ما حدث في الغربية مؤخراً من إقامة حد الحرابة علي ثلاثة بلطجية بعيداً عن الدولة ومن خلف ظهر القانون، لا ينبغي أن يفرحنا ويسعدنا.. فهو ليس مقدمة لتطبيق الشريعة الإسلامية كما يدعي البعض، بل أمر مخالف لمبادئ شريعتنا السمحة، التي ترفض التمثيل بالجثث وإعمال قانون الغاب، ولا تجيز لأحد بأن ينصب نفسه حكماً وقاضياً وينفذ حداً من حدود الله، دون الرجوع إلي ولي الأمر وهو السلطة أو الدولة. فتغيير المنكر باليد لا ينبغي أن يقترن بسحل المسلمين وصلبهم وتعليقهم من أرجلهم علي قارعة الطريق كما حدث في محلة زياد بسمنود ولا يجب أن يأتي بمفسدة أو إراقة دماء كما وقع قبل أيام في شبرا علي يد حركة أو جماعة «حازمون». فإن أصبح كل منا يأخذ حقه بيده سنتحول جميعا إلي مجرمين ومفسدين في الأرض، ويطبق علينا حد الحرابة، ولذا من المفترض أن تتحرك فوراً أجهزة الداخلية وتهتم أكثر بالأمن الوقائي لضمان عدم تكرار مثل هذه الأفعال، والوصول إلي المجرم قبل أن تصل إليه مثل هذه الجماعات المتطرفة، التي تستغل غياب الأمن في تحقيق أهدافها. فترك نفر أو جماعة أو لجنة يمارسون دوراً ما خارج القانون يعني انهيار الدولة، وهو ما سبق أن حذرت منه منذ أن بدأت تيارات الإسلام السياسي تردد نغمة «اللجان الشعبية» و«الشرطة البديلة» بهدف كسر هيبة وشوكة الشرطة وإجبارها علي الخضوع لإملاءات قيادات الإخوان وتنفيذ مخطط قمع المتظاهرين وإغلاق ميادين الحرية في محافظات مصر. ويؤسفني القول بأن بعض أجهزة الدولة كوزارة الداخلية والنيابة العامة ساهمت في شيوع هذه «الفوضي المنظمة»، بما أعلنته من تصريحات وأصدرته من بيانات تحرض هذه الجماعات علي النزول إلي الشارع، فلم يكن بيان النائب العام، المستشار طلعت عبدالله وإخراجه المادة 37 من قانون الإجراءات الجنائية من مخزن المهملات سوي رخصة رسمية لكل مواطن أن يأخذ حقه بذراعه من كل مجرم أو بلطجي، ولم تكن تصريحات اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية المرتبك والمرتعش واعترافه علي الملأ بعجزه عن مواجهة البلطجية، ومطالبته المواطنين بأن يحموا أنفسهم بأنفسهم سوي إعلان آخر يؤكد وفاة الشرطة رسميا، ممهداً الطريق أمام تقدم ميليشيات الإسلام السياسي وفصائله (الإخوان والسلفيين والجهاديين) لأن تشبع شهوتها في السيطرة وسط الفراغ الأمني الذي يهدد عرش مرسي وعشيرته، لنجني ما زرعناه من كره لرجال الشرطة، الذين يعملون في ظروف بالغة الصعوبة والحساسية، وينطق لسان حالهم الآن: «أشربوا.. واركعوا.. فلن تظلموا إلا أنفسكم». ويبدو أن مصر ستعود إلي الخلف 80 عاما وأكثر لتعيش عصر «الفتوة» مجدداً، وستخضع شوارعنا لسلطة «النبوت» الذي كان يتباهي به في ثلاثينات القرن الماضي إبراهيم كروم، فتوة بولاق، وإبراهيم الشامي، فتوة عماد الدين، وسيتنافس أبناء «حازمون» وأنصار جمال صابر لانتزاع الشهرة التي كان يحظي بها الفتوة، عاشور الناجي وحرافيش نجيب محفوظ. إن كل مصري الآن يشعر بالخوف علي نفسه وأسرته وعرضه وممتلكاته، بعد أن رأي البلطجية والفتوات يحكمون الشوارع، وشاهد بأم عينيه ولأول مرة في التاريخ الشرطة، وهي الحارس الأول علي أمنه تضرب عن العمل احتجاجاً علي وزير يسخرهم لخدمة الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين.. ولا سبيل لإعادة الأمن لشوارع المحروسة إلا بإقالة الوزير الحالي، وإعادة الثقة في رجال الشرطة. انتبهوا أيها المصريون ولا تجعلوا الكلمة العليا للمجرمين وللجماعات واللجان الخارجة علي القانون، ومن يريدون تقنين أوضاعهم خلف ستار «الشرطة البديلة»، وإن كانت هناك حالات شاذة لرجال الأمن تبقي فردية لضباط وأفراد أجبروا علي ممارسات بعينها.. وتذكروا ان من بين رجال الشرطة كثيرين مازالوا يدافعون عن الثورة ويقفون في صفوفها وآخرين استشهدوا في سبيل حماية الشعب وتراب الوطن، وهم أمواتا وأحياء أفضل من هؤلاء المصابين بهوس حكم مصر، وهي أكبر من ميليشياتهم ولجانهم الشعبية وشرطتهم البديلة المزعومة.. حماك الله أرض الكنانة.. والثورات.. مصر.