قبل فترة كتبت عن أوجه الشبه بين الحكم فى سلطنة بورينجا وجمهورية مصر العربية بعد قيام الثورة، وللأسف الأحداث التى تشهدها البلاد من اضراب ضباط وأمناء وجنود الشرطة والاشتباكات فى بورسعيد، وتفكير الجماعات الإسلامية فى القيام بوظيفة الداخلية، ودعوة البعض إلى تشكيل لجان شعبية إسلامية للتصدى للمتظاهرين، وغيرها من الأحداث تجعلنا نعيد المقارنة مرة أخرى بين بورينجا ومصر، وسلطنة بورينجا للذين لا يعرفونها ليست لها مساحة على الخريطة، حدودها تجدها فى فيلم صاحب الجلالة بطولة فريد شوقى، وفؤاد المهندس وسميرة أحمد، وحسن فايق وأحمد الحداد، نظام الحكم فيها سلطانى، يحكمها سلطان بعمة كبيرة، هذا السلطان يحظى بكراهية كبيرة من أغلبية شعبه فى السلطنة، هذه الكراهية دفعت بعض معارضيه إلى محاولة التخلص منه، ومن يدقق جيدا فى شخصية السلطان مارينجوس الأول يكتشف أنه يستغل الشريعة الإسلامية فى الحكم، وأنه يسخر الشريعة ويطوعها حسب رغباته وأهوائه واحتياجاته، وأن الخطاب الدينى الذى يعمل به فى بورينجا قريب جدا من فقه الغلمان، تغلب عليه الرؤية الجنسية، ويتضح هذا فى طابور النساء الذى شحنه معه من سلطنة بورينجا إلى القاهرة، تحت عنوان الزوجات وما ملكت يداه والمحظيات، ومن كثرتهن لا يحفظ أسماءهن، ويتعرف عليهن فقط من خلال الترقيم. لمارينجوس الأول ياور اسمه عسكرانى «الفنان فؤاد المهندس» كان يقوم على تصريف شئونه وتلبية رغباته وتنفيذ قراراته، وكانت لعسكرانى جملة شهيرة وطريفة ينطقها كلما ذكر اسم مارينجوس الأول هى: طويل العمر.. يطول عمره ويزهزه عصره.. وينصره علي من يعاديه.. هاى هيت»، وهذه الجملة توضح حجم ديكتاتورية مارينجوس وقسوته على الرعية وعلى الذين يخدمونه ويساعدونه فى إدارة البلاد، حيث إن الجملة المصحوبة بالدعاء له وصب اللعنة على من يعاديه تعد جزءا من إدارته للبلاد، وجزءا من الصورة التى حفرها فى ذهنية مواطنى سلطنة بورينجا، حيث يتضح منها أنها أقرب للمقدس أو المعصوم الذى يخرج عنه فهو بالضرورة يخالف الشريعة وكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وبالتالي فهو كافر أو ملحد أو زنديق أو فاسق، والمسمى حسب درجة ونوعية عمله واعتراضه. ونستشف كذلك من المشاهد التى جمعته بالحريم الخاصة به، أن لدولته فقهاء متخصصين فى إنتاج فتاوى تشبع رغباته واحتياجاته وتقنن لقراراته، وهم فقهاء أو مشايخ فقه الغلمان، ويتضح من المشاهد أن أهم ملامح هذا الفقه أن صوت المرأة عورة، وأن النقاب فرض، وأن المرأة مكانها البيت تمتع الزوج وتنجب الأطفال وترضعهم، وهو ما يعنى تزويجها وهى طفلة أو عندما تطيق النكاح، ويعنى أن تعليمها سينتهى على فك الخط وحفظ جدول الضرب، ويعنى أنه لا مجال لها فى عمل أو مشاركة فى نظام الحكم، ويتضح كذلك غياب أتباع الديانات الأخرى عن المشاركة السياسية فى حكم مارينجوس الأول، وأن مشايخ الغلمان أبعدوا تماما عن الساحة أهل الكتاب ربما لأنهم كفرة أو لأنهم أهل ذمة، فلا ولاية لكافر أو ذمي على مسلم، ناهيك عن المخالفين له سياسيا. ونلحظ أيضا من مشاهد الفيلم أن مارينجوس الأول اختار النظام السلطانى لحكم مارينجا لأنه يعتمد على الأسرة والعشيرة، وهذا النظام الأسرى أو العشائرى عمل به فى مصر فى عهد الفراعنة، ويؤخذ به فى بعض البلدان العربية وفى بعض البلدان الأوروبية. وفى هذا النظام إذا كان الحاكم ديكتاتورا يقصر إدارة البلاد على أهله وعشيرته فقط، فيعين أقاربه وأصدقاءه فى مناصب الدولة لأنه يرى أنهم هم الأحق، ولأنهم هم الذين سينفذون رؤيته المارينجوسية للبلاد، كما أنه لا يأمن ولا يثق سوى فى أهله وعشيرته. هذا النظام المارينجوسى الذى يرفع راية شرع الله ويعظم من فقه الغلمان ويعتمد على الأهل والعشيرة، يتشابه كثيرا مع الحالة التى تشهدها مصر هذه الأيام، للياور الذى يدعو للمعصوم المؤمن مارينجوس الأول ويلعن معارضيه ويعمل على تبرير قراراته ورغباته: طويل العمر يطول عمره، ويزهزه عصره، وينصره علي من يعاديه.. هاى هيت»، لهذا الياور أشباه كثر، كانوا فى التأسيسية، وفى مستشاري الرئيس، وفى تعيينات الشورى، وفى حقوق الإنسان، وهناك كثر ينتظرون فى الطابور، ولفقهاء الغلمان ومشايخه الكثير يرون أن النساء عورة، والتمثيل حرام، والمسيحيين كفرة ولا يجب تهنئتهم بالعيد أو تحيتهم في الشارع أو المجلس، أو تقديم العزاء إليهم فى مصابهم، والشيعة كفرة، وكل من يخالف الفكر السلفي أو الإخوانى هو كافر وملحد وزنديق وفاسق وداعر، يعيش مارينجوس الأول هاى هيت.