حادث قطار البدرشين الذى راح ضحيته العشرات من أولادنا المجندين بالأمن المركزى لم يكن الأول ولن يكون الأخير، فقد سبق ووقعت العشرات من الحوادث وراح خلالها العشرات من الضحايا من الشهداء والمصابين، وأغلب هذا الحوادث وقعت بسبب الإهمال وعدم احترام آدمية هؤلاء الجنود، والذى يعود إلى أرشيف الصحف خلال الشهور البسيطة الماضية سيكتشف أن الذين ماتوا وأصيبوا من هؤلاء الجنود فى السيارات الخاصة بنقلهم الكثير، أقربها الأسبوع الماضى عندما انقلبت سيارة شرطة وأصيب فى الحادث العديد، وكان أبشعها سيارة الشرطة التى انقلبت بهم فى واد بعمق 70 مترا فى وسط سيناء، متى سنحترم آدمية أولادنا الجنود؟، متى سنتعامل معهم باحترام؟، الله اعلم، لهذا لا يسعنى فى هذه الكارثة سوى ان أعيد نشر الخطاب الذى وصلنى من أحد اولادنا جنود الأمن المركزى، والتى طالب فيه أن نتعامل معهم بشكل آدمى أكثر مما نعاملهم: أستاذ علاء عريبى.. تحية طيبة، أنا مجند فى الأمن المركزى، عسكرى من عشرات العساكر الذين تراهم يرتدون الخوذة ويمسكون بعصا ودرع، أنا من العساكر الذين تراهم قبل الثورة يقفون طوال النهار فى تشريفة رئيس الجمهورية أو أحد ضيوف البلاد، وتراه يقف في الاستاد يؤمن مباريات كرة القدم، وأنا أيضا الذي يقف طوال النهار فى البرد والحر بإشارة المرور، أنا الذي تراه يوميا بعد الثورة يلبس الخوذة ويمسك الدرع ويقف لكى يحمى المنشآت الحكومية، أنا الذى يقوم المتظاهرون يوميا بسبي بأمي وأبى، أنا الذي أضرب يوميا فى الميادين والشوارع بالحجارة والشوم والخرطوش، أنا الذي أشم الغاز مثلكم ولا أجد من ينقذني أو يسعفني بكمامة أو شربة ماء، أنا الذي أستيقظ فى الفجر، أرتدى ملابسي العسكرية وأحمل درعى وخوذتى، أنا الذي يقومون بشحنى بالعشرات فى عربة سيئة التهوية، أنا الذي يقف طوال النهار أمام الاتحادية أو فى محمد محمود أو قصر العيني أو القائد إبراهيم أو بجوار ميدان الأربعين أو ميدان الشون أو غيرها من الشوارع والميادين، أقف مستعدا فى حالة انتباه مطيعا للأوامر بدون طعام أو شراب، أنا الذى أسمع الهتافات والشتائم طوال النهار، هل تذكرتني؟، أظن أنك وغيرك فى مصر تعرفوني جيدا، أكتب لك اليوم لكى أخبرك بأنني كنت ضمن الذين وقفوا لحماية مقر الوفد، كالعادة كنا نرتدي الخوذة ونمسك بالدرع والعصا، وكالعادة أيضا تلقيت العديد من الضربات بالشوم والحجارة وسالت دمائي على الأسفلت ولم ينتبه لى احد، ولم يسعفني أحد بمطهر أو شاش، ولم يتأثر أحد لوجعي واستغاثتي، وعندما هرب الجناة لم يتذكرنا أحد، أظن أنكم شكرتم القيادات أو انتقدتم أداء الشرطة، وأنا عدت بدماء وإصاباتى وآلامي وملابسي الممزقة إلى وحدتي، استسلمت للنوم وفى الفجر استيقظت وارتديت ملابسي وخوذتي وأمسكت بعصاي ودرعي وشحنت في سيارة مغلقة سيئة التهوية مع العشرات مثل البهائم، وعندما توقفت السيارة أمرنا الضابط بالنزول، ووجدنا أنفسنا نصطف مرة أخري أمام إحدى المنشآت في مواجهة بعض المتظاهرين: يسبوننا بالأم والأب ويرموننا بالحجارة ويضربوننا بالشوم.. لماذا؟، لماذا يتعمدون إهانتنا وضربنا وسبنا؟، لماذا تسخرون وتتأففون منا ؟، لماذا تروننا مثل الحيوانات؟.. أستاذ علاء..أنا لى أسرة كادحة مثل سائر الأسر، ولى أشقاء تعلموا ويحملون شهادات متوسطة وجامعية، وأنا كنت أعمل مع والدي في الأرض، نستيقظ في الصباح نجتمع على وجبة الإفطار بعدها نحمل أدواتنا ونجر بهائمنا ونذهب للغيط، نعمل طوال النهار وفى المغرب نجمع أدواتنا ونجر بهائمنا ونعود للدار، نغتسل ونبدل ملابسنا ونجتمع على العشاء، وكنا مثلكم تماما نجلس بعد العشاء نحكى ونضحك أو نشاهد برامج التلفزيون، عندما بلغت سن التجنيد تركت أسرتي وذهبت لكى أخدم وطنى وهناك تم توزيعى على الأمن المركزي.. ما الذنب الذي اقترفته لكى أهان كل هذه الإهانة؟، تقول: لأنني أضرب المتظاهرين، نحن نتصدى للضرب ونحمى أنفسنا، نرد الضرب بضرب مماثل، كما أننا ننفذ تعليمات قياداتنا، وكذلك نقف لحماية المنشآت ونمنع المتظاهرين من الوصول إليها وتخريبها. يا أستاذ علاء .. أنتم كسياسيين وكتاب وإعلاميين وصحفيين منقسمون لأحزاب وتيارات وتختلفون فيما بينكم على كيفية إدارة البلاد، الدستور، والبرلمان، ونظام الحكم، وعندما تتصاعد خلافاتكم تحشدون الشباب والمواطنين للنزول للشوارع والميادين، أما أنا وزملائى من المجندين أو عساكر الأمن المركزي فليس لنا فى الأمر شئ ولا نفهم حتى ما تقولون، وكل ما نحلم به أن ننهى خدمتنا على خير بدون إصابات تعجزنا ونعود لأسرنا ودورنا لكى نعمل ونتزوج، يا أستاذ علاء أنتم لا تعلمون أن بعضنا يعمل فى عمالة التراحيل، وبعضنا يقف فى الميادين لكى يجد عملا ليوم أو ليومين، أو بعضنا يعمل فى أرض والده، نحن بالكاد نوفر قوت يومنا، رجاء كل ما أطلبه منك أن تعمل على ان يصل صوتنا هذا للقراء للمثقفين والمتعلمين والنخب السياسية، قل لهم: لماذا تهينوننا وتضربوننا؟... التوقيع: عسكرى أمن مركزى».