الذى تابع الإضراب الذى قام به ضباط وأمناء وأفراد الشرطة خلال الأيام الماضية، يعلم تماما أنهم أضربوا لسببين رئيسيين، الأول: عدم تحميلهم مسئولية الأخطاء السياسية، والثاني: تسليحهم بقوانين وأسلحة تعينهم على مواجهة الخارجين على القانون، وقد استمعنا لتصريحات بعض الضباط فى هذا السياق بالقنوات الفضائية، وساندناهم فى مطلبهم لمشروعيته، لكن الذى يتأمل جيدا الإضرابات الشرطية، خاصة فى قطاع الأمن المركزى الذى يتحمل العبء الأكبر من المشاكل السياسية بالبلاد، يتضح له أن المجندين لا حول لهم ولا قوة، وأن جميع المطالب المعلنة وغير المعلنة هى لضباط ولأمناء، مع أن المجندين هم الذين يتحملون العبء الحقيقى للمواجهات السياسية، فهم الذين يتم سبهم ورميهم بالحجارة، وهم الذين يصابون ويستشهدون، كما أنهم هم الذين يقفون طوال اليوم يحملون الدرع والعصا متأهبين للتصدى، وهم الذين ينامون من التعب خلال دقائق الهدنة فى الشوارع، هؤلاء المجندون الذين أتوا بهم من الأرياف أليست لهم بعض الحقوق؟، ما هى تسعيرة الذى يصاب ويعجز منهم؟، ما هى تسعيرته عندما يستشهد بحجارة أو بخرطوش أو برصاصة أو مخنوقا بالغاز؟ منذ عدة شهور تلقيت رسالة من أحد هؤلاء المجندين وقد تأثرت بها لدرجة البكاء، وقد نشرتها هنا، واليوم ونحن نرى الضباط والأمناء يتقدمون بمطالبهم المشروعة، نرى أنه من واجبنا أن نطالب الحكومة ووزير الداخلية ألا ينسوا هؤلاء المجندين، لهذا أظن أنه من الواجب أن أعيد نشر أجزاء من رسالة المجند: «أستاذ علاء عريبى.. تحية طيبة، أنا مجند فى الأمن المركزى، عسكرى من عشرات العساكر الذين تراهم يرتدون الخوذة ويمسكون بعصا ودرع، قبل الثورة كان يقف طوال النهار فى تشريفة رئيس الجمهورية أو احد ضيوف البلاد، فى طابور كبير بالاستاد وخارجه يؤمن مباريات كرة القدم، وأنا أيضا الذى يقف طوال النهار فى البرد والحر بإشارة المرور، أنا الذى تراه يوميا بعد الثورة يلبس الخوذة ويمسك الدرع ويقف لكى يحمى المنشآت الحكومية، أنا الذى يقوم المتظاهرون يوميا بسبى بأمى وأبى، أنا الذى أضرب يوميا فى الميادين والشوارع بالحجارة والشوم والخرطوش، أنا الذى أشم الغاز مثلكم ولا أجد من ينقذنى أو يسعفنى بكمامة أو شربة ماء، أنا الذى أستيقظ فى الفجر أجر ساقى وارفع يدى بالقوة لكى ارتدى ملابسى العسكرية وأحمل درعى وخوذتى، أنا الذى يقومون بشحنى بالعشرات فى عربة سيئة التهوية، أنا الذى يقف طوال النهار أمام الاتحادية أو فى محمد محمود أو قصر العينى أو القائد إبراهيم أو بجوار ميدان الأربعين أو ميدان الشون أو غيرها من الشوارع والميادين، أقف مستعدا فى حالة انتباه مطيعا للأوامر بدون طعام أو شراب، أنا الذى أسمع الهتافات والشتائم طوال النهار، هل تذكرتني؟. أكتب لك اليوم لكى أخبرك أننى كنت ضمن الذين وقفوا لحماية العديد من المنشآت، كالعادة كنا نرتدى الخوذة ونمسك بالدرع والعصا، وكالعادة أيضا تلقيت العديد من الضربات بالشوم والحجارة وسالت دمائى على الاسفلت ولم ينتبه لى احد، ولم يسعفنى أحد بمطهر أو شاش، ولم يتأثر أحد لوجعى واستغاثتي، ولم يخرج بعض الساسة أو الكتاب يتألمون لى أو حتى يمسحوا على كتفى بكلمتين، أضرب وأسحل وأصاب وأموت يوميا، فيهلل ضاربى وقاتلى ويعلن هو ورفاقه علامة النصر، وأنا يسندنى زميلى إلى رصيف مجاور حتى تحملنى سيارة الإسعاف. كثيرا ما أشتم وأهان وأضرب وأسحل وأصاب وتمزق ملابسى وأعود أجرجر آلامى وجروحى إلى المعسكر لكى أنام ساعة قبل أن أشحن فى اليوم التالى بسيارات كالزنازين إلى موقع مظاهرات آخر اضرب واشتم وأسحل وأشم الغاز، تعرف أنا وزملائى ندعو الله كل لحظة أن نعود بدون إصابات، ندعوه ان يكون الضرب خفيفا علينا، أن يحمينا من الحجارة التى تتساقط فوق رؤوسنا، صدقنى إذا قلت لك أننا جميعا لنا أسر مثلكم تماما، نعم لى أب وأم وأشقاء، صحيح أنا لم أتعلم مثلكم، لكننى أعرف جيدا أننى لم أذهب للمدرسة لأننا فقراء لا نمتلك ثمن الكراسة والقلم والمريلة والجلاد، أنا كان نفسى أتعلم وأخد شهادة كبيرة لكن كان يجب ان أذهب للغيط مع والدى لكى نوفر قوت يومنا يا أستاذ علاء.. أنتم كسياسيين وكتاب وإعلاميين وصحفيين منقسمون لأحزاب وتيارات وتختلفون فيما بينكم على كيفية إدارة البلاد: الدستور، والبرلمان، ونظام الحكم، وعندما تتصاعد خلافاتكم تحشدون الشباب والمواطنين للنزول للشوارع والميادين، أما أنا وزملائى من المجندين أو عساكر الأمن المركزى فليس لنا من الأمر شىء ولا نفهم حتى ما تقولون، وكل ما نحلم به أن ننهى خدمتنا على خير بدون اصابات تعجزنا ونعود لأسرنا سالمين، رجاء كل ما أطلبه منك أن تسأل المتظاهرين: لماذا تصرون على أهانتنا وإيذئنا.. لماذا ترفعون علامة النصر عندما يسقط احدنا فى دمائه؟. التوقيع: عسكرى أمن مركزى».