4.203 مليار دولار صادرات مصر لكوريا الجنوبية خلال 10 سنوات    بعد انسحاب الدالي، شرط وحيد يمنح هشام بدوي أول مقعد في جولة الإعادة بانتخابات النواب بالجيزة    النزاهة أولًا.. الرئيس يرسخ الثقة فى البرلمان الجديد    جبران: مصر تؤكد التزامها بتعزيز بيئة العمل وتبادل الخبرات مع دول الخليج    6 مليارات دولار استثمارات في مصر أبرزها، 10 معلومات عن العلاقات الاقتصادية المصرية الكورية    أسعار الخضروات اليوم الخميس 20 نوفمبر في سوق العبور    الفول البلدى بكام؟ أسعار البقوليات بكفر الشيخ الخميس 20 نوفمبر 2025    لمدة 5 ساعات.. فصل التيار الكهربائي عن 17 قرية وتوابعها بكفر الشيخ اليوم    مسئول أمني: المنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط تكثف نقل مقاتليها إلى أفغانستان    استشهاد 3 فلسطينيين بقصف إسرائيلى على منزل جنوبى قطاع غزة    موعد انضمام كريستيانو رونالدو لتدريبات النصر السعودي    مواجهات قوية في دوري المحترفين المصري اليوم الخميس    الاستعلام عن الحالة الصحية لعامل سقط من علو بموقع تحت الإنشاء بالتجمع    تجديد حبس عاطل بتهمة الشروع في قتل زوجته بالقطامية    موظفة تتهم زميلتها باختطافها فى الجيزة والتحريات تفجر مفاجأة    شبورة كثيفة وانعدام الرؤية أمام حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    عرض 6 أفلام قصيرة ضمن "البانوراما المصرية" بالقاهرة السينمائي اليوم    هولندا: ندعم محاسبة مرتكبى الانتهاكات في السودان وإدراجهم بلائحة العقوبات    الصحة بقنا تشدد الرقابة.. جولة ليلية تُفاجئ وحدة مدينة العمال    وزير الصحة يتابع توافر الأدوية والمستلزمات الطبية في جميع التخصصات    مستشفى 15 مايو التخصصي ينظم ورشة تدريبية فى جراحة الأوعية الدموية    اليوم.. محاكمة المتهمة بتشويه وجه عروس طليقها فى مصر القديمة    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    براتب 9000 جنيه.. العمل تعلن عن 300 وظيفة مراقب أمن    شوقي حامد يكتب: الزمالك يعاني    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    أضرار التدخين على الأطفال وتأثيره الخطير على صحتهم ونموهم    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    محمد أبو الغار: عرض «آخر المعجزات» في مهرجان القاهرة معجزة بعد منعه العام الماضي    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    هند الضاوي: إسرائيل تكثف تدريباتها العسكرية خوفًا من هجمات «داعش»    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    المطربة بوسي أمام المحكمة 3 ديسمبر في قضية الشيكات    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    يحيى أبو الفتوح: الذكاء الاصطناعي يستلزم جاهزية أمنية متقدمة لحماية الأموال    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب بهاء طاهر فى حوار مع «الوفد»:
المثقفون آخر قلاع المقاومة ضد مشروع الدولة الدينية قطع رأس تمثال طه حسين رسالة رمزية بضرب «الحجر» حتى يخاف «البشر»
نشر في الوفد يوم 27 - 02 - 2013

هو واحد من كوكبة جيل الستينيات فى مصر وأبرز أبنائها ومبدعيها. ينحاز انحيازاً كاملاً لحرية الفكر والإبداع، وأنجز سلسلة طويلة من الأعمال الإبداعية لتكريس إيمانه بالعدل والجمال والتسامح.
حصل على عديد من الجوائز داخل مصر وخارجها، يتم استقباله بحفاوة فى المنتديات التى يزورها، حتى أنه يبدو «مكتفيًا» بهذا الحب والتقدير، مؤكداً أنه «لا يسعى إلى شىء ولا يطمح إلى المزيد». هذا الحوار مع الروائى بهاء طاهر يتركز -فى معظمه- حول قضية الحريات، ومستقبل الدولة المدنية التى تتراجع فى ظل صعود التيارات الدينية، إضافة إلى دور المثقفين وعلاقاتهم مع السلطة منذ عصر النهضة حتى الآن.
كيف ترى الإخوان المسلمين فى السلطة؟
- الإخوان المسلمون يفعلون ما يشاءون فى السلطة مهما حدث من سلبيات وأخطاء أو كوارث، المهم أن يستمروا فى الحكم غير عابئين بغيرهم، لا يستمعون لأصوات الشعب التى تئن وتطالب بالإصلاح ولا يقيمون وزناً أو قدراً للمعارضة، وتأكد للجميع أنهم سيظلون هكذا لا يرون إلا أنفسهم بعدما أقصوا الجميع من التيارات السياسية المخالفة لهم، فخرجت الجموع تطالب بتحسين الاقتصاد ومزيد من الحريات، والبعض طالبهم بالرحيل، وغيرهم يطالبون بعودة الجيش للسلطة مرة أخرى، وأخيرًا ظهر العصيان المدنى فى بورسعيد.
هل العصيان المدنى يصبح حلاً لتحقيق المطالب التى ينادى بها الشارع المصرى؟
- العصيان المدنى حل قوى، ولكنه حتى الآن غير مؤثر لأنه بدأ فى محافظة واحدة وهى ليست مصر كلها، ولكنه لم يمتد إلى السويس والإسماعيلية، وإذا حدث قد يكون مؤثراً، ولكن الشعب المصرى غالبيته بعيد عن السياسة، وله مطالب بسيطة معظمها يتمثل فى أكل العيش، أى الإصلاحات الاقتصادية هى التى تهمه فى المقام الأول، ولكن إذا استمرت الأوضاع الاقتصادية فى تدهور قد ينفجر المشهد بالكامل ولن يستطيع أحد التنبؤ بما يحدث أو السيطرة على الأمور.
تقصد ثورة جياع؟
- ولم لا؟! لأن الجوع بدأ الآن ولكنه محتمل وقد يصبر الشعب على هذا الاحتمال، ولكن إذا زاد الجوع عن الاحتمال، قد يخرج المهمشون من العشوائيات والأحياء الفقيرة فى غضبة لن تبقى شيئاً على حاله أو موقعاً فى مكانه.
هل من الممكن أن يسجل مثقفو مصر هذه الرؤى ويتم إرسالها إلى قصر الرئاسة؟
- لن نرسل شيئاً، والرئاسة لن ترد علينا أو تهتم، فقد سبق وأرسلنا مثل هذا الاعتراض من المثقفين إلى الرئيس «مرسى» ولم يردوا علينا وكأننا لم نرسل شيئاً، واستمروا فى طريقة حكمهم، وإذا أرسلنا بياناً لن يردوا أيضاً أو يلتفتوا إليه أو إلينا.. لأن هذه عادة التيارات الإسلامية التى تهمش وتستبعد المثقفين ولن يتغير هذا الموقف بين عشية وضحاها، وواقعة قطع رأس تمثال د. طه حسين، وهو أحد الرموز التنويرية فى التاريخ الثقافى المصرى هى عملية رمزية بضرب «الحجر» ليخاف «البشر» ولا يوجد فى الساحة أى مؤشرات لوجود مسعى جاد لإعادة الثقافة إلى دورها الحقيقى لتقود مسيرة التنوير وتقدم الشعب ونهضته.
ولماذا رفضت الدستور؟
- الحمد لله إننى رفضته لأن كل يوم يمر يؤكد أن هذا الرفض كان الإجابة الحقيقية على مثل هذا الدستور الذى لا يمثل جموع الشعب، لأنه يجمع كل السلطات فى سلة واحدة ويعطيها للسلطة الحاكمة، ولا يمنح شيئاً للمؤسسات المستقلة أو المعارضة.
ولهذا تراجعت شعارات الثورة وأهدافها وحل محلها شعار المرجعيات الإسلامية؟
- لا يوجد خلاف بين المرجعية الإسلامية وشعارات الثورة لو تم تطبيقها، لكن المشكلة أن البعض من التيارات الإسلامية يعتبر أن المرجعية الإسلامية بديلة عن شعارات الثورة ولا يعرف جيداً أن الشريعة الإسلامية تحض على الكفاية والعدل والحرية التى هى من أهداف الثورة ولهذا تم رفعها فى ميادين الجمهورية.
كيف يتم إيجاد أرضية مشتركة بين تيار الإسلام السياسى وبين التيار السياسى المدنى؟
- أولاً لابد من أن يؤمن هذان التياران بأنه لن يتم اختفاء التيار الآخر، ولهذا عليهما أن يقتنعا بأهمية الآخر وأن كل تيار سياسى له دوره فى المجتمع وهنا ينشأ توازن بعد اعتراف كل طرف بالطرف الآخر وألا يرفضه أو يقصيه أو يهمشه فيتم التعايش بعيداً عن الصدام وهذا ما يحمى الوطن.
لماذا وصفت هذه الأيام بالأمل والحيرة؟
- بالفعل أطلقت على الأيام التى أعقبت الثورة خلال حكم المجلس العسكرى بالأمل والحيرة، لأن آمالنا كانت فى السماء، وكان يوجد قدر كبير من الحيرة بسبب التخبط فى قرارات المجلس العسكرى، خاصة تحالفه مع التيارات الإسلامية، مما أسفر عنه ما نحن فيه الآن من زيادة فى التخبط، وعدم انطلاق الثورة فى المسار الصحيح.
ما التحدى الذى يواجه المجتمع المصرى بعد 25 يناير؟
- التحدى الحقيقى الذى يهدد نهوض المجتمع المصرى هو عدم استكمال المسيرة التى بدأها أبناؤه من المثقفين منذ مطلع النهضة، مروراً بالأحداث التاريخية الكبرى ووصولاً إلى ثورة 25 يناير.. وعليه أن يستكمل بناء الحرية لكى يعيش عصرها ولن يتم هذا إلا إذا استردت الثقافة قيمتها فى المجتمع ويصبح المثقفون قادة الفكر والعمل، وتتاح لهم فرصة النفاذ إلى العقول والوجدان لتكوين الرأى العام المتسلح بالوعى والحرية معاً، وألا يكونوا على هامش المجتمع يتغنون لأنفسهم أو يصبحوا أبواقاً للتهليل والتبرير.
ومن هؤلاء المثقفون؟
- المثقف الذى أقصده هو ضمير مجتمعه لأنه أول من يشعر ببوادر الخلل أو التخلف فى نظام المجتمع وهو أيضاً أول من يقترح طرق العلاج، ولهذا لابد له لكى يؤدى وظيفته هذه أن يظل فى مركز الصدارة وأن يكون قادراً على التأثير وأن يقدم تفسيراً للظواهر التى تؤثر على مجتمعه، ويقدم معايير للسلوك توفر لمجتمعه إحساساً بالأمن ونوعاً من الإيمان بصلاحية القيم التى يعتنقها لمواجهة الظواهر السلبية التى تتراجع بمجتمعه وتعوقه عن التقدم.
متى تراجع دور المثقف الفاعل فى المجتمع؟
- بدأ التراجع مع ثورة يوليو 1952 فلم نر أحداً من القيادات الفكرية مقرباً من قيادات الحكم ولم يأخذوا بأى رأى جاد تقدم به المثقفون، فقد ظل المثقف المثالى فى عهد ثورة يوليو هو المثقف الموظف لا المثقف المفكر، أى المثقف الذى يتولى تجميل أفكار القادة السياسيين والترويج لها وليس المثقف الذى يعارضها أو يقومها.. بعدما كانت مكانة المثقف لدى الشعب وقيادته الكبيرة جداً مثلما كان «سعد زغلول» باشا يكن كل تقدير وإدراك حقيقى لدور الثقافة الذى يوازى دور السياسة، وقد كانت علاقته جيدة ب«قاسم أمين» و«العقاد».
كيف ترى الرئيس محمد مرسى؟
- هل من الممكن أن أعتذر عن هذا السؤال؟!
لماذا.. فالسؤال عن الأداء وليس الشخص؟
- د. محمد مرسى هو رئيس الجمهورية المنتخب وعليه أن يحترم هذا الاختيار الذى جعله يحكم باسم الديمقراطية وأن يؤمن بحق هذا الشعب فى التعبير عن رأيه وفى إعلان مطالبه وأن يكون له دور فى إدارة شئون البلاد، وعلى الشعب أن يحترم الآلية الديمقراطية فى اختيار رئيسه الذى اختاره.
هل تفاجأت من فتوى قتل أعضاء جبهة الإنقاذ؟
- المهم أن مطلق هذه الفتوى تراجع عنها ونفى أن تكون فتوى وقال «إنها رأى» ولكنه بئس الرأى كان، والعقلاء من أنصار التيار الإسلامى استنكروا هذا الرأى لأنه يفتح الباب على الجحيم ونتمنى ألا يحدث فى مصر كما حدث وقتل «بلعيد» المعارض التونسى بسبب فتوى، فهذا ينذر بأخطار جسيمة ليست على حرية الرأى، بل على الحق فى الحياة.
كيف ومتى بدأت تعلو أصوات التكفير؟
- تم هذا بعدما صودرت الثقافة فى مصر فى السبعينيات، وكان من الممنوع نشر أية أعمال لأهم كتاب مصر وهاجروا خارج الوطن، وفى الداخل لم يوجد غير أشباه الكتاب الذين افتعلوا المعارك ولم يكن لديهم غير أن يكفروا بالباطل أصحاب الأقلام وأن يدفعوهم بقوة السلطة وبطشها إلى الهجرة، وهكذا غاب عن الساحة من حملوا رسالة التنوير التى بدأها «رفاعة الطهطاوى» فخيم ظلام الفكر على مصر، وتقدم الخواء الفكرى ليملأ الساحة الممهدة بتيار التكفير الإرهابى الذى سنح له الجو ليبيض ويفرخ «عنقاء» رهيبة مازالت تخيم بجناحها الأسود فوق الجميع.
فى فترة السبعينيات ألم يسمح الرئيس أنور السادات بعودة الكتاب المفصولين؟
- «السادات» فى بداية حكمه جعل من معاداة الثقافة سياسة ثابتة له(!!) فقد كان يكن للمثقفين الضغينة ويصفهم بأنهم «مجموعة من الأفندية الحاقدين» أو «شيوعيون وملحدون» وأغلق المجلات الثقافية والمسارح الجادة رداً على رسالة بعث بها مجموعة من المثقفين تطالبه بتحديد أسلوب واضح لإزالة آثار العدوان الإسرائيلى، فقام بجرة قلم بفصلهم جميعاً من وظائفهم وكان منهم «توفيق الحكيم» و«نجيب محفوظ».. ولكنه قبل حرب أكتوبر أعاد الكتاب المفصولين، وبعدها بدأ شهر عسل قصير بينهم وبين «السادات».. فقد كانوا يكيلون له المديح ويزينون جبينه بأكاليل الغار، ولكن عندما بدأت سياساته تدخل فى متاهات وانفتاحات تثير الجدل أصبح من الصعب على المثقفين أن يستمروا فى التصفيق له، فعاد إلى سياسته الأولى من التنكيل بهم وغلق الصحف والمجلات التى تشكك فى حكمة سياساته.
كيف تمكن الفكر الإخوانى من التأثير بنسبة ليست بالقليلة على الرأى العام فى مصر؟
- هذا يتجاوز بكثير الانتخابات البرلمانية الأخيرة ونتائجها، فالتمكين والسيطرة تشمل حتى تلك الأغلبية التى تقاطع الانتخابات أو التى لا يعنيها أمرها لأن القضية هى قصة انقلاب من ثقافة ووجدان المواطن المصرى، حيث تم تدميره على امتداد ثلاثة عقود على الأقل بحنكة وعلى مهل، وللأسف لم تفلح أصوات الإنذار المبكر التى كان يطلقها المثقفون فى وقف مساره ولا فى حشد القوى لمواجهة الخطر والتصدى له، وأيضاً أسهمت فى نجاح هذا المخطط سياسات داخلية وخارجية وأموال دولية طائلة، ونزوات للتاريخ غير متوقعة، وقفزات فى وسائل الاتصال غير المسبوقة ولكننا نقتصر فى هذا الأمر على النظر فى الخلفية الفكرية والثقافية لهذا الانقلاب وعواقبه.
إلى أين سيذهب الحكم الدينى بالمجتمع المصرى؟
- لنا تجربة فى ظل الخلافة العثمانية التى وصفها د. جمال حمدان ب «الاستعمار الدينى» وهو نوع من الاستعمار باطش غريب يتستر بمفهوم الخلافة ليستنزف آخر قطرة من عرق المصريين ودمائهم تمثلت فى المنظومة الفكرية فى التسليم بحق الحاكم أياً كان سلطاناً أو خليفة فى الحكم المطلق والأمر والنهى دون أية حقوق للرعية غير الطاعة العمياء لهذا القائد الدينى.. وفى ظل هذا الحكم المهلك المستند إلى مرجعية دينية زائفة يتبرأ منها إسلامنا الحنيف عم الخراب فى مصر، وكاد المصريون يندثرون بسبب المجاعات المتكررة والمجازر والأوبئة، وهذه بعض من نتائج الحكم الدينى فى مصر.
ماذا قدم المثقفون المصريون لمجتمعهم؟
- استطاع المثقفون العظام الذين خرجوا من عباءة «محمد عبده» ومشروعه الكبير وشيدوا منظومة فكرية عصرية ومدنية عشنا فيها لمدة قرن ونصف من الزمان، ومن نتائجها إحياء فكرة الوطن التى كانت غائبة تماماً فى ظل فكرة الخلافة، وإدخال مبدأ الوحدة الوطنية والمساواة بين المسلمين والمسيحيين فى الحقوق والواجبات، ثم نفى وجود السلطة الدينية بنزع أية قداسة أو صفة دينية عن أى حاكم وأيضاً نزعها عن أى جماعة أو مؤسسة تدعى لها سلطة دينية من أى نوع، ولا يفوتنا تحرير المرأة التى كانت فى وضع أسوأ من الرقيق، والمساواة بينها وبين الرجل، ثم ظهور فكرة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحق التعليم للجميع وهذه قيم جديدة دفع ثمنها المثقفون أثماناً فادحة حتى اكتسبت مصداقيتها من خلال معارك وطنية ضد الاستبداد الداخلى والاستعمار الخارجى.
ماذا عن ظاهرة الواعظ الدينى الذى يدمج الدين بالسياسة؟
- بدأ هذا فى عصر «السادات» ولا أكن له ضغينة شخصية بل أقدر دوره فى معركة العبور، وتحرير سيناء، رغم التحفظات على ثمن السلام المدفوع، ولكن فى هذا العصر كان لابد من إخلاء الساحة من عناصر الممانعة والمقاومة للمشروع الفكرى الجديد، فتم تشتيت مثقفى النهضة والتطوير بعيداً عن مصر، وإسكات أو إضعاف من بقى منهم فى مصر، وتم جلب بدلاً منهم مجموعة من الوعاظ المهاجرين منذ العهد الناصرى إلى دول الخليج، ولم يكن هؤلاء الوعاظ استمراراً بأى شكل لشيوخ مصر العظام مثل «محمد عبده» أو تلميذه الشيخ «شلتوت» ممن كرسوا جهدهم لإظهار وتأكيد مواءمة الإسلام للعصر ولكل العصور، وأنه لا يعارض النهضة والتطور الاجتماعى، بل يحث عليهما، بل كانوا معنيين بإبعاد الدين عن قضايا التطور الاجتماعى والحض على طاعة الحاكم والمغالاة فى التركيز على الجوانب الشكلية للعبادات، وانفردوا بساحة الرأى العام وأضيفت عليهم قداسة ونسبت إليهم كرامات من ماكينة دعاية جبارة فنجحوا بالفعل فى التأثير على قطاعات كبيرة فى الرأى العام المغيب عن أى مناقشة أو عن وجهة نظر أخرى تخالفهم الرأى.
كيف تسللت جماعة الإخوان للعمل العام وقد منعت منه منذ 1954؟
- بعدما أصبح الوعاظ سلطة دينية والجماهير تقدم لهم الطاعة دخل الإخوان المسلمون المسرح فوجدوا المشهد مهيأ تماماً، فالجماهير أدارت ظهورها أو صرفت عنوة عن مكتسبات الدولة المدنية واستبدلت بالعقلانية الإذعان والدروشة، وكان الإخوان هم عصب التيارات الدينية التى لجأ إليها «السادات» للقضاء على قوى المقاومة والممانعة للردة الشاملة واتبع الإخوان أسلوب المسايرة معه وحاولوا إرضاءه بكل الطرق، وامتنعوا عن نقد سياساته نحو إسرائيل وعملوا على عامل الوقت ليحققوا مشروعهم الخاص بالسيطرة على العقول، ثم على المجتمع.
هذا التغلغل الإخوانى تم بواسطة سلطة الوعاظ؟
- كان هذا من أحد أساليبهم للتغلغل التدريجى فى المجتمع ولكنهم بدأوا بالتمكين من النظام التعليمى، فقد جندوا آلافاً من المدرسين الحكوميين، ومولوا إنشاء مدارس خاصة إسلامية التوجه والمناهج التى كانت تنصب على تلقين النصوص وإتقان الشعائر والعبادات دون التطرق إلى المعاملات أو المنهج الإسلامى لتقدم المجتمع وتغييره نحو الأفضل وأكمل التعليم الإخوانى ما يبثه إعلام الوعاظ واستفاد كل منهما من الآخر فى نشر ثقافة التلقين والطاعة والتمهيد لسلطة الدعاة والوعاظ لكى تؤتى هذه الثقافة نتائجها حينما يكبر هذا النشء، ورأينا ظاهرة حجاب النساء وكان الهدف الأهم هو إعلان الحضور فى الشارع والمجتمع والدعوة إلى اجتذاب مزيد من الأنصار.
كيف تتم أخونة المجتمع؟
- يتم هذا بإقصاء المثقفين من أنصار الدولة المدنية من رواد التنوير وتهميشهم حتى لا يكون لهم أى تأثير على الرأى العام ويحل محلهم فى منابر الإعلام وعاظ يؤسسون للسلطة الدينية، وبالسيطرة على المساجد والمدارس والجامعات والنقابات والإعلام، وتقديم الخدمات الاجتماعية والطبية فى الأحياء الفقيرة بعد تخلى الحكومات عن دورها فى تقديم هذه الخدمات، وأعمال البر والإحسان الإخوانية هى فى الأساس وسيلة جيدة لنشر الدعوة واجتذاب الأنصار.. ومن هنا يتم إضعاف الدولة المدنية مما يسهل للإخوان تنفيذ مشروعهم فى السيطرة على المجتمع، وساعدهم أيضاً فى تنفيذ مشروعهم عدم ظهور أى قوة جديدة تحمل مشروعاً قوياً ومقنعاً يتصدى للمشروع الإخوانى، بعدما حاربت الدولة الفكر الليبرالى واليسارى والوسطى بكفاءة عالية فلم يبق فى الساحة إلا الإخوان.
معنى هذا أننا سندخل مرحلة الدولة الدينية؟
- لم يكتف المشرعون الجدد بالنص الوارد فى الدستور بأن الشريعة الإسلامية مصدر التشريع فأرادوا للدستور الجديد أن يفصل اختصاصات السلطات الثلاث على أساس الشريعة الإسلامية، ثم إنهم لم يوافقوا على انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية وكان مطلباً شعبياً فتم اختيارهم وخرج الدستور كما رأيناه، ثم إنهم يقولون عن إخواننا الأقباط إن لهم كل الحق فى تولى الوظائف العامة فيما عدا رئاسة الدولة، مع أن أى دولة متحضرة لا تحرم طائفة من الحق فى تولى أى منصب حتى لو كان مجرد حق نظرى يصعب تحقيقه، وعن الثقافة والفنون يؤكدون أن الحكومة هى التى تشجع الآداب والفنون شرط أن يكون أدباً وفناً جادين وملتزمين بقيم المجتمع وثوابت الأمة بعيداً عن الإسفاف والابتذال والاستخفاف بالعقول وتسطيح الأفكار، فما هى الدولة الدينية إن لم تكن هذا بالضبط؟!
لكن هناك من يرى أن مصر مجتمع متدين وله عاداته وتقاليده التى يتمسك بها خوفاً من الانحرافات؟
- الفن والأدب لم يعرفا هذه القيود الصارمة والقابلة للتأويل حسب المزاج والتعصب إلا فى أشد عصور الانحطاط لأى مجتمع وإذا قرأ هؤلاء المتشردون أدب «الجاحظ» أو «ابن حزم الأندلسى» أو شعر «البحترى» أو «المتنبى» سيدهشون من إبداعهم الأدبى ومن درجة الحرية فى تناول موضوعات الجنس والدين بما لا يجرؤ على مثله أى كاتب معاصر ودون أن يحتج عليهم أحد فى عصرهم، فالضوابط الأخلاقية حسب الفهم المتزمت للأخلاق لا تحمى الفضيلة إنما تحمى الرذيلة وتخلى بينها وبين النفوس كما قال «طه حسين».
هل لا تقبل أى قيود على الإبداع؟
- القيد الوحيد المقبول على الإبداع هو قيد القانون العام الذى ينطبق على المبدعين مثل غيرهم.. ولهذا أشعر بخوف حقيقى من عدم الاحتكام للقضاء أو إلى أحكام النقد الأدبى، بل إلى إثارة الجماهير التى لا تعلم شيئاً من ذلك كله.. والخوف أن يثيروها من جديد بالدعاوى الأخلاقية الكاذبة لكى يحرقوا الكتب إن لم يكن الكتّاب!!
ولماذا كل هذا التعصب ضد المثقفين؟
- لأن المثقفين رغم ما أصابهم من إضعاف وتهميش هم آخر قلاع المعارضة ضد مشروع الدولة الدينية التى يرونها قريبة المنال، ولكننى ككاتب وكمسلم سأظل أرفضها وأقاومها مستهدياً برأى الإمام «محمد عبده» فى رفض أى سلطة دينية خارجية على ضمير الإنسان.
بطاقة شخصية
مواليد يناير 1935.
حاصل على ليسانس الآداب 1956.
دبلوم الدراسات العليا فى الإعلام
عمل مترجماً فى الهيئة العامة للاستعلامات 1956 - 1957.
مخرج ومذيع فى إذاعة البرنامج الثانى 1975.
منع من الكتابة 1975 فسافر إلى آسيا وأفريقيا.
عمل مترجماً فى الأمم المتحدة بجنيف 1981 - 1995.
له العديد من الروايات والمجموعات القصصية وله عشر مسرحيات مصرية.
حاصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب 1998.
نال جائزة جوزى اكيربى الإيطالية 2000 عن رواية «خالة صفية والدير».
حصل على الجائزة العالمية للرواية العربية عن روايته «واحة الغروب».
قام برد قيمة جائزة مبارك للآداب التى حصل عليها عام 2009 أثناء أحداث ثورة يناير 2011، قائلاً: «إنه لا يستطيع أن يحملها بعدما أراق نظام مبارك دماء المصريين».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.