أحدث ابتكارات ماسك، خبير يكشف مفاجأة عن صفحات تدار من إسرائيل للوقيعة بين مصر والسعودية (فيديو)    باحثون يحذرون من تزايد خطر تعرض السيارات المتصلة بالإنترنت لعمليات القرصنة    وزارة البترول تتعاون مع جامعة مردوخ الأسترالية لتطوير قدرات كوادر التعدين المصرية    «الوزير» يترأس الوفد المصري في اجتماعات الجمعية العامة للمنظمة البحرية الدولية    آخر تطورات سعر جرام الذهب، عيار 21 وصل إلى هذا المستوى    الاحتلال الإسرائيلي يكثف عدوانه على طوباس ويحتجز أكثر من 70 فلسطينيًّا    هوس التصنيف الإرهابي للإخوان.. حدود الضرر    ليفربول يكشف تفاصيل إصابة إيكيتيكي خلال مواجهة أيندهوفن    آرتيتا: تفوقنا على أفضل فريق في أوروبا    اعترافات صادمة لسائق متهم باغتصاب وسرقة سيدة بالسلام: الحشيش السبب    ضبط المتهم بالتعدى على فتاة من ذوى الهمم بطوخ وحبسه 4 أيام    الليلة، افتتاح الدورة ال 18 من مهرجان سماع للإنشاد والموسيقى الروحية    عمر خيرت يوجه رسالة للجمهور بعد تعافيه من أزمته الصحية.. تعرف عليها    مصرع 11 عاملًا وإصابة آخرين بعد اصطدام قطار بمجموعة من عمال السكك الحديدية بالصين    عاجل.. وفاة مذيعة قناة الشمس بشكل مفاجئ    اغتيال المغنية دي لاروسا في "كمين مسلح" بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية    البنك الدولي يرفع توقعاته لنمو الاقتصاد التونسي إلى 6ر2% في 2025    قرش يقتل امرأة ويصيب رجلا بجروح خطيرة على الساحل الشرقي لأستراليا    أسوان على خطوط السكك الحديدية — دليل الرحلات اليومية إلى القاهرة والإسكندرية الاثنين 24 نوفمبر 2025    ارتفاع حصيلة ضحايا حريق هونج كونج إلى 44 قتيلا واعتقال 3 مشتبه بهم    اليوم.. انطلاق اختبارات شهر نوفمبر لصفوف النقل بجميع مدارس القاهرة    أسوان تشهد طقسًا خريفيًا معتدلًا اليوم الاثنين 24 نوفمبر 2025    جنة آثار التاريخ وكنوز النيل: معالم سياحية تأسر القلب في قلب الصعيد    ترامب: الولايات المتحدة لن تستسلم في مواجهة الإرهاب    ترامب: الهجوم على الحرس الوطني "عمل إرهابي" ويجب إعادة النظر في دخول الأفغان إلى أمريكا    محمد ياسين يكتب: يا وزير التربية    السيطرة على حريق شب في مقلب قمامة بالوايلي    عصام عطية يكتب: «دولة التلاوة».. صوت الخشوع    محافظ كفر الشيخ: مسار العائلة المقدسة يعكس عظمة التاريخ المصري وكنيسة العذراء تحتوي على مقتنيات نادرة    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 27نوفمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك    التموين تبدأ ضخ السلع بالمجمعات الاستهلاكية استعدادا لصرف مقررات الشهر    زكريا أبوحرام يكتب: أسئلة مشروعة    رسميًا خلال أيام.... صرف معاشات شهر ديسمبر 2025    المصل واللقاح: فيروس الإنفلونزا هذا العام من بين الأسوأ    علامات تؤكد أن طفلك يشبع من الرضاعة الطبيعية    اليوم، قطع الكهرباء عن عدة مناطق في 3 محافظات لمدة 5 ساعات    أوركسترا النور والأمل يواصل البروفات في اليونان    أستاذة آثار يونانية: الأبواب والنوافذ في مقابر الإسكندرية جسر بين الأحياء والأجداد    ضعف المناعة: أسبابه وتأثيراته وكيفية التعامل معه بطرق فعّالة    الحماية من الإنفلونزا الموسمية وطرق الوقاية الفعّالة مع انتشار الفيروس    مدارس النيل: زودنا مدارسنا بإشراف وكاميرات مراقبة متطورة    موعد أذان وصلاة الفجر اليوم الخميس 27نوفمبر2025.. ودعاء يستحب ترديده بعد ختم الصلاه.    برنامج ورش فنية وحرفية لشباب سيناء في الأسبوع الثقافي بالعريش    فيتينيا يقود باريس سان جيرمان لمهرجان أهداف أمام توتنهام    جمال الزهيري: حسام حسن أخطأ في مناقشة مستويات اللاعبين علانية    الرئيس السيسي: يجب إتمام انتخابات مجلس النواب بما يتماشى مع رغبة الشعب    إجراء مرتقب من رابطة التعليم المفتوح بعد حكم عودته بالشهادة الأكاديمية    ماذا قدمت منظومة التأمين الصحي الشامل خلال 6 سنوات؟    أتلتيكو مدريد يقتنص فوزا قاتلا أمام إنتر ميلان في دوري الأبطال    عبد الله جمال: أحمد عادل عبد المنعم بيشجعنى وبينصحنى.. والشناوى الأفضل    الكرملين: الدعوات لإقالة ويتكوف تهدف إلى عرقلة المسار السلمي في أوكرانيا    بسبب المصري.. بيراميدز يُعدّل موعد مرانه الأساسي استعدادًا لمواجهة باور ديناموز    ريال مدريد يكتسح أولمبياكوس برباعية في دوري أبطال أوروبا    خالد الجندي: ثلاثة أرباع من في القبور بسبب الحسد    السيسي يشهد اختبارات قبول الأكاديمية العسكرية المصرية والكليات العسكرية    جامعة المنيا تخصص 10 ملايين جنيه لدعم الطلاب عبر صندوق التكافل المركزي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف مكي يكتب :خواطر في التنوير وإخفاقات النهضة
نشر في الوفد يوم 26 - 03 - 2013

تطرح الأحداث العاصفة التي أخذت مكانها بالوطن العربي، في العامين المنصرمين، وبشكل خاص طغيان الحركات الأصولية المتطرفة، على ما يجري، مجدداً وبقوة قضية التنوير .
ذلك أن إخفاقات النهضة كما شخّصها المنظرون والمفكرون العرب، هي نتاج انقطاع فكر التنوير، وعدم الولوج إلى مرحلة الدولة المدنية .
توقع كثيرون، أن تؤدي الحركات الاحتجاجية، التي قادها شبان يافعون، في تونس ومصر وليبيا واليمن إلى الانتقال من الأوضاع السابقة، إلى حال جديدة تسود فيها الكرامة الإنسانية، ويتعرف فيها بحق البشر في تقرير مصائرهم . وكان المؤمل أن تؤدي هذه الحركات إلى انتقال سلمي ديمقراطي، بأشكال مفاهيم وأنساق عصرنا الكوني . لكن ذلك لم يحدث، بل رأينا نقيضه . رأينا عودة للأعلام السوداء، ترفع في الساحات الرئيسة، في تونس ومصر وليبيا . ورأينا جبهة النصرة، تقود عمليات التفجير بالمدن السورية، ليذهب ضحية أعمالها العشرات من المدنيين .
لماذا أخفق مشروع النهضة وتعطّلت مرحلة التنوير . وهل من أمل في استعادة نبضها، بشكل يتماهى مع حاجة الأمة، وتوقها في التحرر، وينسجم مع لغة العصر؟
ابتداء، فإننا لن نبتعد كثيراً عن جوهر مفهوم التنوير، حين نقرر أنه توق نحو المستقبل، ورفض للتشرنق في النزعات العرقية والسياسية والفئوية والمذهبية، والغلو والتعصب وهو تغليب للتسامح وقبول الآخر . وهو في النتيجة توجه إلى الأمام . وضمن مقولاته “إن البشر يولدون أحراراً، هم متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون” . ورغم أن جذور التنوير وجدت في معظم الحضارات بمدلولات مختلفة، تمثلت بدعوات التسامح الديني، وقبول قوانين التطور، واحترام الرأي الآخر، إلا أن استخداماتها المعاصرة، ارتبطت بعصر الأنوار الأوروبي وقيام الدولة الحديثة .
التنوير في أصوله، مفهوم وافد، ارتبط بعصر الأنوار الأوروبي، وبمرحلة التبشير بأفكار الثورتين الفرنسية والانجليزية . وقد اخترقت مرحلة التبشير هذه مختلف الأنشطة الفكرية والثقافية والإبداعية في أوروبا . وعبرت عن ذاتها في أشكال مختلفة، رمزية وسيريالية وتجريدية وواقعية، تبعاً لطبيعة المرحلة، ولمساحات الحرية المتاحة، وأيضاً بمستوى النمو الاجتماعي والسياسي، والمناخات التي سادت في حقبة الانتقال نحو الثورة الصناعية، وما سبقها من كشوف جغرافية . وخلالها شهدت القارة الأوروبية حركة واسعة للإصلاح الديني، قادها مارتن لوثر وجون كالفن .
أما التنوير العربي، فأخذ مكانه أثناء مقارعة السيطرة العثمانية . وجاء فكره في شكل مناداة بالوحدة وإزالة الفروق بين المذاهب الإسلامية، وتحرير العقل من الخرافات والأوهام، ودعم العقائد بالأدلة والبراهين، والتخلص من قيود التقليد وفتح أبواب الاجتهاد، ومناهضة الاستبداد .
أسهم عصر التنوير في انبعاث الوطنية الحديثة، التي ارتبطت بمنهجين . الأول، تغلغلت فيه الآراء الغربية في الوطن والحرية والدولة، وعبّر عن إعجاب بالتراث، وقرن ذلك بالفكر السياسي الحديث . أما النهج الآخر، فكان النهج العربي المتمثل في اليقظة العربية، الذي أكد أن العرب أمة واحدة لها خصائصها، وأن العربية هي الرابطة الأساسية، مشدداً على الصلة الوثيقة بين الإسلام والعروبة، ذاهباً إلى القول إن الإسلام قام وازدهر بهم، وإن السبيل لنهضتهم لن يتحقق إلا بعودتهم للعب الدور القيادي في مسيرة النهضة . وقد تطورت هذه الرؤية نظريةً وممارسةً مع البدايات الأولى للقرن العشرين، مسهمة في اندحار الهيمنة العثمانية، وبروز حركات التحرر الوطنية، التي رفعت شعاري الحرية والاستقلال .
تزامنت اليقظة العربية، مع انهيار الطبقة الرأسمالية المحلية، وغياب الطبقة المتوسطة بفعل الصعود الكاسح للاقتصاد الأوروبي، وتدمير الصناعات الحرفية في حوض المتوسط بسبب توافد المنتجات الأوروبية رخيصة السعر للأسواق المحلية، واكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، ما أدى إلى تراجع أهمية عدد من الموانئ العربية، التي كان لها دور في رفد اقتصادات مصر وبلاد الشام .
ولأن الأفكار لا تنتج من فراغ، بل هي في المبتدأ والخبر استجابة لواقع موضوعي، يمنحها المشروعية وصفة التقدم . فإن قوى التنوير تلقت ضربات عنيفة، كادت أن تودي بمشروعها . فقد صدمتها قوة شبكة العلاقات البطركية، وحدت من انطلاقتها . كما أنها، واجهت احتلالاً كان احتلالاً كولونيالياً . فشلت ثورة عرابي، وأجبرت الطبقة المتوسطة على توقيع اتفاقية عام ،1936 بين سعد زغلول والبريطانيين، وعجزت عن إيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ووقعت معاهدة بارتسموث بين العراق والبريطانيين في نهاية الأربعينات .
لم تتمكن قوى التنوير من مواصلة مهمتها التاريخية . فمن جهة شعرت، نتيجة لارتباطها العميق، بالثقافة التقليدية بخطر التغريب كمدمر لقيم حضارتها، ومن جهة أخرى غمرها شعور بالحاجة للتحديث . وهكذا حاولت المواءمة بينهما . وقد تمكنت من تحقيق بعض النجاحات، كبعث اللغة وتكييفها تكييفاً جديداً منسجماً مع متطلبات التجديد الثقافي والتقاني، وإيقاظ الروح النقدية .
يضاف إلى ذلك، إن اليقظة بما هي مشروع للنهوض، جاءت بعد انقطاع طويل لحضور الأمة، إثر اجتياح التتار العاصمة العباسية بغداد . بمعنى أنها لم تكن نتاج تراكم تاريخي . لقد كانت مشروعاً وافداً، وصدى واهناً لتحولات في مجتمعات أخرى، ونقلاً مشوهاً، لم يستوعب المحركات الذاتية، وينطلق من التربة الوطنية . فكان أداؤه وجهاً آخر للعجز عن المبادرة والإبداع، وضحالة الفكر .
وقفت مشاريع التنوير موقفاً مرتبكاً من مسألة الدولة المدنية، ووقعت أسيرة لحظة في التاريخ، فجاء خطابها مشحوناً بتوتراتها . ولذلك، التزمت بموقف سلبي من الدولة الوطنية، ولم تقدم جواباً شافياً لمفهوم الأمة . وكانت مواقفها مرتبكة، من عناصر النهضة، الحرية والعدالة . فبدلاً من ربطهما معاً في برنامج سياسي واحد، جرى تغليب أحدهما على الآخر، بل وضعا في بعض المراحل التاريخية، في حالة تعارض مع بعضهما بعضاً .
مكمن الداء إذاً، في هذا السياق، هو وضع عناصر النهضة، في مواجهة بعضها، ووضع المواطن بين خيارين، أحدهما يصادر حريته، والآخر يصادر الوطن والمواطن . يواجه الاستبداد بالتفتيت، ويقع كثير من المثقفين في حبائل التنظير الهادف لإضعاف الأمة . عنصر نهضوي في مواجهة عنصر نهضوي آخر، الحرية في مواجهة التنمية والعدالة . ويصبح مشروع التنوير ضحية انسداد تاريخي في الواقع العربي، عطل من تحقيق النهضة، وحال دون قيام الدولة المدنية . وكانت أحد أوجه فشله، هو استمرار هشاشة الهياكل الاجتماعية، وبقاء شبكة العلاقات القديمة على ما هي عليه .
نقلا عن صحيفة الخليج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.