لم يكن تأجيل الانتخابات التشريعية تبعاً لحكم المحكمة الإدارية إلا فرصة متاحة ينبغي البناء عليها من كل طرف من الأطراف وإذا كانت الصدفة أو الفرصة لا تأتي إلا لمن يستحقها فبالتأكيد أن البعض منا لا يستحقها إلا أن أغلب الشعب جدير بها. ولعل الوقت المتاح بين حكم المحكمة وإجراء انتخابات جديدة قد يمتد الى عدة شهور يتيح لنا إعادة تقييم موقف الحكم والمعارضة. مما لاشك فيه أن هناك عدم رغبة من السلطة الحاكمة في تقييم مطالب المعارضة هل هي مطالب خاصة بهم أم أنها مطالب تخص الشعب كله، ومما لا شك فيه أيضاً أن المعارضة وبخاصة جبهة الانقاذ الوطني وفي مفارقة مذهلة حزب النور السلفي قد قرر مطالب هي في صالح الشعب كله وفي صالح الوضع الديمقراطي المتعثر والحالة الاقتصادية المرتبكة والسياسية البائسة. إن مطالب المعارضة لم تخرج عن حكومة محايدة أو تغيير وزراء التنمية والحكم المحلى والداخلية والعدل وتصحيح الموقف الدستوري والقانوني للنائب العام بتقديمه الاستقالة وقيام مجلس القضاء الأعلى باختيار نائب عام طبقاً للدستور ومتطلبات السلطة القضائية حتى ولو كان هو نفسه مرة أخرى, وأن يكون قانون الانتخابات واضح المعالم بدلاً عن ذلك الذي تم طبخ دوائره بليل ولم يقم المجلس التشريعي المؤقت بإصلاح العوار فيه. إن رغبة السلطة الحاكمة في تنفيذ رؤيتها الأحادية بإنشاء نظام خاص بها هو في الحقيقة استنساخ للنظام السابق الذي بنى استراتيجيته على أن الشعب في خدمة النظام وها هو النظام الجديد بعد الثورة يقوم على نفس الاستراتيجية وهو أن الشعب في خدمة النظام أو الأحرى الجماعة. وحتى نكون منصفين للمعارضة فإن المشكلة الأساسية التى تصادفهم هي عدم وجود رغبة من السلطة الحاكمة للمعارضة من أساس وجودها فما بالك بالرغبة المفقودة لدى السلطة الحاكمة لطلب المساعدة من المعارضة كجزء من منظومة الحكم. القضية بالغة الأهمية حيث إن الهجوم على المعارضة يبدأ دائماً بمقولة وماذا لديكم لتقدمونه ولماذا ترفضون الحوار الإعلامي ويتم تصوير سيادتكم وخلاص ونحن ندري ماذا نريد أو نفعل؟ وحقيقة الأمر أن ذلك غير موجود تماماً. لقد أسدت المعارضة النصيحة للسلطة الحاكمة ولكنها لم تستجب إلا للحكم القضائي وكأن المعارضة ليست جزءاً من المنظومة الحاكمة. إن الوقت الراهن يستدعي القيام بما رفضته السلطة الحاكمة سابقاً وهو القيام بالخطوة الأولى نحو البناء السياسي السليم ألا وهو المصالحة الوطنية والاتفاق فعلاً وقولاً على أن الوطن يحتاج الجميع وهو الأمر الذي لا يزال غائباً عن ذهن السلطة الحاكمة وبح صوت المعارضة الوطنية في المناداة به! ولعل استجابة السلطة الحاكمة ولو قولاً وإعلامياً للقانون وسيادته يمثل بادرة أمل تبني عليه المعارضة الأوصال المقطوعة مع الأداء السياسي للسلطة ويجعل لديها البرهان على صدق نواياها وصحة رؤياها للموقف السياسي الراهن فإن الالتباس لدى الجميع من تداخل بعض المظاهر الديكتاتورية في الحياة السياسية قد يكون قيد التجمد أو الاستبعاد حتى تستطيع المنظومة الحاكمة (السلطة + المعارضة) الخروج من المأزق الاقتصادي والاجتماعي المتردي. إن الوقت المتاح قليل قبل أن تتأزم الأمور أكثر مما هي عليه وحتى تكون الحلول المطروحة بأقل الخسائر الممكنة وأكثر الفوائد المرجوة وعلى ذلك فإن تلك الرغبة المفقودة لدى السلطة الحاكمة للطلب الحقيقي للمساعدة المنشودة من المعارضة في حل لوغاريتمات السياسة المصرية لابد أن تكون رغبة حقيقية وليس مجرد حوار وطني أدرك الجميع أنه لا حوار ولا وطني ولا يحزنون وإنما استهلاك إعلامي لتبييض صورة سوداء لا ينفع معها الإصرار على أنها أصبحت بيضاء بجلوس البعض مع السلطة الحاكمة حول مائدة يدعي البعض أنها مائدة حوار. حتى تقوم السلطة بعمل الصواب وهو حكومة محايدة وتغيير قانون الانتخابات التشريعية ودوائره والنائب العام وموقفه الدستوري والقانوني والأخلاقي سيظل لدي البعض هذا الشك بأن السلطة الحاكمة لديها رغبة مفقودة للمساعدة المنشودة من المعارضة. وفق الله مصر وشعبها ومن يقومون على إدارة شئونها لما فيه الخير والرشاد. يحيا الشعب المصري حراً كريماً. استشاري جراحة التجميل