لا تزال فعاليات الثورة المصرية متوقفة منذ بدايتها وحتى الآن، أمام أبواب وزارة الداخلية المصرية سواء على صعيد المظاهرات أو المواقف من الحريات، كما تظل الوزارة بوزيرها –أيا كان اسمه-وسلوك ضباطها وجنودها محل هجوم وإدانة واستنكار من القوى السياسية الحاكمة والمعارضة على حد سواء. يتغير الوزير تلو الآخر -ولكل منهم رؤية ومنهج - لكن حال النقد على حالها، وإذ حاول كل وزير أن يغير شيئا على صعيد سمعة الوزارة أو منهجها أو يظهر أنها تغيرت بعد الثورة، فالبادي أن الأمور تعود سيرتها الأولى من قبل الإعلام والرأي العام والأحزاب مع أول مظاهرات تجرى، ومصر لم تتوقف فيها المظاهرات على مدار العامين، بما جعل الأمور تدور في حلقة مفرغة. لقد جرت مناقشات في مجلس الشورى حول حالات العنف والقتل التي جرت خلال الأحداث التي شهدتها البلاد مؤخرا من بورسعيد إلى قصر الاتحادية إلى المواقع والمدن الأخرى، فانطلق الهجوم من كل الأحزاب على وزارة الداخلية وممارساتها، ولم يكن هناك من يحاول الموازنة بين وقائع العنف من الداخلية ووقائع العنف في الهجوم على أفرادها ومقراتها، إلا القليل - يعد على أصابع اليد – وهو ما أظهر عمق استمرار الاحتقان بين القوى السياسية بكافة أطيافها بما في ذلك الحزب الحاكم.. ووزارة الداخلية. ولعل ذلك هو ما دفع المتحدث في الجلسة نيابة عن وزير الداخلية يذكر الحضور بطريقة مهذبة بأن الوزارة تتعرض لهجوم حاد من الآخرين بسبب مواجهتها المظاهرات التي كان مقررا لها الهجوم على مجلس الشورى نفسه. وزارة الداخلية تبدو في وضع لا تحسد عليه. فهي من ناحية الموقع والجغرافيا تكاد تسد على مقرها كل المنافذ، إذ جرى سد كل الشوارع التي تزحف منها المظاهرات – وما تزال-بحوائط من الكتل الأسمنتية . وهي إذا قاومت الفوضى وأعمال البلطجة وتصدت لأعمال اقتحام أقسام الشرطة وقصر الاتحادية باتت مدانة تحت شعارات أنها لم تتغير وأنها تمارس العنف ضد متظاهرين سلميين. وهي إذا عادت لموقف المتفرج هنا أو هناك –كما كان الحال عليه بعد الثورة-جرى الهجوم عليها باعتبارها لا تؤدي دورها، ويصل الأمر حد الهجوم عليها باعتبارها مناوئة للنظام الحالي ولا يزال فلول النظام السابق يتحكمون بها. وحين تقرر قيادتها عدم تسليح المتصدين من ضباطها وجنودها للتظاهرات، إلا بالغازات المسيلة للدموع دون طلقات الرصاص يتعرض الضباط والجنود لهجمات بالأسلحة النارية، فتظهر حالات احتجاج من هؤلاء ضد قيادات الوزارة بسبب عدم كفاية التسليح بما يجعل البلطجية وممارسي العنف المسلح في غاية الاطمئنان حين إطلاق الرصاص على الشرطة. وعلى الصعيد الشعبي، فالرغبة معلنة وواسعة بطلب تحقيق الأمن وإنهاء فوضى قطع الطرق وخطوط المترو والقطارات عبر قيام الشرطة بأداء مهامها، لكن التخوف معلن أيضاً من عودة الشرطة إلى أساليبها في السطوة والاستبداد والفساد . والساسة في البلاد ينشدون تغيير سلوك الشرطة وأن تتحول إلى الاهتمام بالأمن الجنائي، بينما الحدث السياسي يفرض نفسه على أسوار الوزارة وفي كل مكان من منشآت الدولة تتولى حراسته. حال الموقف من وزارة الداخلية يلخص أوضاع كل الوزارات أو يلخص أحوال مصر كلها. الثورة لا تزال واقفة على باب وزارة الداخلية عمليا وسياسيا. لكن الغريب أن الأمور لا تتحرك للأمام كثيرا دون أن يبدو انزعاج حقيقي لدى أطراف محددة، وكأن هناك من هو راض باستمرار الوضع الراهن. نقلا عن صحيفة الحباة