البابا تواضروس يغسل أرجل الكهنة في «خميس العهد» بالإسكندرية (صور)    رئيس اتحاد القبائل العربية يكشف أول سكان مدينة السيسي في سيناء    10 آلاف دارس.. الأزهر: فتح باب التقديم لقبول دفعة جديدة برواق القرآن    المجلس القومي للطفولة والأمومة يطلق "برلمان الطفل المصري"    وزير الزراعة يلتقى مع المدير التنفيذي للمجلس الدولى للتمور ويبحث معه التعاون المشترك    وزيرة الهجرة تعلن ضوابط الاستفادة من مهلة الشهر لدفع الوديعة للمسجلين في مبادرة السيارات    الموارد المائية تؤكد ضرورة التزام الفلاحين بزارعة الأرز في المناطق المقررة فقط    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    فيديو.. شرطي أمريكي يبصق على علم فلسطين خلال قمع حراك طلابي    زيلينسكي: روسيا استخدمت أكثر من 300 صاروخ و300 طائرة دون طيار وأكثر من 3200 قنبلة في هجمات أبريل    شيخ الأزهر ينعى الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    مصدر رفيع المستوى: تقدم إيجابي في مفاوضات الهدنة وسط اتصالات مصرية مكثفة    «انتقد جماهير القلعة الحمراء».. نجم تونس السابق: صن دوانز أقوى من الأهلي    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    شوبير يكشف مفاجأة عاجلة حول مستجدات الخلاف بين كلوب ومحمد صلاح    بعد صفعة جولر.. ريال مدريد يخطف صفقة ذهبية جديدة من برشلونة    كشف ملابسات فيديو الحركات الاستعراضية لسائقين بالقاهرة    كشف ملابسات فيديو التعدي على سيدة وزوجها بالقليوبية    حار نهارًا.. «الأرصاد» تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 2-5-2024 ودرجات الحرارة المتوقعة    ضبط المتهم بإدارة ورشة لتصنيع وتعديل الأسلحة النارية بالبحيرة    تحرير 30 محضرًا تموينيًا في الأقصر    الأمن تكثف جهوده لكشف غموض مق.تل صغيرة بط.عنات نافذة في أسيوط    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة من منصة الجونة السينمائية    مسلسل البيت بيتي 2 الحلقة 3.. أحداث مرعب ونهاية صادمة (تفاصيل)    كلية الإعلام تكرم الفائزين في استطلاع رأي الجمهور حول دراما رمضان 2024    رئيس جامعة حلوان يكرم الطالب عبد الله أشرف    هل تلوين البيض في شم النسيم حرام.. «الإفتاء» تُجيب    وزيرة التضامن الاجتماعي تكرم دينا فؤاد عن مسلسل "حق عرب"    وائل نور.. زواجه من فنانة وأبرز أعماله وهذا سبب تراجعه    محافظ الجيزة يستجيب لحالة مريضة تحتاج لإجراء عملية جراحية    الرعاية الصحية والجمعية المصرية لأمراض القلب تطلقان حملة توعوية تحت شعار «اكتشف غير المكتشف» للتوعية بضعف عضلة القلب    120 مشاركًا بالبرنامج التوعوي حول «السكتة الدماغية» بكلية طب قناة السويس    وزير الخارجية السعودي يدعو لوقف القتال في السودان وتغليب مصلحة الشعب    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    الانتهاء من تجهيز أسئلة امتحانات نهاية العام لطلاب النقل والشهادة الإعدادية    وزير المالية: الخزانة تدعم مرتبات العاملين بالصناديق والحسابات الخاصة بنحو 3 مليارات جنيه    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    منها إجازة عيد العمال وشم النسيم.. 11 يوما عطلة رسمية في شهر مايو 2024    مدرب النمسا يرفض تدريب بايرن ميونخ    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    محامي بلحاج: انتهاء أزمة مستحقات الزمالك واللاعب.. والمجلس السابق السبب    رئيس الوزراء: الحكومة المصرية مهتمة بتوسيع نطاق استثمارات كوريا الجنوبية    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    حادث غرق في إسرائيل.. إنقاذ 6 طلاب ابتلعتهم أمواج البحر الميت واستمرار البحث عن مفقودين    المفوضية الأوروبية تقدم حزمة مساعدات للبنان بقيمة مليار يورو حتى عام 2027    كوارث في عمليات الانقاذ.. قفزة في عدد ضحايا انهيار جزء من طريق سريع في الصين    سؤال برلماني للحكومة بشأن الآثار الجانبية ل "لقاح كورونا"    أبرزها تناول الفاكهة والخضراوات، نصائح مهمة للحفاظ على الصحة العامة للجسم (فيديو)    تشغيل 27 بئرا برفح والشيخ زويد.. تقرير حول مشاركة القوات المسلحة بتنمية سيناء    هئية الاستثمار والخارجية البريطاني توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات الاستثمارية والتجارية    دعاء النبي بعد التشهد وقبل التسليم من الصلاة .. واظب عليه    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    صباحك أوروبي.. حقيقة عودة كلوب لدورتموند.. بقاء تين هاج.. ودور إبراهيموفيتش    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عماد أبو غازي يحكي:أيام في سجن الحكومة
نشر في أخبار الأدب يوم 31 - 03 - 2012

يكتب وزير الثقافة السابق عماد ابو غازي مذكراته. يجمع حالياً وثائقه، والملاحظات التي سجلها طوال الثمانية شهور التي قضاها في " سجن الحكومة". عندما سألته: كيف تلخص هذه الفترة؟ لم يفكر طويلا.. أجاب:"إصلاحي في زمن الثورة"..
ربما كانت تلك مشكلته في الوزارة، أنه لم يلجأ إلي الصدمات الكهربائية، رغم ضرورتها في كثير من الأوقات، تماما مثلما يحترم إشارات المرور، والالتزام بالسرعات المقررة. حاول أن يغير معتمدا علي مفهوم أن "قضية وزارة الثقافة ليست المثقفين والمبدعين، وإنما قضيتها الأساسية تقديم خدمة ثقافية للمواطن المصري لا للمبدع أو المثقف المصري". يوضح فكرته:" المبدعون طرف في تقديم الثقافة للمواطنين، شركاء ومساندون في ذلك، وبإمكانهم أن يقدموا إبداعهم الفكري خارج الوزارة أو مواجهتها..كنت أريد أن ألغي فكرة أن وزارة الثقافة هي وزارة للمثقفين، لأن أحد أسباب ضعف الوزارة وقدرتها علي التأُثير أنها تعاملت مع نفسها باعتبارها وزارة المثقفين، بينما هي وزارة لتقديم الخدمة الثقافية للمواطن العادي إتاحة مساحات للنشاط الثقافي للمواطن...".
وفق هذا التصور لم يحاول أبو غازي أن يركز جهوده لإرضاء الجماعة الثقافية، لم تكن تلك قضيته، لأنه من الصعب أن " تتخذ قرارا يوافق هوي الجميع"..
في أيامه بالوزارة كان لديه مشروع خاص لإلغاء الرقابة علي السينما، أن يتحول دور الرقابة بعد الثورة لتصل إلي مرحلة التصنيف العمري للأفلام فقط، بأن يعرض الفيلم مثلا "للكبار فقط". المفارقة أن المشتغلين بالعمل السينمائي هم من اعترضوا، بل طالبوا ببقاء الرقابة لأن " التصنيف العمري معناه أن الفئة العمرية التي تتردد علي السينما ستمنع من مشاهدة الأفلام وبالتالي سيخسر المنتج الكثير". هذه واحدة من القصص الكثيرة التي واجهها أبو غازي مع المثقفين أثناء عمله.
يضحك: " لا يمكن أن ترضي بقراراتك الجميع، لابد أن تكون هناك درجة من درجات المعارضة، ولكن المشكلة أن كثيرا من الانتقادات تكون مرتبطة بمواقف شخصية، لماذا عينت فلانا؟ لماذا حصل فلان علي جائزة؟ يبتعد النقد دائما عن مناقشة السياسات الثقافية نفسها، وعندما يحدث نقاش حقيقي حول السياسات الثقافية سيحدث تطوير للواقع الثقافي".
سألته: ما هو القرار الذي ندمت عليه؟
يجيب: هناك قرارات ندمت علي أنني لم اتخذها، مثلا تأخرت في تشكيل مجالس إدارات وهيئات وزارة الثقافة المختلفة، تم تشكيل مجالس إدارات ل 60٪ من الهئيات، ندمت علي أنني لم أنته من تشكيل كل الهيئات وقصور الثقافة.
يضيف: كانت خطتي تقوم في الأساس علي ديمقراطية الثقافة بمعني اولا تحقيق اللامركزية في الادارة الثقافية بحيث لا تدار المؤسسات من خلال رؤسائها ولكن تدار من خلال مجالس ادارة لا تكون من قيادات الوزارة، ولكن تكون من شخصيات ثقافية عامة تمثل اتجاهات مختلفة واجيالا مختلفة من خارج مؤسسات الوزارة.
أساله: ولكن كان هناك اعتراضات كثيرة علي قيادات الوزارة؟ يجيب: لقد تم تغيير 50٪ من قيادات الوزارة، ولم يحدث تبديل سوي الدكتور أحمد مجاهد الذي نقل الي هيئة الكتاب، وتم النقل بناء علي المشروع الذي تقدم به لتطوير الهيئة، وهذا المنصب ظل شاغرا بعد رحيل الدكتور ناصر الأنصاري، وقد طلب الدكتور صابر عرب أن يترك المنصب للتفرغ لدار الكتب والوثائق، ورفض الكثيرون تولي مسئولية الهيئة، ولكن مجاهد قدم خطة تطوير مهمة، وهذا واضح خلال الشهور الماضية سواء في الاصدارات أو المعارض او المكاسب التي تحققت. ما كان يعنيني هو تغيير السياسات لا الأشخاص.
2
لم يكن أبو غازي في الحكومة وزيرا للثقافة فقط، كان عضوا فاعلا في لجنة الحوار الوطني مع الدكتور علي السلمي ومنير فخري عبد النور. كانت مهمة اللجنة الحوار مع القوي السياسية المختلفة لإنجاز وثيقة المبادئ الدستورية التي عرفت بوثيقة السلمي.. والتي رفضتها معظم القوي السياسية فتم تجميدها. هل كانت الوثيقي محاولة لاحتواء الثورة؟ اندهش من السؤال: لا أعتبرها كذلك، كانت الفكرة أن أن يكون هناك وثيقة تضع مجموعة قواعد تساعد في عمل اللجنة التأسيسة للدستور، وكان الدكتور علي السلمي قبل أن ينضم للحكومة قد طرح مبادرة مع عدد من القوي في صياغة وثيقة المبادئ، وعندما دخل الحكومة واسند إليه ملف التحول الديمقراطي، كان جزء من عمله وضع ضوابط وقواعد للجمعية التأسيسية، وبهذا المعني ليست الوثيقة في مواجهة مع الثورة علي الإطلاق.
أسأله: ولكن البعض اعتبر وضع المواد 9 و10 الخاصة بوضع المؤسسة العسكرية في الدستور التفافا علي مطالب الثورة؟
يجيب: الوثيقة كانت محاولة لتصحيح المسار الخاطئ الذي سرنا فيه، وهو فخ الاستفتاء، ثم الانتخابات قبل الدستور. وهذا المسار كان معظم أعضاء الحكومة ضده، وحاول وزير العدل في أول اجتماع لنا بعد حلف اليمين أن يطرح مسارا بديلا، وكان رد المجلس العسكري عليه أنه تم الاعلان عن الاستفتاء ولا يمكن الرجوع فيه.
اسأله: ولكن هل الاصرار علي هذا المسار كان مقصودا أم بحسن نية؟
يجيب: لا أستطيع أن أحكم الآن، ولكن أعتقد أنه خطأ في التقدير بحسن نية.
وماذا عن المواد الخاصة بوضع المؤسسة العسكرية؟
يجيب: لم تكن موجودة في البداية، وعندما تم وضعها ورفضتها القوي السياسية المختلفة، كان لدينا يقين أن ملاحظاتهم سوف تكون محل تنفيذ، وأدخلنا تعديلات كثيرة تلبي مطالب القوي السياسية، ولكن في النهاية لم يكتمل النقاش.
وماذا عما أثير عن " مدنية الدولة" هل رفض الإخوان أي إشارة لذلك؟
يجيب: جلسنا مع ممثلي " التحالف الديمقراطي"، ووافقوا علي نص "مدنية الدولة"..وسافرت في اليوم التالي، وعرفت وقتها رفضهم أي إشارة لمدنية الدولة، أو للحريات الشخصية، والالتزام بالمواثيق الدولية"..
اسأله الآن هل تظن أن مدنية الدولة مهددة بعد أن هيمنت حركة الإسلام السياسي علي جمعية تشكيل الدستور؟
يجيب: لا يوجد دستور في العالم تضعه الأغلبية، الدستور هو توافق الأغلبية والأقلية، هو عقد اجتماعي بين الدولة واطياف المجتمع المختلفة، ونتاج توافق قوي المجتمع السياسية والاجتماعية والدينية. لا يمكن أن تفرض الأغلبية دستورا. يمكنها فقط أن تتولي إدارة البلاد في دورة برلمانية أو في عدة دورات حسبما يتم انتخابها. ولكن إصرار " الإخوان" علي الانفراد بكتابة الدستور سيؤدي إلي عدم استقرار الأوضاع في المجتمع لفترة طويلة.
يتوقف أبو غازي: المعركة طويلة، ولا أدري لماذا يريد الإخوان أن يهدروا فرصة تاريخية لتحقيق مستقبل ديمقراطي لهذا البلد من اجل فرض رؤية واحدة علي المجتمع، الأغلبية البرلمانية والتصويت ليس حاسما في وضع دستور. لابد أن يكون ذلك واضحا".
-3-
" هل أنت متفائل؟"
قد يبدو السؤال متكررا. ولكن بالنسبة لباحث جاد في التاريخ المصري مثل عماد أبو غازي يبدو ضروريا. يجيب: " أتمني أن أكون متفائلا. ولكن رغم كل شيء أعتقد أن حاجز الخوف الذي انكسر لدي المصريين لا يمكن لأحد أن يبنيه مرة أخري بسهولة".
ولكن كدارس للتاريخ أين تقع ثورة 25 يناير مقارنة بالثورات الأخري؟
يجيب: "لو نجحت الثورة في استكمال أهدافها ستكون أعظم ثورة في تاريخ مصر من حيث الحجم والتأثير".
ما المعوقات التي تعوق استكمال نجاحها؟
يجيب: قوي الماضي لاتزال قوية، وهذا شيء تكرر في معظم الثورات المصرية، مثلا ثورة المصريين في 1805 التي اتت بمحمد علي، هي ثورة شعبية، لها قادة، ولكن لم يفكر الشعب في أن يتولي السلطة، بل ذهبوا إلي محمد علي، حتي الثورة العرابية طرحت فكرة اسقاط الخديو وإعلان الجمهورية، وهي الفكرة. في كل الثورات إما أن تاتي بشخص من الخارج تسلمه الثورة، أو تترك رأس النظام السابق أو اجزاء منه. أزمة مصر دائما في الثورة الناقصة. للأسف ثورة 25 يناير تحاربها بقايا النظام السابق بقوة، وثمة مؤشرات قادمة بقوة من البرلمان لتحجيم الثورة أيضا.
أساله: ولكن هل يمكن الرهان علي تغير الوضع علي المدي الطويل، مثلما حدث في فرنسا مثلا بعد ثورة 68.. جاء بعد الثورة أكثر برلمان يميني في تاريخ فرنسا..وبعد أربع سنوات الثورة لم تغير فقط النظام السياسي وإنما غيرت المجتمع أيضا؟
يجيب: عمليا الثورة المصرية غيرت الكثير من المفاهيم والقيم، هذا حدث. أولا كسرت حاجز الخوف، طرحت لأول مرة فكرة مدنية الدولة بعد 60 عاما علي انقلاب يوليو، وهي ايضا أول ثورة في التاريخ تعبر عن آليات عصر مجتمع ما بعد المعرفة، ثورات أوروبا الشرقية تنتمي لزمن قديم.. خلقت ايضا أدوات معرفية ووسائل جديدة..كل ذلك يميز الثورة المصرية. ومن حسن الحظ أن قوي الثورة المضادة لاتزال تعيش بعقلية الثورة الصناعية، بل بآليات عصر الإقطاع، معركة الجمل مثلا تنتمي إلي عصر ما قبل الثورة الصناعية. يضحك: " بل للعصر الجاهلي ". وبهذا المعني حققت الثورة نجاحات علي المستوي الثقافي لا يمكن التراجع عنها، هناك العديد من الفرق المسرحية والغنائية التي تشكلت في الميدان، فنون الشارع سواء الجرافيتي أو الموسيقي..كل هذه ظواهر لا يمكن التراجع عنها.
أسأله: حتي مع صعود القوي الدينية..ألا يشكل هذا الصعود خطرا علي الفن والأدب؟
يجيب: بالتأكيد سيحاولون، ولكن لابد من التصدي لهم بقوة. أي أن الأمر يتوقف علي المبدعين وقدراتهم علي الدفاع عن انفسهم. القوانين المقيدة للحريات موجودة منذ أيام الخديو إسماعيل، والمبدعون والكتاب يقاومونها طول الوقت، المهم أن نتمكن من حشد الشارع معنا في هذه القضايا، ويدافعون عن هذه الحرية، كما حدث في أعقاب الثورة العرابية أو ثورة 19، كان هناك قطاع عريض من المواطنين يتفاعل مع الإبداع..هل سننجح في ذلك وخاصة أن الإبداع محاصر طوال السنوات الماضية. عندما كنت أناقش أزمة المسرح مع كثيرين كان تصوري أن الحل يبدأ بعودة المسرح المدرسي، ذلك سيوسع قاعدة الممارسة، وتتسع عادة المشاهدة، ولكن لسنين طويلة منذ 67 تتراجع الأنشطة الطلابية الثقافية والفنية في المدارس بينما تتوغل تيارات فكرية ضد الإبداع والفن. القلق الحقيقي لديّ علي التعليم وليس علي الثقافة، وأخشي ان نزداد انغلاقا وتراجعا في ظل سيطرة التيارات السلفية علي لجان التعليم.
أساله: ألم يحدث في الثورات المصرية السابقة صعود فني وحريات..تم قمعها بعد فترة أو بعد تراجع هذه الثورات مثلما حدث في ثورة 19 حيث ظلت هناك حرية بلا حدود لعام ونصف قبل أن تصدر قوانين لتقيد الصحافة..وغيرها؟
يجيب: الوضع مختلف، أطراف الثورة لاتزال تتصارع. من سيصمد؟ ومن يتوقف عن النضال؟ إجابة هذا السؤال تجيب عن سؤالك، ولكن اظن أنه من الصعب ان تنكسر القوي المدنية.
ولكن ماذا يقول التاريخ في ذلك؟
يجيب: الثورة العرابية فشلت بتآمر دولي وتؤاطؤ الخديو والسلطان عبد الحميد، كما أن جزءا من الثوار انضم الي الخديو، وترتب علي الهزيمة انكسار الزخم الثقافي الذي مهد لها والذي بدأ مع الخديو اسماعيل وحتي السنوات الاولي من عصر توفيق. استمر الانكسار عشر سنوات حتي تولي الخديو عباس حلمي الذي سمح بالعفو عن عبد الله النديم، وعاد محمد عبده..ليبدأ زخم ثقافي حقيقي، وقد شهدت تلك الفترة بدايات تشكيل الكيانات الشعبية مثل نادي المدارس العليا، والجامعة الأهلية، ومدرسة الفنون الجميلة، مع الأحزاب والصحف. أدي كل ذلك الي التمهيد لثورة 19 وقد استمر المد الثقافي والإبداعي حتي انقلاب يوليو، وإن كان الجيل تكون في الفترة الليبرالية استمر في الكتابة مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ. بعد 52 تمت مصادرة كل الأشكال المستقلة والجمعيات الأهلية، تم حل الأحزاب، وبدأ يتراجع النشاط الثقافي المستقل.. ومع حركة 68 بدأ مرة أخري الميل للتخلي عن الدولة وبدأ المثقفون في إيجاد أشكال مستقلة، وظل ذلك مستمرا وتزايد في السنوات الأخيرة التي سبقت ثورة يناير، وربما تكون أحد الأسباب التي مهدت للثورة وهيأت المناخ لها.
اسأله: أنت تري إذن أن ثورة يناير ضد ثورة يوليو؟
-طبعا، لأن شعار مدنية الدولة الذي رفعته ثورة يناير هو شعار في مواجهة انقلاب يوليو بشكل أساسي؟
اسأله: ولكن البعض يضع شعار "المدنية" في مقابل " الدينية" لا " العسكرية"؟
يجيب: علي فكرة أول من وضع أصول تديين الدولة هو انقلاب يوليو. في صراع عبد الناصر مع تيارات الإسلام السياسي، كان الصراع علي من يمثل الدولة أكثر من الآخر. عندما بدأ الحديث عن الاشتراكية، تم إصدار الكتب التي توضح " اشتراكية الإسلام"..وعندما صدر قانون الإصلاح الزراعي كان قانونا متماشيا مع الإسلام..وهكذا. وكان عبد الناصر يعتقل الإخوان ويعذبهم في السجون ولكنه أيضا ينافسهم علي تمثيل الدين، وهو الأمر نفسه الذي فعله السادات، وأيضا عندما تم الغاء الاشتراكية كان ذلك باسم الدين. علي العكس من ذلك ما جري في المرحلة الليبرالية، عندما أراد الملك فاروق أن يتم تتويجه في الأزهر ويؤدي اليمين هناك، رفض النحاس باشا ذلك بشدة، وقال ينبغي أن تؤدي اليمين في البرلمان. الموقف واضح، ومدنية الدولة واضحة.
يضيف أبو غازي عن أسباب اعتباره يناير نقيضا لانقلاب يوليو: " نظام يوليو أمم الحياة السياسية والمبادرات المستقلة للأفراد والكيانات لتصبح تابعة للدولة، وأسس فكرة الطوائف، ليكون لكل طائفة كبير يتحدث باسمها. ثورة يناير كانت ضد ذلك بقوة، وأطلقت المبادرات المجتمعية والفردية، والكيانات المستقلة.
-4-
لم يُفاجأ أبو غازي بصعود التيارات الدينية في الانتخابات، لأن المتابع للواقع السياسي في مصر كما يقول- يعرف أن هناك سيطرة وتغلغلا لتيارات الإسلام السياسي، ما فوجئ به هو النسبة، كانت التوقعات لديه تشير إلي الإخوان يمكن أن يحصلوا علي 35٪ من مقاعد البرلمان، بينما تحصل التيارات السلفية علي 5٪ ولكن ذلك لم يحدث. أساله أين اليسار طوال السنوات التي كانت تحتل فيها القوي الدينية المشهد ؟يجيب: الخطأ الرئيسي لليسار أننا انشغلنا بالقضايا الكبري، واعتبرنا أن مناقشة القضايا اليومية للناس خطأ وانحرافا للفكر اليساري. شغلنا أنفسنا بالقضية الفلسطينية والقضايا القومية، وكامب ديفيد وتركنا الشارع. صحيح أن هذه القضايا هامة، ولكن ينبغي ونحن نهتم بها أن نوجد جذورا وقواعد في الأحياء الشعبية. تصور أن حيا مثل منيل الروضة خرج منه كل جيل السبعينيات اليساري وقيادات العمل الطلابي، هذا الحي بأكمله تحت سيطرة الإخوان. ماذا يعني ذلك؟ أننا فشلنا في أن نوجد لأنفسنا علاقة في مناطقنا السكنية. يضيف أبو غازي: وهذا أيضا خطأ القوي الثورية بعد ثورة يناير. منذ مارس كان بإمكانها أن تعمل في الشارع والمدارس والأحياء تدعو لمبادئ الثورة ولكنها ظلت في جبهة ميدان التحرير وحدها.
أساله: هل تري أن الثورة تمت سرقتها؟
يجيب: لا، هناك محاولات مستمرة لاحتوائها، وشيطنتها، والمباعدة بين الثوار وبين القطاعات العريضة من المواطنين. ولكن لا أظن أنها سرقت، هناك قوي استفادت من تاريخها في العمل في الشارع بينما القوي المدنية لم تستفد لأنها خضعت لحصار النظام السابق، داخل مقار أحزابها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.