رئيس "الشيوخ": ذكري تحرير سيناء صنعتها تضحيات رجال القوات المسلحة    محافظ القليوبية يتابع توريد القمح بصومعةغلال عرب العليقات- صور    مقترح برلماني بدعم كليات الذكاء الاصطناعي بالجامعات الحكومية -تفاصيل    وزير الخارجية السعودي: الأمم المتحدة تقدر إعادة إعمار غزة في 30 عامًا    "محدش هينزل معايا القبر".. رضا عبدالعال يفتح النار على مخرج مباراة الأهلي بسبب هدف مازيمبي    علوم حلوان تناقش دور البحث العلمي في تلبية احتياجات المجتمع الصناعي    وزير المالية: نتطلع لقيام بنك ستاندرد تشارترد بجذب المزيد من الاستثمارات إلى مصر    "البحوث الإسلامية" يطلق حملة "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا" بمناسبة عيد العمال    إيران: وفد كوري شمالي يزور طهران لحضور معرض تجاري    تكلفة الطحن وتسويق النخالة تصعد بأرباح مطاحن ومخابز الإسكندرية 43% خلال 9 أشهر    ذا أثلتيك: صلاح سيبقى في ليفربول.. ولم يُظهر رغبته بالرحيل    الأبناء قتلوا أبوهم وأبلغوا الشرطة.. ماذا جرى في قضية أرض الذرة بأسيوط؟    باركود وتعليمات جديدة.. أسيوط تستعد لامتحانات نهاية العام    لاستكمال المرافعة.. تأجيل محاكمة 35 متهمًا في حادث قطار طوخ    وزيرة الثقافة تلتقي نظيرها الإماراتي قبل افتتاح معرِض أبو ظبي الدُولي للكتاب    بعد أنباء عن ارتباطها ومصطفى شعبان.. ما لا تعرفه عن هدى الناظر    المخرج خالد جلال يشهد عرض مسرحية "السمسمية" بالمنيل (صور)    تحت شعار "غذاء صحي وآمن لكل مواطن".. "الصحة" تفتتح المؤتمر السنوي الثالث للمعهد القومي للتغذية    عضو مجلس الزمالك يعلق على إخفاق ألعاب الصالات    عاجل.. شوبير يكشف آخر خطوة في تجديد علي معلول مع الأهلي    البنك المركزي يبيع أذون خزانة ب 997.6 مليون دولار بمتوسط عائد 5.149%    مقترح برلماني بدعم كليات الذكاء الاصطناعي بالجامعات الحكومية    شروط التقديم في رياض الأطفال بالمدارس المصرية اليابانية والأوراق المطلوبة (السن شرط أساسي)    حكم رادع ضد المتهم بتزوير المستندات الرسمية في الشرابية    المشدد 5 سنوات والعزل من الوظيفة لرئيس حي السلام ومهندس بتهمة تلقي «رشوة»    رئيس الوزراء الإسباني يعلن الاستمرار في منصبه    أمير الكويت يزور مصر غدًا.. والغانم: العلاقات بين البلدين نموذج يحتذي به    «تشريعية النواب» توافق على رفع الاختصاص القيمي للمحاكم الابتدائية    تجليات الفرح والتراث: مظاهر الاحتفال بعيد شم النسيم 2024 في مصر    وزيرة التضامن تستعرض تقريرًا عن أنشطة «ال30 وحدة» بالجامعات الحكومية والخاصة (تفاصيل)    «للمناسبات والاحتفالات».. طريقة عمل كيكة الكوكيز بالشوكولاتة (فيديو)    عامر حسين: الكأس سيقام بنظامه المعتاد.. ولم يتم قبول فكرة "القرعة الموجهة"    «القومي لثقافة الطفل» يقيم حفل توزيع جوائز مسابقة رواية اليافعين    تراجع نسبي في شباك التذاكر.. 1.4 مليون جنيه إجمالي إيرادات 5 أفلام في 24 ساعة    التضامن : سينما ل ذوي الإعاقة البصرية بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    إزالة 22 حالة تعديات على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة بالشرقية    بث مباشر.. مؤتمر صحفي ل السيسي ورئيس مجلس رئاسة البوسنة والهِرسِك    بشرى سارة لمرضى سرطان الكبد.. «الصحة» تعلن توافر علاجات جديدة الفترة المقبلة    "سنوضح للرأي العام".. رئيس الزمالك يخرج عن صمته بعد الصعود لنهائي الكونفدرالية    السيسي عن دعوته لزيارة البوسنة والهرسك: سألبي الدعوة في أقرب وقت    515 دار نشر تشارك في معرض الدوحة الدولى للكتاب 33    «العمل» تنظم فعاليات سلامتك تهمنا بمنشآت الجيزة    إصابة عامل بطلق ناري في قنا.. وتكثيف أمني لكشف ملابسات الواقعة    محمد شحاتة: التأهل لنهائي الكونفدرالية فرحة كانت تنتظرها جماهير الزمالك    بالاسماء ..مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    وكيل مجلس الشيوخ: الجمهورية الجديدة تضع التعليم في صدارة أولوياتها    مؤسسة أبو العينين الخيرية و«خريجي الأزهر» يكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين.. صور    إصابة 3 أطفال في حادث انقلاب تروسيكل بأسيوط    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    ضحايا بأعاصير وسط أمريكا وانقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل    خلي بالك.. جمال شعبان يحذر أصحاب الأمراض المزمنة من تناول الفسيخ    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    لهذا السبب.. ريال مدريد يتخلى عن نجم الفريق    أسعار الذهب فى مصر اليوم الاثنين 29 أبريل 2024    البحوث الفلكية: غرة شهر ذي القعدة فلكيًا الخميس 9 مايو    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب بهاء طاهر فى حوار مع «الوفد»:
المثقفون آخر قلاع المقاومة ضد مشروع الدولة الدينية قطع رأس تمثال طه حسين رسالة رمزية بضرب «الحجر» حتى يخاف «البشر»
نشر في الوفد يوم 27 - 02 - 2013

هو واحد من كوكبة جيل الستينيات فى مصر وأبرز أبنائها ومبدعيها. ينحاز انحيازاً كاملاً لحرية الفكر والإبداع، وأنجز سلسلة طويلة من الأعمال الإبداعية لتكريس إيمانه بالعدل والجمال والتسامح.
حصل على عديد من الجوائز داخل مصر وخارجها، يتم استقباله بحفاوة فى المنتديات التى يزورها، حتى أنه يبدو «مكتفيًا» بهذا الحب والتقدير، مؤكداً أنه «لا يسعى إلى شىء ولا يطمح إلى المزيد». هذا الحوار مع الروائى بهاء طاهر يتركز -فى معظمه- حول قضية الحريات، ومستقبل الدولة المدنية التى تتراجع فى ظل صعود التيارات الدينية، إضافة إلى دور المثقفين وعلاقاتهم مع السلطة منذ عصر النهضة حتى الآن.
كيف ترى الإخوان المسلمين فى السلطة؟
- الإخوان المسلمون يفعلون ما يشاءون فى السلطة مهما حدث من سلبيات وأخطاء أو كوارث، المهم أن يستمروا فى الحكم غير عابئين بغيرهم، لا يستمعون لأصوات الشعب التى تئن وتطالب بالإصلاح ولا يقيمون وزناً أو قدراً للمعارضة، وتأكد للجميع أنهم سيظلون هكذا لا يرون إلا أنفسهم بعدما أقصوا الجميع من التيارات السياسية المخالفة لهم، فخرجت الجموع تطالب بتحسين الاقتصاد ومزيد من الحريات، والبعض طالبهم بالرحيل، وغيرهم يطالبون بعودة الجيش للسلطة مرة أخرى، وأخيرًا ظهر العصيان المدنى فى بورسعيد.
هل العصيان المدنى يصبح حلاً لتحقيق المطالب التى ينادى بها الشارع المصرى؟
- العصيان المدنى حل قوى، ولكنه حتى الآن غير مؤثر لأنه بدأ فى محافظة واحدة وهى ليست مصر كلها، ولكنه لم يمتد إلى السويس والإسماعيلية، وإذا حدث قد يكون مؤثراً، ولكن الشعب المصرى غالبيته بعيد عن السياسة، وله مطالب بسيطة معظمها يتمثل فى أكل العيش، أى الإصلاحات الاقتصادية هى التى تهمه فى المقام الأول، ولكن إذا استمرت الأوضاع الاقتصادية فى تدهور قد ينفجر المشهد بالكامل ولن يستطيع أحد التنبؤ بما يحدث أو السيطرة على الأمور.
تقصد ثورة جياع؟
- ولم لا؟! لأن الجوع بدأ الآن ولكنه محتمل وقد يصبر الشعب على هذا الاحتمال، ولكن إذا زاد الجوع عن الاحتمال، قد يخرج المهمشون من العشوائيات والأحياء الفقيرة فى غضبة لن تبقى شيئاً على حاله أو موقعاً فى مكانه.
هل من الممكن أن يسجل مثقفو مصر هذه الرؤى ويتم إرسالها إلى قصر الرئاسة؟
- لن نرسل شيئاً، والرئاسة لن ترد علينا أو تهتم، فقد سبق وأرسلنا مثل هذا الاعتراض من المثقفين إلى الرئيس «مرسى» ولم يردوا علينا وكأننا لم نرسل شيئاً، واستمروا فى طريقة حكمهم، وإذا أرسلنا بياناً لن يردوا أيضاً أو يلتفتوا إليه أو إلينا.. لأن هذه عادة التيارات الإسلامية التى تهمش وتستبعد المثقفين ولن يتغير هذا الموقف بين عشية وضحاها، وواقعة قطع رأس تمثال د. طه حسين، وهو أحد الرموز التنويرية فى التاريخ الثقافى المصرى هى عملية رمزية بضرب «الحجر» ليخاف «البشر» ولا يوجد فى الساحة أى مؤشرات لوجود مسعى جاد لإعادة الثقافة إلى دورها الحقيقى لتقود مسيرة التنوير وتقدم الشعب ونهضته.
ولماذا رفضت الدستور؟
- الحمد لله إننى رفضته لأن كل يوم يمر يؤكد أن هذا الرفض كان الإجابة الحقيقية على مثل هذا الدستور الذى لا يمثل جموع الشعب، لأنه يجمع كل السلطات فى سلة واحدة ويعطيها للسلطة الحاكمة، ولا يمنح شيئاً للمؤسسات المستقلة أو المعارضة.
ولهذا تراجعت شعارات الثورة وأهدافها وحل محلها شعار المرجعيات الإسلامية؟
- لا يوجد خلاف بين المرجعية الإسلامية وشعارات الثورة لو تم تطبيقها، لكن المشكلة أن البعض من التيارات الإسلامية يعتبر أن المرجعية الإسلامية بديلة عن شعارات الثورة ولا يعرف جيداً أن الشريعة الإسلامية تحض على الكفاية والعدل والحرية التى هى من أهداف الثورة ولهذا تم رفعها فى ميادين الجمهورية.
كيف يتم إيجاد أرضية مشتركة بين تيار الإسلام السياسى وبين التيار السياسى المدنى؟
- أولاً لابد من أن يؤمن هذان التياران بأنه لن يتم اختفاء التيار الآخر، ولهذا عليهما أن يقتنعا بأهمية الآخر وأن كل تيار سياسى له دوره فى المجتمع وهنا ينشأ توازن بعد اعتراف كل طرف بالطرف الآخر وألا يرفضه أو يقصيه أو يهمشه فيتم التعايش بعيداً عن الصدام وهذا ما يحمى الوطن.
لماذا وصفت هذه الأيام بالأمل والحيرة؟
- بالفعل أطلقت على الأيام التى أعقبت الثورة خلال حكم المجلس العسكرى بالأمل والحيرة، لأن آمالنا كانت فى السماء، وكان يوجد قدر كبير من الحيرة بسبب التخبط فى قرارات المجلس العسكرى، خاصة تحالفه مع التيارات الإسلامية، مما أسفر عنه ما نحن فيه الآن من زيادة فى التخبط، وعدم انطلاق الثورة فى المسار الصحيح.
ما التحدى الذى يواجه المجتمع المصرى بعد 25 يناير؟
- التحدى الحقيقى الذى يهدد نهوض المجتمع المصرى هو عدم استكمال المسيرة التى بدأها أبناؤه من المثقفين منذ مطلع النهضة، مروراً بالأحداث التاريخية الكبرى ووصولاً إلى ثورة 25 يناير.. وعليه أن يستكمل بناء الحرية لكى يعيش عصرها ولن يتم هذا إلا إذا استردت الثقافة قيمتها فى المجتمع ويصبح المثقفون قادة الفكر والعمل، وتتاح لهم فرصة النفاذ إلى العقول والوجدان لتكوين الرأى العام المتسلح بالوعى والحرية معاً، وألا يكونوا على هامش المجتمع يتغنون لأنفسهم أو يصبحوا أبواقاً للتهليل والتبرير.
ومن هؤلاء المثقفون؟
- المثقف الذى أقصده هو ضمير مجتمعه لأنه أول من يشعر ببوادر الخلل أو التخلف فى نظام المجتمع وهو أيضاً أول من يقترح طرق العلاج، ولهذا لابد له لكى يؤدى وظيفته هذه أن يظل فى مركز الصدارة وأن يكون قادراً على التأثير وأن يقدم تفسيراً للظواهر التى تؤثر على مجتمعه، ويقدم معايير للسلوك توفر لمجتمعه إحساساً بالأمن ونوعاً من الإيمان بصلاحية القيم التى يعتنقها لمواجهة الظواهر السلبية التى تتراجع بمجتمعه وتعوقه عن التقدم.
متى تراجع دور المثقف الفاعل فى المجتمع؟
- بدأ التراجع مع ثورة يوليو 1952 فلم نر أحداً من القيادات الفكرية مقرباً من قيادات الحكم ولم يأخذوا بأى رأى جاد تقدم به المثقفون، فقد ظل المثقف المثالى فى عهد ثورة يوليو هو المثقف الموظف لا المثقف المفكر، أى المثقف الذى يتولى تجميل أفكار القادة السياسيين والترويج لها وليس المثقف الذى يعارضها أو يقومها.. بعدما كانت مكانة المثقف لدى الشعب وقيادته الكبيرة جداً مثلما كان «سعد زغلول» باشا يكن كل تقدير وإدراك حقيقى لدور الثقافة الذى يوازى دور السياسة، وقد كانت علاقته جيدة ب«قاسم أمين» و«العقاد».
كيف ترى الرئيس محمد مرسى؟
- هل من الممكن أن أعتذر عن هذا السؤال؟!
لماذا.. فالسؤال عن الأداء وليس الشخص؟
- د. محمد مرسى هو رئيس الجمهورية المنتخب وعليه أن يحترم هذا الاختيار الذى جعله يحكم باسم الديمقراطية وأن يؤمن بحق هذا الشعب فى التعبير عن رأيه وفى إعلان مطالبه وأن يكون له دور فى إدارة شئون البلاد، وعلى الشعب أن يحترم الآلية الديمقراطية فى اختيار رئيسه الذى اختاره.
هل تفاجأت من فتوى قتل أعضاء جبهة الإنقاذ؟
- المهم أن مطلق هذه الفتوى تراجع عنها ونفى أن تكون فتوى وقال «إنها رأى» ولكنه بئس الرأى كان، والعقلاء من أنصار التيار الإسلامى استنكروا هذا الرأى لأنه يفتح الباب على الجحيم ونتمنى ألا يحدث فى مصر كما حدث وقتل «بلعيد» المعارض التونسى بسبب فتوى، فهذا ينذر بأخطار جسيمة ليست على حرية الرأى، بل على الحق فى الحياة.
كيف ومتى بدأت تعلو أصوات التكفير؟
- تم هذا بعدما صودرت الثقافة فى مصر فى السبعينيات، وكان من الممنوع نشر أية أعمال لأهم كتاب مصر وهاجروا خارج الوطن، وفى الداخل لم يوجد غير أشباه الكتاب الذين افتعلوا المعارك ولم يكن لديهم غير أن يكفروا بالباطل أصحاب الأقلام وأن يدفعوهم بقوة السلطة وبطشها إلى الهجرة، وهكذا غاب عن الساحة من حملوا رسالة التنوير التى بدأها «رفاعة الطهطاوى» فخيم ظلام الفكر على مصر، وتقدم الخواء الفكرى ليملأ الساحة الممهدة بتيار التكفير الإرهابى الذى سنح له الجو ليبيض ويفرخ «عنقاء» رهيبة مازالت تخيم بجناحها الأسود فوق الجميع.
فى فترة السبعينيات ألم يسمح الرئيس أنور السادات بعودة الكتاب المفصولين؟
- «السادات» فى بداية حكمه جعل من معاداة الثقافة سياسة ثابتة له(!!) فقد كان يكن للمثقفين الضغينة ويصفهم بأنهم «مجموعة من الأفندية الحاقدين» أو «شيوعيون وملحدون» وأغلق المجلات الثقافية والمسارح الجادة رداً على رسالة بعث بها مجموعة من المثقفين تطالبه بتحديد أسلوب واضح لإزالة آثار العدوان الإسرائيلى، فقام بجرة قلم بفصلهم جميعاً من وظائفهم وكان منهم «توفيق الحكيم» و«نجيب محفوظ».. ولكنه قبل حرب أكتوبر أعاد الكتاب المفصولين، وبعدها بدأ شهر عسل قصير بينهم وبين «السادات».. فقد كانوا يكيلون له المديح ويزينون جبينه بأكاليل الغار، ولكن عندما بدأت سياساته تدخل فى متاهات وانفتاحات تثير الجدل أصبح من الصعب على المثقفين أن يستمروا فى التصفيق له، فعاد إلى سياسته الأولى من التنكيل بهم وغلق الصحف والمجلات التى تشكك فى حكمة سياساته.
كيف تمكن الفكر الإخوانى من التأثير بنسبة ليست بالقليلة على الرأى العام فى مصر؟
- هذا يتجاوز بكثير الانتخابات البرلمانية الأخيرة ونتائجها، فالتمكين والسيطرة تشمل حتى تلك الأغلبية التى تقاطع الانتخابات أو التى لا يعنيها أمرها لأن القضية هى قصة انقلاب من ثقافة ووجدان المواطن المصرى، حيث تم تدميره على امتداد ثلاثة عقود على الأقل بحنكة وعلى مهل، وللأسف لم تفلح أصوات الإنذار المبكر التى كان يطلقها المثقفون فى وقف مساره ولا فى حشد القوى لمواجهة الخطر والتصدى له، وأيضاً أسهمت فى نجاح هذا المخطط سياسات داخلية وخارجية وأموال دولية طائلة، ونزوات للتاريخ غير متوقعة، وقفزات فى وسائل الاتصال غير المسبوقة ولكننا نقتصر فى هذا الأمر على النظر فى الخلفية الفكرية والثقافية لهذا الانقلاب وعواقبه.
إلى أين سيذهب الحكم الدينى بالمجتمع المصرى؟
- لنا تجربة فى ظل الخلافة العثمانية التى وصفها د. جمال حمدان ب «الاستعمار الدينى» وهو نوع من الاستعمار باطش غريب يتستر بمفهوم الخلافة ليستنزف آخر قطرة من عرق المصريين ودمائهم تمثلت فى المنظومة الفكرية فى التسليم بحق الحاكم أياً كان سلطاناً أو خليفة فى الحكم المطلق والأمر والنهى دون أية حقوق للرعية غير الطاعة العمياء لهذا القائد الدينى.. وفى ظل هذا الحكم المهلك المستند إلى مرجعية دينية زائفة يتبرأ منها إسلامنا الحنيف عم الخراب فى مصر، وكاد المصريون يندثرون بسبب المجاعات المتكررة والمجازر والأوبئة، وهذه بعض من نتائج الحكم الدينى فى مصر.
ماذا قدم المثقفون المصريون لمجتمعهم؟
- استطاع المثقفون العظام الذين خرجوا من عباءة «محمد عبده» ومشروعه الكبير وشيدوا منظومة فكرية عصرية ومدنية عشنا فيها لمدة قرن ونصف من الزمان، ومن نتائجها إحياء فكرة الوطن التى كانت غائبة تماماً فى ظل فكرة الخلافة، وإدخال مبدأ الوحدة الوطنية والمساواة بين المسلمين والمسيحيين فى الحقوق والواجبات، ثم نفى وجود السلطة الدينية بنزع أية قداسة أو صفة دينية عن أى حاكم وأيضاً نزعها عن أى جماعة أو مؤسسة تدعى لها سلطة دينية من أى نوع، ولا يفوتنا تحرير المرأة التى كانت فى وضع أسوأ من الرقيق، والمساواة بينها وبين الرجل، ثم ظهور فكرة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحق التعليم للجميع وهذه قيم جديدة دفع ثمنها المثقفون أثماناً فادحة حتى اكتسبت مصداقيتها من خلال معارك وطنية ضد الاستبداد الداخلى والاستعمار الخارجى.
ماذا عن ظاهرة الواعظ الدينى الذى يدمج الدين بالسياسة؟
- بدأ هذا فى عصر «السادات» ولا أكن له ضغينة شخصية بل أقدر دوره فى معركة العبور، وتحرير سيناء، رغم التحفظات على ثمن السلام المدفوع، ولكن فى هذا العصر كان لابد من إخلاء الساحة من عناصر الممانعة والمقاومة للمشروع الفكرى الجديد، فتم تشتيت مثقفى النهضة والتطوير بعيداً عن مصر، وإسكات أو إضعاف من بقى منهم فى مصر، وتم جلب بدلاً منهم مجموعة من الوعاظ المهاجرين منذ العهد الناصرى إلى دول الخليج، ولم يكن هؤلاء الوعاظ استمراراً بأى شكل لشيوخ مصر العظام مثل «محمد عبده» أو تلميذه الشيخ «شلتوت» ممن كرسوا جهدهم لإظهار وتأكيد مواءمة الإسلام للعصر ولكل العصور، وأنه لا يعارض النهضة والتطور الاجتماعى، بل يحث عليهما، بل كانوا معنيين بإبعاد الدين عن قضايا التطور الاجتماعى والحض على طاعة الحاكم والمغالاة فى التركيز على الجوانب الشكلية للعبادات، وانفردوا بساحة الرأى العام وأضيفت عليهم قداسة ونسبت إليهم كرامات من ماكينة دعاية جبارة فنجحوا بالفعل فى التأثير على قطاعات كبيرة فى الرأى العام المغيب عن أى مناقشة أو عن وجهة نظر أخرى تخالفهم الرأى.
كيف تسللت جماعة الإخوان للعمل العام وقد منعت منه منذ 1954؟
- بعدما أصبح الوعاظ سلطة دينية والجماهير تقدم لهم الطاعة دخل الإخوان المسلمون المسرح فوجدوا المشهد مهيأ تماماً، فالجماهير أدارت ظهورها أو صرفت عنوة عن مكتسبات الدولة المدنية واستبدلت بالعقلانية الإذعان والدروشة، وكان الإخوان هم عصب التيارات الدينية التى لجأ إليها «السادات» للقضاء على قوى المقاومة والممانعة للردة الشاملة واتبع الإخوان أسلوب المسايرة معه وحاولوا إرضاءه بكل الطرق، وامتنعوا عن نقد سياساته نحو إسرائيل وعملوا على عامل الوقت ليحققوا مشروعهم الخاص بالسيطرة على العقول، ثم على المجتمع.
هذا التغلغل الإخوانى تم بواسطة سلطة الوعاظ؟
- كان هذا من أحد أساليبهم للتغلغل التدريجى فى المجتمع ولكنهم بدأوا بالتمكين من النظام التعليمى، فقد جندوا آلافاً من المدرسين الحكوميين، ومولوا إنشاء مدارس خاصة إسلامية التوجه والمناهج التى كانت تنصب على تلقين النصوص وإتقان الشعائر والعبادات دون التطرق إلى المعاملات أو المنهج الإسلامى لتقدم المجتمع وتغييره نحو الأفضل وأكمل التعليم الإخوانى ما يبثه إعلام الوعاظ واستفاد كل منهما من الآخر فى نشر ثقافة التلقين والطاعة والتمهيد لسلطة الدعاة والوعاظ لكى تؤتى هذه الثقافة نتائجها حينما يكبر هذا النشء، ورأينا ظاهرة حجاب النساء وكان الهدف الأهم هو إعلان الحضور فى الشارع والمجتمع والدعوة إلى اجتذاب مزيد من الأنصار.
كيف تتم أخونة المجتمع؟
- يتم هذا بإقصاء المثقفين من أنصار الدولة المدنية من رواد التنوير وتهميشهم حتى لا يكون لهم أى تأثير على الرأى العام ويحل محلهم فى منابر الإعلام وعاظ يؤسسون للسلطة الدينية، وبالسيطرة على المساجد والمدارس والجامعات والنقابات والإعلام، وتقديم الخدمات الاجتماعية والطبية فى الأحياء الفقيرة بعد تخلى الحكومات عن دورها فى تقديم هذه الخدمات، وأعمال البر والإحسان الإخوانية هى فى الأساس وسيلة جيدة لنشر الدعوة واجتذاب الأنصار.. ومن هنا يتم إضعاف الدولة المدنية مما يسهل للإخوان تنفيذ مشروعهم فى السيطرة على المجتمع، وساعدهم أيضاً فى تنفيذ مشروعهم عدم ظهور أى قوة جديدة تحمل مشروعاً قوياً ومقنعاً يتصدى للمشروع الإخوانى، بعدما حاربت الدولة الفكر الليبرالى واليسارى والوسطى بكفاءة عالية فلم يبق فى الساحة إلا الإخوان.
معنى هذا أننا سندخل مرحلة الدولة الدينية؟
- لم يكتف المشرعون الجدد بالنص الوارد فى الدستور بأن الشريعة الإسلامية مصدر التشريع فأرادوا للدستور الجديد أن يفصل اختصاصات السلطات الثلاث على أساس الشريعة الإسلامية، ثم إنهم لم يوافقوا على انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية وكان مطلباً شعبياً فتم اختيارهم وخرج الدستور كما رأيناه، ثم إنهم يقولون عن إخواننا الأقباط إن لهم كل الحق فى تولى الوظائف العامة فيما عدا رئاسة الدولة، مع أن أى دولة متحضرة لا تحرم طائفة من الحق فى تولى أى منصب حتى لو كان مجرد حق نظرى يصعب تحقيقه، وعن الثقافة والفنون يؤكدون أن الحكومة هى التى تشجع الآداب والفنون شرط أن يكون أدباً وفناً جادين وملتزمين بقيم المجتمع وثوابت الأمة بعيداً عن الإسفاف والابتذال والاستخفاف بالعقول وتسطيح الأفكار، فما هى الدولة الدينية إن لم تكن هذا بالضبط؟!
لكن هناك من يرى أن مصر مجتمع متدين وله عاداته وتقاليده التى يتمسك بها خوفاً من الانحرافات؟
- الفن والأدب لم يعرفا هذه القيود الصارمة والقابلة للتأويل حسب المزاج والتعصب إلا فى أشد عصور الانحطاط لأى مجتمع وإذا قرأ هؤلاء المتشردون أدب «الجاحظ» أو «ابن حزم الأندلسى» أو شعر «البحترى» أو «المتنبى» سيدهشون من إبداعهم الأدبى ومن درجة الحرية فى تناول موضوعات الجنس والدين بما لا يجرؤ على مثله أى كاتب معاصر ودون أن يحتج عليهم أحد فى عصرهم، فالضوابط الأخلاقية حسب الفهم المتزمت للأخلاق لا تحمى الفضيلة إنما تحمى الرذيلة وتخلى بينها وبين النفوس كما قال «طه حسين».
هل لا تقبل أى قيود على الإبداع؟
- القيد الوحيد المقبول على الإبداع هو قيد القانون العام الذى ينطبق على المبدعين مثل غيرهم.. ولهذا أشعر بخوف حقيقى من عدم الاحتكام للقضاء أو إلى أحكام النقد الأدبى، بل إلى إثارة الجماهير التى لا تعلم شيئاً من ذلك كله.. والخوف أن يثيروها من جديد بالدعاوى الأخلاقية الكاذبة لكى يحرقوا الكتب إن لم يكن الكتّاب!!
ولماذا كل هذا التعصب ضد المثقفين؟
- لأن المثقفين رغم ما أصابهم من إضعاف وتهميش هم آخر قلاع المعارضة ضد مشروع الدولة الدينية التى يرونها قريبة المنال، ولكننى ككاتب وكمسلم سأظل أرفضها وأقاومها مستهدياً برأى الإمام «محمد عبده» فى رفض أى سلطة دينية خارجية على ضمير الإنسان.
بطاقة شخصية
مواليد يناير 1935.
حاصل على ليسانس الآداب 1956.
دبلوم الدراسات العليا فى الإعلام
عمل مترجماً فى الهيئة العامة للاستعلامات 1956 - 1957.
مخرج ومذيع فى إذاعة البرنامج الثانى 1975.
منع من الكتابة 1975 فسافر إلى آسيا وأفريقيا.
عمل مترجماً فى الأمم المتحدة بجنيف 1981 - 1995.
له العديد من الروايات والمجموعات القصصية وله عشر مسرحيات مصرية.
حاصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب 1998.
نال جائزة جوزى اكيربى الإيطالية 2000 عن رواية «خالة صفية والدير».
حصل على الجائزة العالمية للرواية العربية عن روايته «واحة الغروب».
قام برد قيمة جائزة مبارك للآداب التى حصل عليها عام 2009 أثناء أحداث ثورة يناير 2011، قائلاً: «إنه لا يستطيع أن يحملها بعدما أراق نظام مبارك دماء المصريين».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.