وإحباط ومن كثرة التوقعات غالي الشعب في الآمال ولكنه أصيب بصدمة الفشل في الإدارة. وأكد أن الاكتئاب يحدث نوعاً من التراجع والانعزال وفقدان الحماس وهبوط العزيمة ومن الممكن ان يتطور الأمر الي مرحلة ما بعد الاكتئاب وهو اللامبالاة ويتطور بعد ذلك إلي فقدان الانتماء وهو أخطر ما يمكن أن يواجه المجتمع لأنه سيصيبه بتبلد كامل.