نصت المادة الثانية عشرة، من مشروع وزير العدل لتنظيم التظاهر على أن يصدر «مجلس الوزراء» قراراً، بتحديد منطقة كافية في ميدان التحرير وفي أماكن اخرى سواء في القاهرة، أو في غيرها يكون التظاهر «مباحاً» فيها، دون التقيد، بالاخطار أو الوقت!! وتهدف هذه المادة الى تحديد أماكن معينة في المحافظات المختلفة، كما في القاهرة لإباحة التظاهر دون حاجة الى توجيه الإخطار للسلطة الأمنية، ولا بميعاد الخمسة أيام السابقة على تنفيذ التظاهرة!! ويثير هذا النص التساؤل عما اذا كانت الاباحة التي قررها تغيير عدم انطباق مواد المشروع الاخرى علي التظاهر في الاماكن المحددة المذكورة آنفا؟!! أم أن احكام المشروع الأخرى تنطبق على هذه التظاهرات؟!! والأرجح هو سريان باقي احكام المشروع!! وقد نص المشروع على التزام وزارة الداخلية وأجهزتها المختلفة بتأمين المظاهرة واتخاذ التدابير اللازمة لسلامة المتظاهرين وكفالة عدم تعرضهم للخطر، والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة «م 13». ولم يتضمن نص المادة أي تحديد للتدابير اللازمة لتحقيق مضمونها!! وخاصة بالنسبة للتظاهر في الاماكن المخصصة للتظاهر على سبيل الحصر دون اخطار وفق المادة الثانية عشرة، وليس مفهوماً كيف يتم التأمين للمظاهرة وفقاً للاجراءات القانونية المشار إليها بالمادة، وهل تعني توفير قوات كافية بالزي الرسمي من الأمن المركزي وغيره مع المعدات والأدوات وسيارات الشرطة اللازمة لحماية وتأمين المتظاهرين، ومنع الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة!! ولذا فإنه يتعين لنفاذ هذا النص اصدار قرار تنفيذي وتنظيمي من وزير الداخلية، بتحديد القوات والمعدات والاجراءات.. الخ، وقد نصت المادتان الرابعة عشرة والخامسة عشرة على الاعمال المحظورة على المتظاهرين ومنها أعمال عديدة سبق تحديدها في المواد السابقة!! مثل حظر التعدي على الممتلكات العامة أو الخاصة وغلق الطرق.. الخ «م 14» وتصرفات وأعمال اخرى محظورة صراحة ومن بينها حمل لافتات أو القاء أية عبارات أو اناشيد أو اغان تعد من قبيل السب والقذف أو يكون من شأنها تحفيز وازدراء الاديان السماوية وتثير الفتنة او تحرض على العنف والكراهية، أو اهانة أية هيئة عامة أو مؤسساتها أو الاساءة اليها بما «يجاوز حرية التعبير السلمي»، مع حظر الاعتصام باقامة خيام لهذا الغرض!! ويلغي هذا الحظر بأنواعه تماما حق التظاهر لأن هدفه الطبيعي هو النقد والاحتجاج، والرفض لسياسات وقرارات صادرة من أجهزة الدولة ووصفها بالبطلان والمخالفة للشرعية الدستورية والقانونية، ما يدخل حتما في باب القذف والانتقاد العلني لأية هيئة من هيئات الدولة ومؤسساتها، ويقتضي تطبيق النص المذكور، ان تقتصر المظاهرات المباحة على تأييد الحكومة وأجهزته ومؤسساتها، ومدح قياداتها والتهليل لهم، وهذا يتناقض حتما مع «طبيعة حق التظاهر» واهدافه، واغراضه ووسائله المعروفة!! كما ينطوي نص المادة الرابعة عشرة على محظورات سبق ورود النص عليها في مواد المشروع مثل حتمية اخطار قسم أو مركز الشرطة المختص، فيما عدا التظاهر في ميدان التحرير والاماكن الاخرى المخصصة للتظاهر مع الخروج على خط سير المظاهرة أو المكان المخصص لها!! وقد تضمن نص المادة السابعة عشرة أن لقوات الشرطة «بالزي الرسمي» بناء على قرار من وزير الداخلية أو مدير الأمن المختص تفريق المظاهرة «بالقوة» اذا نظمت المظاهرة بلا إخطار مسبق أو بالمخالفة للتعليمات والارشادات التي اتفق عليها بين الشرطة ومنظمي المظاهرة أو إذا صدر من المتظاهرين أي فعل يعرض الأمن العام للخطر، أو يؤدي الى منع سير العمل بأحد المرافق العامة أو الاعتداء عليها أو اعاقة المرور في الطرق والميادين وخطوط المواصلات، والتأثير على السلطات العامة في اعمالها أو تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح... الخ!! ويمثل ما سبق ذكره منح «سلطة تقديرية مطلقة» وواسعة بعبارات غير دقيقة الدلالة وفضفاضة، للوزير أو مدير الأمن لاستخدام القوة في فض المظاهرات حسب تقديرهم!! والمفروض أن تحدد الأسباب التي تبيح فض المظاهرات بدقة، وعلى سبيل الحصر، وأن يتم الحصول مقدما على موافقة رئيس المحكمة أو النيابة العامة المختصة على ذلك، بناء على طلب وزير الداخلية أو مدير الأمن المختص، وأن يصدر الإذن فور الطلب!! وقد خلا نص المادة «18» من ذكر «الانذار العلني» للمتظاهرين قبل استخدام القوة، كما قدم النص استخدام الغاز قبل خراطيم المياه كما لم يجز استخدام الخرطوش او الرصاص الحي الا في حالة الدفاع الشرعي وفي غير مقتل!! وقد تضمنت المواد «21 و22 و23 و24 و25» العقوبات على مخالفة أحكام المشروع بالحبس والغرامة، ولم تتضمن العقوبات التي يجب توقيعها على أجهزة الأمن في مخالفتها احكام المشروع وخاصة المواد «17 - 19» الخاصة بفض المظاهرات بالقوة، سواء لمن اصدر الاوامر المخالفة أو من ترك دون منع استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين!! ويبدو أن واضعي المشروع يتصورون أن المظاهرات فقط للتأييد والتهليل والمدح ولا تجوز في غير ذلك في مرحلة التمكين من مفاصل الدولة وأجهزتها واخضاعها للتحالف الإخواني السلفي ولا حول ولا قوة إلا بالله.