التدبر فى كتاب الله من اسباب زيادة الايمان والثبات على الطاعة وقال تعالى {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين } آل عمران : 42 وقال {يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأنى فضلتكم على العالمين } البقرة : 47 1- قال القرطبى فى تفسيره "ج 4 ص 83" فى اصطفاء مريم : إن الاصطفاء هو على عالمى زمانها، كما قاله الحسن وابن جريج وقيل : إن الاصطفاء هو على نساء العالمين أجمع إلى يوم الصور، وهو قول الزجاج ، وهو الصحيح ، وروى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " ومعنى الكمال التناهى والتمام ، والكمال المطلق لله خاصة ، وأكمل نوع الإنسان الأنبياء ثم يليهم الأولياء من الصديقين والشهداء والصالحين ، وإذا تقرر هذا فقد قيل : إن الكمال المذكور فى الحديث يعنى به النبوة، فيلزم أن تكون مريم وآسية نبيتين ، وقد قيل بذلك ، والصحيح أن مريم نبية . لأن الله أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحى إلى سائر النبيين . ولم يرد ما يدل على نبوة آسية دلالة واضحة . ثم ذكر القرطبى أحاديث صحيحة منها "خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد" ومنها "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون" ومنها "سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم فاطمة وخديجة" وأقول الخيرية أو الأفضلية بالنسبة إلى نساء العالمين تلتقى مع ذلك بالنسبة إلى نساء أهل الجنة، وعطف الأسماء بالواو لمطلق الجمع لا يقتضى ترتيبا كما تفيده الفاء أو ثم ، لكن القرطبى رتبهن وجعل أفضلهن مريم للتعبير فى الرواية الأخيرة بلفظ "بعد مريم " والباقى منهن ليس فيه ما ينص على الترتيب بينهن لكنه رتبهن فقال ما نصه : فظاهر القرآن والأحاديث يقتضى أن مريم أفضل من جميع نساء العالم ، من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة، فإن الملائكة قد بلغتها الوحى عن الله عز وجل بالتكليف والإخبار والبشارة كما بلغت سائر الأنبياء . فهى إذا نبية ، والنبى أفضل من الولى ، فهى أفضل كل النساء الأولين والآخرين مطلقا، ثم بعدها فى الفضيلة فاطمة ثم خديجة ثم آسية ، وكذلك رواه موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ، ثم آسية" وهذا حديث حسن يرفع الإشكال . وقد خص الله مريم بما لم يؤته أحدا من النساء، وذلك أن روح القدس كلمها وظهر لها ونفخ فى درعها ودنا منها للنفخة فليس هذا لأحد من النساء، وصدقت بكلمات ربها ولم تسأل آية عندما بشرت كما سأل زكريا صلى الله عليه وسلم عن الآية ، ولذلك سماها الله فى تنزيله صديقة فقال {وأمه صديقة} المائدة :75 . وقال {وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين } التحريم : 12 إلى أن قال : ومن لامرأة فى جميع نساء العالمين من بنات آدم ما لها من هذه المناقب ، ولذلك روى أنها سبقت السابقين مع الرسل إلى الجنة، جاء فى الخبر عنه صلى الله عليه وسلم "لو أقسمت لبررت ، لا يدخل الجنة قبل سابقى أمتى إلا بضعة عشر رجلا، منهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى ومريم ابنة عمران " . ثم ذكر أن من قال من العلماء بأنها لم تكن نبية قال : إن رؤيتها للملك كما رؤى جبريل عليه السلام فى صفة دحية الكلبى حين سؤاله عن الإسلام والإيمان ، ولم تكن الصحابة بذلك أنبياء والأول أظهر ، وعليه الأكثر .