قبل جلسة مجلس الأمن بساعات.. بدء الملء الثانى لسد النهضة من قبل إثيوبيا بشكل منفرد يكشف عن تنفيذ أجندات خارجية إثيوبيا تريد إعادة صياغة الأوزان الاستراتيجية فى المنطقة على حساب مصر تقديم مبادرات عاجلة لحل أزمة السد يمنع انزلاق المنطقة نحو فوضى عارمة الدبلوماسية المصرية طوال عشر سنوات عرّت أديس أبابا أمام العالم قال الدكتور هانى رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن بدء الملء الثانى لسد النهضة بشكل أحادى من قبل إثيوبيا يكشف عن سوء النوايا الداخلية لدى الجانب الإثيوبى، وفقدان الإرادة السياسية للحل، ويعكس وجود أطراف تقدم الدعم من الخلف، بشكل يمثل ضغطاً على الدولة المصرية، ويعطى أديس أبابا مفتاح التحكم فى المياه لدولتى المصب، «مصر- السودان»، مضيفاً أن إثيوبيا لديها رغبة جامحة فى استخدام السد كأداة لإعادة صياغة الأوزان الاستراتيجية فى المنطقة. وأكد «رسلان» خلال حواره ل«الوفد» أن الدولة المصرية لجأت لمجلس الأمن لعقد جلسة تفصل فى النزاع الجارى، بغية الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، خاصة أن استمرار الملء الثانى دون تنسيق مع مصر– السودان سيخلق حالة من الفوضى العارمة، ويجعل الحل العسكرى حاضراً بقوة فى حال اضطرار مصر إلى ذلك، للحفاظ على حقوقها المائية. إلى نص الحوار... كيف ترى إعلان إثيوبيا عن الملء الثانى دون التوصل لاتفاق مع دولتى المصب؟ - هذا الأمر والتصرف يثبت أن إثيوبيا لها أجندة أخرى ذات طبيعة سياسية واستراتيجية مختلفة عما تعلنه عن أن السد له أغراض متصلة بتوليد الطاقة والتنمية، خاصة أن الإصرار على عدم توقيع اتفاق يعنى التحكم المنفرد لإثيوبيا فى كل كميات المياه، التى ستكون محتجزة خلف السد، ما يعنى أن النهر تحول إلى بحيرة إثيوبية، وملك خاص لإثيوبيا، وسوف يتم استخدام ذلك كأداة لإعادة صياغة الأوزان الاستراتيجية فى المنطقة، فى القرن الإفريقى وفى حوض النيل لصالح إثيوبيا على حساب مصر. وهذا ما ترمى إليه إثيوبيا، وهو الهدف الواضح بدءاً من سعة السد ورفضها أى اتفاق شامل أو ملزم، ولكن الطموح الإثيوبى يفتقد أى مقومات لتطبيقه فى الواقع، وأى قدرة على فرض ذلك على دولتى المصب، مصر- السودان، لأن إثيوبيا فى حالة انهيار تام ودولة فقيرة ومفككة حتى من قبل أزماتها الأخيرة التى تعصف بها الآن. إلى أى مدى تتضرر مصر من الملء الثانى لسد النهضة؟ - أولاً الضرر سيكون مباشراً، خاصة أن مصر قامت بالاستعدادات التامة الكفيلة بعدم حدوث ضرر فى الوقت الحالى، وذلك بالنظر إلى أن هناك مخزون كبير فى السد العالى، وهذا لا يعنى أن الملء المنفرد من قبل إثيوبيا ليس خطراً على مصر، خاصة أن شروع إثيوبيا فى الملء الثانى للسد، بمثابة خطوة تقرب أديس أبابا من فرض الأمر الواقع على كلٍ من مصر – السودان، وبالتالى هو مرفوض رفضاً قطعياً، سواء من الجانب السياسى والاستراتيجى والقانونى، ومصر لن تفرط فى حقوقها المائية وتقدم أى تنازلات فيما يتعلق باستخداماتها المائية السابقة، ويجب الحفاظ على كل قطرة منها. حدد مجلس الأمن جلسة لمناقشة أزمة سد النهضة.. حدثنا عن مهامه وصلاحياته؟ - مجلس الأمن مهمته الأساسية الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، والبعض كان يجادل بأن قضايا المياه تقع فى إطار قضايا التنمية، وليس فى السلم والأمن، ولكن الاجتماع المقبل سيكون استثناء من هذه المسألة، لأن ما تفعله إثيوبيا سوف يلحق ضرراً جسيماً بمصر والسودان، ويمثل تهديداً كبيراً للدولتين. ومن ثم سيكون لهما رد فعل رادع للدفاع عن أنفسهم، وإذا أصرت إثيوبيا على نهجها الحالى فسوف تنشأ حالة واسعة من عدم الاستقرار فى المنطقة، وقد أشار الرئيس عبدالفتاح السيسى، إلى أن أى مساس بحقوق مصر المائية سوف يترتب عليه عدم استقرار وساع النطاق لا يتخيله أحد. هل يدفع التعنت الإثيوبى القاهرة نحو الحل العسكرى؟ - مصر كانت وظلت- وما زالت- حريصة على المسار التعاونى لصالح شعوب الدول الثلاث، ووجود حل يخفف الضرر عن مصر- السودان، ويضمن لإثيوبيا توليد الطاقة، خاصة وأن العلاقة تقوم على تقاسم المصالح والاشتراك فى التنمية، وعلى سبيل المثال وثيقة واشنطن تعبر عن واحدة من هذا الحلول التى فى متناول اليد، ولكن إثيوبيا تتعنت ومصر غير راغبة فى الحل العسكرى، ولكن إذا اضطرت إلى ذلك فسوف تفعل لأن البديل هو مصادرة مستقبل شعب وقدرته على البقاء، وذلك لا يمكن قبوله أوالسماح به تحت أى ظرف من الظروف ومهما كانت التبعات. متى تعتبر مصر أن المسار السياسى لأزمة سد النهضة قد انتهى؟ - فى الحقيقة إن هذا مسألة وقت، لاسيما أنه فى افتتاح قاعدة 3 يوليو صرح الرئيس «السيسى» بأن التفاوض ليس مسألة أبدية، والآن إثيوبيا أعلنت رسمياً عن الملء الثانى، وهو لحسن الحظ ملء محدود يضيف 3 مليارات متر مكعب من المياه، بإجمالى نحو 8 مليارات متر مكعب، ولكن ذلك يحتفظ بالخيار العسكرى قائماً، خاصة أن التخطيط كان لتخزين يصل إلى 18,5 مليار، وهو ما كان يحول دون أى تحرك عسكرى تجاه السد. ولا بد أن تكون هناك فرصة أمام المجتمع الدولى، والولايات المتحدةالأمريكية، لتقديم مبادرة تحقق التسوية العادلة الشاملة الملزمة، تمنع انزلاق المنطقة إلى فوضى عارمة، لأن القرن الإفريقى متشابك، وبالتالى ستكون هناك حالة من الفوضى التى لا يمكن السيطرة عليها. كيف ترى الموقف الأمريكى من الأزمة رغم تعنت الجانب الإثيوبى؟ - هناك نوع من التغير للموقف الأمريكى تجاه أزمة سد النهضة، لأن أمريكا فى البداية كانت تقترح أن يكون هناك اتفاق جزئى بشأن الملء الثانى لسد النهضة، وهذا الاتفاق كان مطلباً إثيوبياً يكرس هيمنة إثيوبيا على المياه، وسيكتسب السد حصانة عسكرية، وإثيوبيا تستمر فى التعنت وتفرض الأمر الواقع. لكن الآن الموقف تغير عقب، اكتشاف أمريكا تعنت إثيوبيا، وكذلك تأثير تصرفات آبى أحمد فى الداخل، والموقف الجديد يقول إنه لابد من الوصول لاتفاق يضمن الأمن المائى المصرى، والسودانى، فى مقابل الحفاظ على متطلبات الطاقة لإثيوبيا، ولكن إلى الآن لا توجد خطة عملية ومقترح محدد على أرض الواقع لهذا الأمر، ومصر طالبت واشنطن مؤخراً من خلال زيارة الوزير عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات، واشنطن بأن تكون هناك مبادرة جديدة محددة فى هذا الإطار يجرى العمل عليها، لأن مفاوضات الاتحاد الإفريقى وصلت لطريق مسدود حتى الآن. البعض يتحدث عن وجود أطراف داعمة لإثيوبيا للتضيق على مصر.. مدى صحة ذلك؟ واضح أن إثيوبيا لم تكن تستطيع استكمال بناء السد لولا الحصول على دعم من الأبواب الخلفية، بمعنى أنه يقدم كقروض للتنمية تحول تمويل عملية بناء السد، وعلى الجانب الدولى الصين ساهمت كثيراً، والشركة التى تنفذ السد إيطالية، وتركيا تقدم دعماً كبيراً لإثيوبيا وعرضت عليها تقديم خبرتها السابقة فى إقامة السدود، أيضاً إحدى الدول العربية الخليجية تقدم مثل هذا الدعم، والسودان كان متحالفاً مع إثيوبيا طوال عشر سنوات حتى يونيه الماضى، ويتخذ صفها فى المفاوضات، لكن اكتشف الحقيقة المرة، متأخراً جداً، وأنه سيتعرض لمخاطر كثيرة من هذا السد. أهمية تعزيز مصر علاقتها بدول حوض النيل عبر اتفاقيات عسكرية؟ - هى اتفاقيات تعاون أمنى ومعلوماتى أكثر من أى شىء آخر، ولها أهمية بأن هذه الدول على علاقة وثيقة وتعاون مع مصر، وليس كما تحاول إثيوبيا أن تصور أنها تتحدث باسم دول حوض النيل، وتحاول أن تصور أزمة السد باعتبارها خلافاً بين العرب والأفارقة، فى الشمال والجنوب. وتلك الاتفاقيات تثبت أن المواقف مغايرة لما تحاول أن تروجه إثيوبيا، وأن مواقف التعنت وخلق الأزمات وتهديد الأمن والاستقرار هى مسألة تخص إثيوبيا بشكل منفرد ولا تخص كل دول حوض النيل، بالتالى يظهر الموقف الإثيوبى على حقيقته أمام العالم. أهمية حشد الدعم العربى لحقوق مصر والسودان فى مياه النيل أمام مجلس الأمن؟ - طبعاً هى مسألة مطلوبة وتعطى ثقلاً سياسياً ودبلوماسياً، وعلى الجانب الآخر أرسلت أديس أبابا مذكرة ترفض موقف الجامعة العربية، وقالت إن ذلك يمثل موقفاً معادياً للاتحاد الإفريقى، وتحاول أن تدق إسفين فى العلاقات العربية الإفريقية، وذلك عارٍ من الصحة خاصة أن الجامعة العربية توجد منها عشر دول فى القارة الإفريقية، بالتالى أوراق إثيوبيا التى كانت تحاول اللعب بها بدأت تتساقط مؤخراً ورقة بعد أخرى. وذلك نتيجة جهد وعمل دبلوماسى وسياسى دؤوب تم خلال السنوات الماضية، ونتائجه تبرز الآن فى وضع إثيوبيا المنكشف سياسياً واستراتيجياً وقانونياً وفنياً أمام العالم أجمع.