4.203 مليار دولار صادرات مصر لكوريا الجنوبية خلال 10 سنوات    بعد انسحاب الدالي، شرط وحيد يمنح هشام بدوي أول مقعد في جولة الإعادة بانتخابات النواب بالجيزة    النزاهة أولًا.. الرئيس يرسخ الثقة فى البرلمان الجديد    جبران: مصر تؤكد التزامها بتعزيز بيئة العمل وتبادل الخبرات مع دول الخليج    6 مليارات دولار استثمارات في مصر أبرزها، 10 معلومات عن العلاقات الاقتصادية المصرية الكورية    أسعار الخضروات اليوم الخميس 20 نوفمبر في سوق العبور    الفول البلدى بكام؟ أسعار البقوليات بكفر الشيخ الخميس 20 نوفمبر 2025    لمدة 5 ساعات.. فصل التيار الكهربائي عن 17 قرية وتوابعها بكفر الشيخ اليوم    مسئول أمني: المنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط تكثف نقل مقاتليها إلى أفغانستان    استشهاد 3 فلسطينيين بقصف إسرائيلى على منزل جنوبى قطاع غزة    موعد انضمام كريستيانو رونالدو لتدريبات النصر السعودي    مواجهات قوية في دوري المحترفين المصري اليوم الخميس    الاستعلام عن الحالة الصحية لعامل سقط من علو بموقع تحت الإنشاء بالتجمع    تجديد حبس عاطل بتهمة الشروع في قتل زوجته بالقطامية    موظفة تتهم زميلتها باختطافها فى الجيزة والتحريات تفجر مفاجأة    شبورة كثيفة وانعدام الرؤية أمام حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    عرض 6 أفلام قصيرة ضمن "البانوراما المصرية" بالقاهرة السينمائي اليوم    هولندا: ندعم محاسبة مرتكبى الانتهاكات في السودان وإدراجهم بلائحة العقوبات    الصحة بقنا تشدد الرقابة.. جولة ليلية تُفاجئ وحدة مدينة العمال    وزير الصحة يتابع توافر الأدوية والمستلزمات الطبية في جميع التخصصات    مستشفى 15 مايو التخصصي ينظم ورشة تدريبية فى جراحة الأوعية الدموية    اليوم.. محاكمة المتهمة بتشويه وجه عروس طليقها فى مصر القديمة    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    براتب 9000 جنيه.. العمل تعلن عن 300 وظيفة مراقب أمن    شوقي حامد يكتب: الزمالك يعاني    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    أضرار التدخين على الأطفال وتأثيره الخطير على صحتهم ونموهم    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    محمد أبو الغار: عرض «آخر المعجزات» في مهرجان القاهرة معجزة بعد منعه العام الماضي    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    هند الضاوي: إسرائيل تكثف تدريباتها العسكرية خوفًا من هجمات «داعش»    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    المطربة بوسي أمام المحكمة 3 ديسمبر في قضية الشيكات    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    يحيى أبو الفتوح: الذكاء الاصطناعي يستلزم جاهزية أمنية متقدمة لحماية الأموال    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بهاء طاهر يجيب عن الأسئلة الحرجة:
عن المثقف والأمير.. وكيف وصلنا إلي الإخوان المسلمين؟
نشر في أخبار الأدب يوم 16 - 06 - 2012


بهاء طاهر
غيّرت الثورة كثيرا من عادات بهاء طاهر. صاحب "الحب في المنفي" كان أعلن منذ سنوات أثناء الاعتداء الإسرائيلي علي غزة مقاطعته لقراءة الجرائد، ومتابعة برامج التلفزيون، لأن طاهر من أكثر الشخصيات حساسية، يمرض طويلا عندما يشاهد في نشرات الأخبار مشاهد عنف ودمار وقتل. ربما كان هذا سرّ اكتئابه لفترات طويلة. لكن الثورات العربية غيرت هذه العادات، "يتسمر" صاحب " خالتي صفية والدير" أمام التلفزيون، يتابع بشغف وإدمان ما يجري، يخرج للمشاركة في تظاهرة أو مسيرة لمطلب ما ، أو يلتحق بأصدقاء علي المقهي مناقشا إياهم في "الأحوال"..حتي السفر لم يعد يطيقه خارج مصر...يضحك: اعتدت أن أقضي شهور الصيف في سويسرا بصحبة زوجتي، ولكن تم تقليص المدة حتي صارت اسبوعا واحدا. حتي الرواية الطويلة التي يعمل عليها منذ سنوات أجّلتها الثورة .. هي رواية عن " العدالة" السؤال الأزلي منذ أفلاطون ، كتب فيها 200 صفحة وداعبه الأصدقاء: "هذا العدد من الصفحات يكفي ، اكتب النهاية وادفع بها إلي الناشر"..يضحك لأنه لم يعتد علي " سلق" عمله الأدبي. لا تفاصيل حول الرواية التي لم يختر اسمها حتي الآن " لو تحدثت عنها لن أكتب" ربما كان هذا جزءا من أسرار العملية الإبداعية لبهاء طاهر الذي رفض بعد الثورة منصب وزير الثقافة لأنه يؤمن بأن المثقف لا ينبغي أن يكون في وزارة ما، يكفيه أن يكتب ويقول كلمته. سألته: ولكن طه حسين قبِل الوزارة في وقت من الأوقات؟ يجيب: "لست في مرحلة وحالة صحية تسمح لي بهذا المنصب. يعود قليلا بالذاكرة إلي ثلاثين عاما مضت: "كان سعد الدين وهبة مسئولا في الثقافة الجماهيرية، وعقد مؤتمرا عن " مستقبل الثقافة" وكنت في إحدي لجانه التي سماها وهبة ساخرا " لجنة الميتافيزيقيا" كانت مسئولة عن وضع أسس التغيير الثقافي في مصر، وأجمعنا علي أن أول خطوة لذلك هي محو الأمية، وتحدثنا وتناقشنا طويلا ..جري ذلك منذ 30 عاما، ولكن لم يحدث شيء، والمدهش أنني قرأت مذكرة تفسيرية لدستور 23 تشترط محو الأمية خلال ثلاث سنوات .." سألته: ولكن لو قبلت وزارة الثقافة ما الخطط التي كنت ستقوم بتطبيقها؟ يصمت قليلا قبل أن يجيب: الخطط التي يمكن أن أقوم بتطبيقها هي تطبيق حرفي لوصايا طه حسين في "مستقبل الثقافة في مصر"... هل الأمر كارثة أن نعود إلي أفكار مضي عليها أكثر من 80 عاما وكأن المجتمع لم يتطور أو يتحرك؟ يجيب: " ليس من العار أن نعترف أن هناك عقليات جبارة ، تعيش ويستمر دورها طويلا في المجتمع حتي بعد موتها، ولكن لو أردت أن أنفذ أفكار عميد الأدب العربي سأنفذها في ضوء المعطيات الجديدة، حيث وسائل الاتصال التي لم تكن موجودة أيامه..ولكن الأهم أن الفكرة الرئيسية للعميد هي:" تعليم من أجل الديمقراطية" وهو ما ينبغي أن نعمل جميعا من أجله الآن".
إهمال الثقافة في المجتمعات العربية ، وتراجع دورها هو ما جعل الساحة خالية للثقافة السلفية والإخوانية ...لذا يري : " إنها معجزة أن يكون هناك جمهور للأدب وسط الطغيان الإعلامي الترفيهي، والرياضي، ووسط التعليم البالغ الرداءة ، والأزمات الاقتصادية التي تجعل الكتاب في أدني اهتمامات المواطن العادي.. حقيقة لا أعرف حلا لهذا اللغز؟".
قضية المثقف والأمير..تحتل مكانة بارزة في مشروع بهاء طاهر الإبداعي والفكري.. هل هي خيانة المثقفين التي أوصلتنا إلي الإخوان المسلمين؟ أم أن المجتمع تتنازعه دائما العلاقة بين الجنرال والفقيه؟ سألته وأجاب:
في الحقيقة، المجتمع يتنازعه صراع بين المثقف والواعظ، ولكن منذ السبعينيات أصبحت الغلبة للواعظ. بفضل المثقف أصبحنا مجتمعا مدنيا، وبدأ ذلك بالاستقلال عن الخلافة العثمانية وفكرة الحكم الديني، ثم بدأت الحديث عن فكرة "المواطنة" التي أسهم فيها رفاعة الطهطاوي، الذي أكد أن المصريين متساوون في الحقوق والواجبات مهما كان دينهم. ثم جاء محمد عبده ليؤكد أنه لا ولاية لأحد علي عقيدة مسلم إلا ضميره، ثم كانت النقلة الحاسمة بالاعتراف بحقوق المرأة وكانت أيضا علي يد محمد عبده وقاسم أمين. كل هذه كانت مقدمات للدولة الحديثة التي انتقلنا إليها مع تسرب أفكار الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهي نقلة ساهم فيها المثقفون أمثال طه حسين ويوسف إدريس وآخرين، أجيال متعاقبة أسست للدولة المدنية، ولكن بداية من نكسة 67 بدأ المجتمع ينحّي المثقف جانبا لمصلحة الواعظ، بدعم قوي من الحاكم وتحديدا عندما تولي السادات الحكم.
ولكن أنت تعيد الأمر إلي نكسة 67؟
عبد الناصر كان مضطرا لذلك، لأنه كان يريد أن يبعث في الناس نوعاً من الأمل والإيمان بالقضية الوطنية التي لا يمكن الخلاف عليها، ومن هنا أسبغ بُعداً دينياً علي القضية الوطنية، وهذا حدث في روسيا مع الغزو النازي، بدأ هناك نوع من المصالحة مع الكنيسة الأرثوذكسية التي لم يكن مُعترفا بها، يعني في فترات الهزيمة يعود الناس إلي الدين دائما. ولكن في أيام عبد الناصر لم تكن هناك محاولة لفرض هذه الرؤية الوهابية علي الثقافة والمجتمع المصري. الذي فعل ذلك السادات خطوة خطوة حتي وصلنا الآن إلي الإخوان. ما أريد أن أوكد عليه أن الخلاف الجذري علي مدي القرن كان بين المثقف والواعظ، واستطاع المثقف علي مدي عشرات السنين أن يُحدث نقلة هائلة في لنتقل من دولة قرون وسطي إلي دولة حديثة، ولكن مع هزيمة 67 والانقلاب علي مبادئ الثورة المصرية أصبح للواعظ الغلبة، ورجعنا مرة أخري الآن إلي مفاهيم الخلافة العثمانية التي كانت " استعمارا دينيا من نوع غريب" حسب وصف جمال حمدان.. ولو لم يكن لهذا الغزو قشرة دينية لحاربه المصريون كما حاربوا التتار.
ولكن المثقف لم يكن سوي مفكر للجنرال، لم يكن يستطيع أن يحقق حداثة للمجتمع إلا مستندا علي سلطة الباشا أو الجنرال ولذا لم تبن الحداثة سلطة في الواقع مع الجمهور بقدر ما كانت تستند إلي سلطة قاهرة وقامعة؟
لن أختلف معك كثيرا، ولكن سأسألك سؤالا: ماذا كان سيصبح محمد علي لولا وجود رفاعة الطهطاوي إلي جواره؟ وسأجيب أيضا: سيكون مجرد حاكم مثل علي بك الكبير أو خورشيد باشا، لولا رفاعة ما كان محمد علي. الأمر الآخر رفاعة سافر إلي فرنسا في بعثة لتحديث الجيش المصري، إذن اقترنت حكاية النهضة بتكوين الجيش الوطني، وعلي مدي تاريخ مصر سنجد تناغما بين الجيش والحركة الوطنية. ولكن لولا وجود رفاعة بجوار محمد علي لأصبح المجتمع مثل اليمن والحجاز وهي مجتمعات لم يحدث فيها ذلك التلاقح بين الحاكم الوطني والمثقف الوطني.
تؤمن إذن أن المثقف يمكن أن يكون ناصحا للأمير أو جسرا يعبر عليه الأمير لتحقيق طموحاته؟
أعتبره " موازياً" للأمير، وأعتقد أن سعد زغلول أدرك ذلك، عندما تعامل مع عباس العقاد باعتباره الركن الأساسي للحركة الوطنية، وقبله عرابي باشا الذي اعتبر عبد الله النديم وسامي البارودي مجلس قيادة الثورة، وبدون هذه الندية بين المثقف والأمير لا يمكن أن يتحقق أي تطور.
ولكن ألا يمكن أن يعمل المثقف في مشروعه منفصلا عن السلطة بدون الاستناد إليها؟
يحدث ذلك أحيانا، وبعد وقت قد تدرك السلطة أهمية مشروع هذا المثقف، ولكن للأسف لم يحدث ذلك كثيرا، مثلا مشروع جمال حمدان في " شخصية مصر" لم يلتفت إليه أي حاكم، ولم يدرك أهميته.
وهل تعتقد أن المثقف محكوم بالأسلاك الشائكة في علاقته بالسلطة لا ينبغي أن يتجاوز هذه الأسلاك؟ مثلا عندما كتب طه حسين كتابه " في الأدب الجاهلي" استند إلي سلطة تخلت عنه فرفض أن يعيد نشر كتابه، هل لا يخوض المثقف معركته من أجل الحرية إلي النهاية؟
هناك فرق بين التراجع عن الأفكار وبين المناورة. علي مدي التاريخ الإسلامي لا يوجد من تراجع عن أفكاره إلا فقهاء السلطان الذين لا يذكرهم أحد بينما أبو حنيفة مثلا تحمل السجن والتعذيب، وفي فرنسا موليير كان جوهر أعماله ضد استبداد لويس الرابع عشر، ولكن كانت لديه مناورة في علاقته به. أي ينبغي أن نفرق بين المناورة والتراجع. ولكن أظن أن السلطة المصرية ارتكبت أكبر جرم فيما يتعلق بالثقافة وهو اللامبالاة، كان من حقنا أن نتحدث ونكتب كما نشاء ولكن لم يكن لكلمتنا أي أهمية. حتي أنني كتبت مرة أنني أحن إلي عصر الرقابة، لأن وجود الرقابة يعني أن لكلامك أهمية ما تزعج السلطة، ولكن اللامبالاة الكاملة في عصر مبارك تجاه ما نكتب لا تعني سوي أن كلامنا مجرد" طق حنك".
هل كشفت ثورة 25 يناير أن النخبة في أزمة؟ هل كشفت الحجم الحقيقي للمثقفين؟
حكاية إقصاء المثقف تمت عن عمد، بحيث تبقي كلمة المثقف بلا قيمة.
وكيف نتجاوز ذلك؟
لايمكن أن يتم ذلك بين عشية وضحاها، أعتقد أن التحاق النخبة بثورة 25 يناير كان كفيلا بعودة المثقف إلي دوره الطبيعي كقيادة للمجتمع، ولكن هذا لم يحدث لا بالمستوي ولا الحجم المطلوبين، كثيرون شاركوا في الثورة ولكن كما كان عيب الثورة نفسها أنها بلا قيادة ولم يكن لها مشروع واضح غير(العيش والحرية والعدالة)، لم يكن هناك اتحاد أو وحدة، الخلافات بين التيارات المدنية قبل الثورة لم تختلف عنها بعدها، وأعتقد أن الثورة كانت فرصة حقيقية للم الشمل، ولا تزال هناك إمكانية لهذا التوحد، وخاصة أن الثورة موجودة في الشارع، لا تنتهي، هي حالة ستظل حتي تحقق أهدافها.
وما الأخطاء التي وقعت فيها الثورة من وجهة نظرك ومتابعتك؟
التشرذم، هو آفة الحركة الوطنية من قديم الأزل، وربما منذ كان يقال "الاحتلال علي يد سعد أفضل من الاستقلال علي يد عدلي"، ربما بسبب القرون الطويلة من الاستعمار الذي كانت سياسته تقوم علي سياسة " فرق تسد"، هي التي أدت إلي أن يشك الناس في بعضهم البعض.
ولكن التيارات المدنية بطبيعتها تحمل خلافا في وجهات النظر هي ليست تنظيمات السمع والطاعة كالإخوان؟
أنا خصم فكري للإخوان المسلمين، ولكن لا ينبغي أن نستهين علي الإطلاق بالقدرات الذهنية لحسن البنا الذي أظن أنه أهم شخصية في التاريخ المصري في القرن العشرين.. ستجد أن هناك ثلاث شخصيات بارزة أثرت في القرن العشرين مصريا، سعد زغلول ، جمال عبد الناصر، وحسن البنا، انتهي القرن وقد انزوت الحركة الليبرالية، والوطنية وازداد تنظيم حسن البنا قوة ورسوخا ، لأنه أسس تنظيمه تأسيسا متينا، استطاع أن يقوم بما لم يستطعه هتلر وموسوليني، البعض يقول إن تنظيم الإخوان متأثر بالفاشية والنازية، وهذا غير صحيح ، لأن حسن البنا أهم من هتلر وموسوليني إذ لم يكن لديهم البعد الروحي الذي كان موجودا في فكرة البنا. ففي الوقت نفسه الذي أسس البنا جماعته، أسس أحمد حسين " مصر الفتاة" ولكنه لم يستمر، لأن البنا وضع مجموعة من الأسس التي تكفل عدم تشرذم التنظيم، ولذا لم تحدث انشاقات مؤثرة مثلما حدث للوفد مثلا، مجرد خروجات فكرية منذ أن خرج أحمد السكري، وحتي عبد المنعم أبوالفتوح ولكن هذا لم يؤثر علي الجسم الرئيسي للإخوان.

2
في دولة الخلافة التي تستند إلي مرجعية دينية زائفة عم " الخراب إقليم مصر" كما يصف الجبرتي ما جري، وكاد المصريون يندثرون فعلا لا مجازا بسبب المجاعات والأوبئة وبارت الأرض الزراعية بسبب إهمال الحكم لأعمال الري والصرف، ولهروب الفلاحين من أرضهم، فرارا من جباة الضرائب الفاحشة والمتكررة. وهذا أيضا ما يشير إليه بهاء طاهر في كتابه الهام" أبناء رفاعة" الذي يحاول أن يجيب فيه علي السؤال: كيف وصلنا إلي الإخوان؟
هو لم يفاجأ بنتائج البرلمان ككثيرين ، ظل يرقب لعشرات السنين ويكتب عن التصدع التدريجي, أو بالأحري عن التحطيم الممنهج لمقومات الدولة المدنية والصعود المنتظم لتيار الإسلام السياسي والذي لابد أن ينتهي إلي ما انتهينا إليه. لهذا فأنا لا أتفق مع خصوم هذا التيار الذين يرجعون النجاح الكاسح للإخوان والسلفيين إلي المخالفات في اللجان الانتخابية أو إلي الرشاوي العينية إن تكن هذه أو تلك قد حدثت فتأثيرهما ثانوي في واقع الأمر.
الحقيقة الجوهرية كما قلت هي أن الدولة المدنية المصرية تآكلت شيئا فشيئا. لقد قضينا قرابة قرنين من الزمان لبناء هذه الدولة التي أخرجتنا من عصور الظلام والتبعية التي غرقت فيها مصر قرونا طويلة, وتحقق ذلك بفضل جهود العشرات من أفضل العقول التي أنجبها هذا الوطن, وبفضل جهاد وتضحيات أجيال متعاقبة من المصريين الذين خاضوا حروبا وثورات شعبية للوصول إلي الاستقلال والحرية والمواطنة والاستنارة والعلم واسترداد كرامة المرأة في المجتمع, تآكلت هذه الدولة بفعل فاعل أو فاعلين معروفين علي امتداد نصف القرن الأخير. ولم يكن الإخوان بعيدين أبدا عن هذا الانقلاب علي الدولة المدنية, فقد ظلوا يعملون بدأب علي مدي ثمانين عاما بوسائل مختلفة لم تخل في بعض مراحلها من السلاح والعنف للوصول إلي الحكم وتطبيق حلمهم في إقامة الدولة الدينية، وقد تحالفوا مرة أخري مع السادات في السبعينيات, لكنهم كانوا أكثر ذكاء. ركزوا جهدهم علي التغيير الاجتماعي البطيء ينشر رسالتهم وقيمهم المحافظة وسط الجماهير بالتدرج في المدارس والجامعات والنقابات المهنية والإعلام الريف والأحياء الشعبية, ويسر لهم ذلك بطبيعة الحال استنادهم إلي موارد مالية هائلة أتاحت لهم إقامة المشاريع الاقتصادية وبناء المدارس والمستشفيات.. الخ ونجحت هذه الخطة في بسط سيطرتهم شبه الكاملة علي قطاعات المجتمع الذي تغيرت قيمه ومفاهيمه لتطابق فلسفتهم في الحياة. وبينما كانت السلطة السياسية في عهد مبارك تشن عليهم هجمات غشيمة متتالية, كانوا هم يحققون نصرا تلو الآخر في بسط سيطرتهم علي المجتمع. وكتبت مقالا أيامها أقول فيه إن انتقالهم من حكم المجتمع إلي حكم الدولة هو مسألة وقت لا غير. . وساعدهم النظام الذي حارب الفكر اليساري والوسطي والليبرالي علي حد سواء بكفاءة عالية، فلم يبق إلا الإخوان.
طاهر يري أن الإخوان يعيشون الآن في أزمة يسميها أزمة سيد قطب: " الجماعة عرفت قيادتين استجابا لحركة التاريخ المصري ، حسن البنا اسس الجماعة وكانت استجابة للتغيرات التي حدثت للحركة الوطنية المصرية في فترة ما بين الحربين، ثم سيد قطب الذي أدخل مفاهيم الجهاد والتغيير بالقوة، البنا حمي الإخوان، ولكن ما فعله سيد قطب أدي إلي نوع من التشرذم ، فالمجموعة التي تدير الجماعة الآن يسمونهم " العشرات" حيث قبض عليهم في الستينيات وقضوا في السجون عشر سنين، وهذه المجموعة خرج بسببها العديد من قيادات الجماعة مثل كمال الهلباوي، وأبوالفتوح ، واستمرار هذه المجموعة سيؤدي إلي أن تفقد الجماعة ميزتها .وأعتقد أن الجماعة تحتاج الآن إلي مفكر من نوع خاص يجدد أفكارها ويقودهم في مرحلة ما بعد الحداثة ..واظن ليس لديهم هذه القيادة.
3
وأسأله وإذا لم تظهر هذه القيادة هل ستنتهي الجماعة؟
يجيب: أعتقد انها ستصبح جماعة عادية أقرب إلي التنظيمات السرية الكبيرة غير مؤثرة ، وتقوم علي أساس الولاء.
يؤكد بهاء طاهر أنه يحترم كثيرا سيد قطب قبل تحولاته الفكرية، يحترمه كروائي وناقد ...هل التقاه مرة؟
يجيب: لا، التقيت حسن البنا، كان عمري وقتها عشر سنوات، وأقام سرادق كبير في الجيزة ليخطب في محبيه، وذهبت ، أتذكر الآن الكاريزما والصمت من اتباعه حتي أنك يمكن أن تسمع إلي صوت الإبرة لو القيت بجوارك."
أساله: ألم يعرض عليك في الشباب الانضمام إلي الجماعة؟
يضحك: مطلقا ، رغم أن لي أصدقاء فيها، ولكن لم يعرض علي أحد ذلك، ربما لمعرفته بكراهيتي للتنظيمات المغلقة".
أساله: اعلنت أنك ستقاطع الانتخابات..ولكن كيف ستشعر لو أخذ الإخوان الرئاسة ، ومعه البرلمان وتأسيسيه الدستور، والحكومة ...؟
يجيب: أنا أعيش الآن مرحلة كناسة الدكان، لا أطمع في منصب ولا أرغب في إثارة، ولكن حتصعب عليّ مصر جدا، تاريخ النهضة قدم المثقفون من أجله تضحيات هائلة، من فصل ، ومن سجن ومن نفي وتشرد، ومن قتل ...هذا التاريخ سينهار تماما. وارجو ألا يحدث ذلك، ولا أرجو أيضا أن يكون البديل عودة نظام مبارك.
وما توقعاتك للثورة في الفترة القادمة؟
يجيب: علي المدي البعيد الثورة منتصرة، الثورة حالة موجودة في المجتمع وأتوقع أن الثورة ستحقق أهدافها وستنتصر في مدي زمني أقل من خمس سنوات, لأن الزخم موجود ويتزايد لدي شباب الثورة.. وهم لن يتنازلوا عن الأهداف التي قامت الثورة من أجلها, وأيضا الواقع الذي أفرز الثورة مازال موجودا.. فالفساد مازال موجودا.. والعدالة الاجتماعية لم تتحقق بعد وكذلك الحياة الكريمة والحرية أيضا. يتوقف ضاحكا: صديقي عبد الرحمن الأبنودي يري أن الثورة ستنتصر بعد 12 عاما، لا اعرف لماذا وأحاول اقناعه أن امامنا فقط خمس سنوات أو أقل.ولكني أقنعته ب8 سنوات فقط".
-4-
ينتمي بهاء إلي مشروع جمال عبد الناصر ، هو ليس مشروع دولة عسكرية كما يقول وإنما " أشتراكية وطنية. ولذا لا يري أن مبارك والسادات ليس لهم علاقة بثورة يوليو، وفكرة العدالة الإجتماعية التي هي أنبل ما في الثورة.
أساله: ألا ينقص غياب الحرية في عهد عبد الناصر من مشروعه للعدالة الاجتماعية؟
يجيب: لا يدرك ذلك إلا من عاش تلك الفترة، رأيت في الأقصر أن العيد بالنسبة للفلاح عندما يأكل رغيف قمح، كان ثلاثة أرباع المصريين حفاة ، رأيت الكثير ، ولذلك لا تقدروا ما احدثه عبد الناصر. موقفي من ثورة يوليو هو الناقد لسلبياتها، وحرمت من الكثير من الامتيازات، بل كتب أحدهم تقريرا فيّ يقول فيه : " من العناصر السلبية يري النظام كله ديكتاتوري"..وظللت انتقد عبد الناصر.
أساله: هل انت ضد هتاف " يسقط يسقط حكم العسكر"؟
يصمت: سؤال شائك، أنا اعشق الجيش المصري، وقف مع الشعب منذ تأسيسه، وبطلي الشخصي هو محمد عبيد باشا الذي حارب الانجليز في التل الكبير حتي صهروا مدفعه ، وهذا أعظم نموذج للعسكرية المصرية. ولكن في الوقت نفسه أنا ضد كل ما يفعله المجلس العسكري.
أسأله: هل تري أن 25 يناير نقيض لثورة يناير.. بمعني أنها ثورة علي الثورة؟
يجيب: كتبت مقالاً ارصد في التقاطعات بين الثورتين ، هناك عنصر مفارقة ان من قام بثورة يوليو هو الجيش وأيده الشعب، أما ثورة يناير فقام بها الشعب ويقال أن الجيش ايدها ..ولكن أنا شخصيا اري أن العنصر الرئيسي بين الثورتين هي العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية ، ولو لم تكن ثورة يوليو ما كانت ثورة يناير، لأن يوليو عملت مخاض اجتماعي كبير. ثورة يوليو انتهت مع وصول السادات إلي الحكم..وثورة يناير ضد دولة الانفتاح ..انفتاح السداح مداح!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.