«مجند الأمن المركزى» ليس سوى مواطن مصرى بسيط لا يعرف القراءة أو الكتابة فى أغلب الأحيان يعيش منذ التحاقه بالداخلية قصة طويلة من الإذلال والقهر المتعمد حيث يتم التعامل معه بوصفه آلة جامدة ليس عليها سوى أن تطيع الأوامر دون مناقشة أو تفكير فيما يرى فيه المعارضون دوما هدفا مشروعا باعتباره أداة السلطة للبطش بهم عبر عنه الفنان أحمد زكى بشكل واضح فى فيلم البرىء. تكرر مشهد احتراق مجند الأمن المركزى بقنابل المولوتوف التى يقوم متظاهرون أو مجهولون بإلقائها عليه خلال الاشتباكات التى تنشب بين الأمن والمتظاهرين خلال العامين الماضيين فى تعبير واضح عن الخطر الكبير الذى يحيط بهؤلاء الجنود خلال العمل على خط النار كما قام المتظاهرون خلال الفترة الماضية باعتقال أكثر من مجند أمن مركزى تعرضوا للتعذيب والضرب قبل أن يتم إطلاق سراحهم وذلك عقب الدفع بهم إلى معركة لا يعرفون عنها فى كثير من الأحيان شيئا. وفى حالات أخرى فقد جنود أمن مركزى حياتهم فى ظروف غامضة فيما اتهمت أسرهم الضباط المسؤولين عنهم بقتلهم عقب إطلاق النار عليهم بسبب الضغوط غير المسبوقة للعمل. نعيش فى سجن كبير لثلاث سنوات كاملة هكذا وصف أحد مجندى الأمن المركزى حكايته مع فترة خدمته والتى يصفها بأيام وليال من المعاناة الدائمة والتى يولد للحياة من يقوم بإنهائها بسلام. بخلفية متوارثة منذ عشرات السنين ينظر الضباط والقادة لمجندى الأمن المركزى ولهذا يتعرض المجند للسب وربما الضرب من قادته ليل نهار كما يتم توجيه الأوامر إليه بغلظة وقسوة دائمة وعلى الدوام يضطر هذا المجند إلى أن يسمع خوفا من أن يتم عقابه بتهمة مخالفة الأوامر. داخل المعسكرات يعيش مجندو الأمن المركزى أوضاعا بالغة الصعوبة حيث يتناولون عينات محدودة من الأطعمة كما أنهم لا يستطيعون فى ظل الأحداث المتلاحقة التى تشهدها البلاد النوم سوى لساعات محدودة وهو ما يتسبب فى إصابتهم بنوبات من الإرهاق غير المسبوق التى تتسبب بين الحين والآخر فى إصابة عدد منهم بنوبات من الإغماء. مواطن مصرى أرهقته الحياة والقدر اختاره ليعيش 3 سنوات داخل عملية نظامية معقدة تم تحويله فيها ليكون «جندى أمن مركزى»، ليدخل فى نفق «المعاناة» المظلم ودائما ما يكون فى الصفوف الأمامية فى المظاهرات وفى أعمال الشرطة فى اقتحام الأوكار وضبط المتهمين والبلطجية. مجند الأمن المركزى هو عكس ما يراه المواطنون حيث إنهم يظنونه الخارق الذى سينهى حياتهم فينهالون عليه بالحجارة وزجاجات المولوتوف لكنه فى قرارة نفسه يلعن الظروف التى جعلته يقف وجهاً لوجه مع شقيقه يتبادلان قذف الحجارة وهو مغلوب على أمره، حيث أنه لا يستطيع عصيان أوامر قادته الذين لا ينادونهم سوى بلفظ «باشا»، وطالما أصدر البشوات أوامرهم لا مفر للجندى سوى التنفيذ حيث يلبى الأمر على الفور طائعا ذليلا، وهو مضطر للانتهاء من هذا الأمر على خير ليعود لمنزله ويرتاح من هذه الأوضاع المهينة. يوم المجند يبدأ بالاستيقاظ فى السادسة صباحا ثم تناول الإفطار، وهو عبارة عن خبز وفول وقطعة جبن، ثم الذهاب للحصول على الدرع والخوذة والعصا ثم ركوب اللورى والذهاب لفض اعتصام أو تأمين مقر بدون علم المجندين بالوجهة التى يذهبون إليها، ولا يحصل جنود الأمن المركزى بحسب تقارير حقوقية، على إجازات إلا لمدد قليلة وعلى فترات متباعدة وهم يتعرضون إلى تدريبات شاقة ويتعامل معهم الضباط كأنهم آلات صماء، ومن بين أساليب تدريبهم إجبارهم على الوقوف ثمانى ساعات لا يتحركون خلالها ولو لقضاء الحاجة فضلاً عن شحنهم ضد أى مشاعر إنسانية. المعاناة الكبيرة لمجندى الأمن المركزى دفعت أحدهم للتقدم بشكوى شهيرة للنائب العام حملت رقم 12284عرائض النائب العام قال فيها: «العسكرى بيسحف خلف الضابط مثل الكلب، أنا فى خدمة الوطن ومحدش يظلمنى وعايز حقى» وقال المجند «م.أ.ر» بقطاع الأمن المركزى 74 بمحافظة سوهاج، أن معاناته بدأت بعد قيامه بالاستئذان من الشاويش للذهاب لقضاء حاجتهم والذى سمح لهم بذلك، وعندما جاء الملازم «أحمد.ع» قام بالتعدى عليهم بالضرب والسب أمام الجميع، وأمر بتدويرهم «إحالتهم» إلى الكتيبة المختصة بهم فى القطاع بقيادة المقدم «م.س» الذى قام أيضًا بالتعدى عليهم بالضرب والسب وحبسهم 4 أيام، وبعد عرضهم على قائد القطاع «إ.ا» قال لهم: أنتم ليكم حق ولكن الأمر خرج من يدى، وتمت إحالتهم إلى المحكمة العسكرية. كما أكد المجند فى شكواه، أن أحد المجندين ويدعى «الأسيوطى» طلب عدم النزول إلى الطابور بسبب قيامه بإجراء عملية جراحية إلا أن أمين الشرطة قال له: انزل موت فى الطابور، مشيرًا إلى أنه حدث له نزيف عقب نزوله ولم تتم السيطرة عليه، مما تسبب فى وفاته. وفى الخارج نجد الإهمال الكبير لمجندى الأمن المركزى بدا واضحا خلال الأشهر الماضية حيث لقى عدد كبير منهم حتفهم فى سلسلة من مسلسل انقلاب السيارات التى تقلهم دون أن يتحرك أحد للتحقيق فى الأمر. ففى 8 يوليو انقلبت عربة أمن مركزى على طريق قنا وقتل وأصيب خمسة مجندين، وفى 20 يوليو انقلبت عربة أخرى فى طريق الإسماعيلية وأصيب مجندان وفى 13 أغسطس انقلبت عربة أمن مركزى على أحد الطرق الفرعية بالمنيا وأصيب مجندان أيضا. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد ففى 8 أكتوبر وقع أكبر حادث مروع لقتل جنود الأمن المركزى عندما انقلبت عربة لورى على الحدود الشرقية لمصر واستشهد 22 مجند أمن مركزى وأصيب 26 مجندا آخرون وبعدها بأيام وفى 13 أكتوبر انقلبت سيارة امن مركزى فى المنطقة الأثرية بالهرم وأصيب 12 مجندا. وتواصل المسلسل بعد هذا ففى أول نوفمبر 2012 وقع تصادم بين عربة نقل مجندين أمن مركزى ومقطورة وأصيب مجندان ثم انقلبت سيارة أمن مركزى فى 9 نوفمبر على طريق القاهرةالفيوم وأصيب 18 مجندا، وبعدها بأيام وفى 12 نوفمبر انقلبت عربة نقل جنود أمن مركزى على طريق السويس-القاهرة وأصيب ضابط وأربعة مجندين، وفى 17 نوفمبر انقلبت عربة أمن مركزى على طريق العريش القنطرة وأصيب 15 مجندا ثم فى 25 نوفمبر وعلى الطريق الساحلى بمنطقة غرب الإسكندرية انقلبت عربة أخرى وأصيب قائدها، وفى شمال سيناء انقلبت عربة أمن مركزى فى 7 ديسمبر وأصيب 8 مجندين وفى 26 ديسمبر انقلبت عربة أمن مركزى بمنطقة الأهرام. وفى 10 يناير الماضى انقلبت سيارة أمن مركزى على طريق سفاجا- قنا حيث أصيب ضابط وثلاثة جنود، ليتواصل مسلسل قتل جنود الأمن المركزى والذى بلغ أشده عقب حادث قطار البدرشين والذى قتل فيه 19 مجندا وأصيب أكثر من مائة أخرين.