تواجه وزارة الداخلية اتهامات بالتقصير وخاصة فى التصدى لما أصبح يطلق عليه «الجرائم السياسية» المتمثلة فى اغتيال بعض النشطاء السياسيين كما حدث فى موقعة الاتحادية التى راح ضحيتها الناشط والصحفى الحسينى أبو ضيف، فضلاً عن حرق مقار الأحزاب والصحف المستقلة ومدينة الإنتاج الإعلامى والمحكمة الدستورية بل وصل التهديد إلى محاصرة أقسام الشرطة.. فى المقابل تبرر الداخلية موقفها بأنها على حيدة تامة فى ظل الاشتباك والالتباس فى المشهد السياسى خشية أن تحسب على طرف بعينه، أو أن يتهمها أى من الطرفين بأنها «الطرف الثالث» الذى صار المتهم رقم «1» فى كافة الأحداث التى لم تصل التحقيقات لنتيجة لها، وما بين الاتهامات للداخلية ورد الوزارة.. تحقق «أكتوبر» فى هذه القضية الشائكة مع استطلاع آراء نخبة من خبراء الأمن والمحللين السياسيين وخبراء علم النفس. اللواء فادى الحبشى الخبير الأمنى قال ل أكتوبر: إن الأحداث الجارية وهذا العدد الكبير من الجرائم السياسية يجبر وزارة الداخلية أن تكون على حيدة تامة من جميع القوى السياسية حيث إنها لا تستطيع أن تقوم بفض المظاهرات بالقوة وخاصة أن هناك طرفين فى الشارع السياسى فى حالة صراع، كما أن الجرائم تتم بأسلوب جماعى مثل حرق مقرات حزب الحرية والعدالة ومقر حزب الوفد وحصار المحكمة الدستورية ومدنية الإنتاج الإعلامى وغيرها من تلك الاعتداءات المنظمة على المنشآت العامة والخاصة لذا فإن أى تدخل من قبل الشرطة يعنى أنها أصبحت طرفاً ثالثاً فى هذا الصراع لهذا من الحكمة أن تكون وزارة الداخلية بعيدة كل البعد وخاصة فى ظل الحالة السياسية المتوترة الحالية فالتعامل من جانب الشرطة والتدخل يعنى حدوث كارثة ويزيد من اشتعال الموقف وخاصة أن المواطن أصبح يرى بعد ثورة 25 يناير أن تدخل الشرطة أحياناً قد يكون بطريقة لا تلتزم بتطبيق القانون، فى وقت لم تستعد الداخلية عافيتها بالكامل كما أن لديها الكثير من الملفات فهى تعمل فى سيناء بعدد كبير من القوات وكذلك فى الجرائم الجنائية وتعمل على تأمين المنشآت العامة والحفاظ على الأرواح وحماية المظاهرات وغير ذلك، لذلك فإن الصالح العام يقتضى أن تنأى بنفسها بعيداً عن الأحداث السياسية وعلى المتظاهرين الالتزام بسلمية المظاهرات. الشرطة السرية الشرطة السرية قال إن أعدادها بسيطة وتسليحها خفيف وفى نفس الوقت أصبحت مستهدفة من قبل المواطنين لذلك فهى تعمل فى ظروف غاية فى الصعوبة ولابد أن يعلم الجميع أن وزارة الداخلية لا تستطيع الضرب بيد من حديد فى الجرائم السياسية ولكن تستطيع فرض القانون فى الجرائم الجنائية، مشيراً إلى أن من سلبيات ثورة 25 يناير الخلط ما بين الحرية والفوضى ولكن لابد أن نتحمل تلك السلبيات لفترة حتى يستقر الوضع السياسى مشدداً على أن الانفلات الأمنى سوف ينتهى وتعود البلاد إلى الاستقرار فى الغد القريب مطالباً بإعطاء وزارة الداخلية فسحة من الوقت لتوفير أدلة تدين المتهمين فى تلك الجرائم السياسية حيث إنها مشغولة فى الكثير من الأحداث المتلاحقة لذا يجب التعامل بحكمة حتى يتم تقديم متهمين بأدلة ليأخذ القانون مجراه وأى اتهام لرجال الشرطة بالسلبية فى ظل تلك الخسائر فى الأرواح ما بين الضباط والجنود والمركبات هو غير منصف فالشرطة تتعامل مع الأحداث بضبط النفس. المنع والقمع من جهته أكد اللواء محمد ربيع الخبير الأمنى والقانونى أن موقف وزارة الداخلية مرتبك للغاية فى ظل تنازع تيارات سياسية مختلفة كل منها له اتجاه مختلف، فى نفس الوقت هناك عناصر أمنية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنظام الرئيس السابق بل إن بعضهم له ولاء لهذا النظام السابق ويعادى الثورة والثوار ولا يعترفون بالثورة لذلك يتبعون سياسة القهر ولا يعترفون بحقوق الإنسان، استمراراً لما كانوا يمارسونه من كل أنواع البطش والعدوان ونهب المال العام وللأسف الشديد أن معظم الضباط الشرفاء تم استبعادهم من هيئة الشرطة وإحالتهم إلى التقاعد وخاصة من لديهم القدرة على فرض الأمن مما أدى إلى استمرار حالة الفوضى الأمنية حتى أصبح الأمر غاية فى الصعوبة وكلما يتقدم الوطن خطوة إلى الإمام سرعان ما يعود خطوتين إلى الخلف، ومن جانب آخر فإن القيادة السياسية لم تأخذ خطوتها اللازمة للتطهير وهو فرض وواجب بعد ثورة 25 يناير وليس فى وزارة الداخلية ولكن فى كل قطاعات الدولة وجميع الهيئات «المفصلية» حيث إن التغيير يشمل الأشخاص ومناهج الأداء وغياب ذلك أدى لحالة من الفوضى فأصبح لا يدرى المقتول لما قُتل والقاتل لما قتل فلابد أن يتم إدارة شئون البلاد بمنطق علمى يغلب عليه المصلحة العامة، مشيراً إلى أن وزارة الداخلية ليست فى الحالة الصحية التى تؤهلها لفرض السيطرة التى تتمثل فى «المنع» وكذلك «القمع» ويتمثل المنع فى منع حدوث الجرائم والقمع فى ضبط الجرائم وقت حدوثها وتقديم المتهمين للعدالة ولكن الوضع الأمنى الحالى يؤدى إلى ارتفاع الجريمة وزيادة العنف. ويرى اللواء عمر الطاهر الخبير الأمنى ووكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشعب سابقاً أن استخدام وزارة الداخلية كذراع سياسى خطأ كبير وهذا ما قام به النظام السابق بالزج بالشرطة فى النزاع بينه وبين معارضيه مع العلم أن سياسة وزارتى الدفاع والداخلية تعتمد على الحل السياسى قبل الأمنى، وعندما تتوفر المظلة القانونية والدستورية سوف يعطى ذلك لوزارة الداخلية وضعاً أفضل من الحالى حيث إنها سوف تعمل فى ظل الدستور والقانون ويستطيع رجال الشرطة العمل فى أمان بعيداً عن الصراع السياسى وفى تلك اللحظة تستطيع الشرطة القضاء على الانفلات وسوف يتم فرض القانون والسيطرة على الشارع السياسى ومنع الفوضى الأمنية وعلى القيادة السياسية طمأنة الجهاز الأمنى بكامله وعدم إقصاء أحد من قيادات الشرطة وعلى الوزارة أن تقبض على الفاعلين فى أحداث البلطجة الأخيرة والتصدى لمحاولات نشر الفوضى. ويضيف اللواء نبيل فؤاد الخبير الأمنى أن وزارة الداخلية فقدت قاعدة البيانات أو الذاكرة الخاصة بها عندما تم تدمير وحرق وثائق جهاز مباحث أمن الدولة والتى كانت مصدر معلومات مهم للأجهزة الأمنية فى مصر عن الأنشطة المختلفة والتاريخ الإجرامى لكثير من المتورطين فى الأحداث الحالية، فضلاً عن الخوف الشديد من تكرار تداعيات ثورة 25 يناير وما حدث للشرطة عندما حاولت التصدى للجماهير وكانت من وجهة نظرها أن تلك الجماهير كانت خارجة عن القانون ولكن كان مصير وزير الداخلية ومساعديه السجن، إضافة إلى هروب السجناء والكميات الكبيرة من الأسلحة التى تم سرقتها عند اقتحام أقسام الشرطة والمهربة من دولة ليبيا كل هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى السلبية التى نشاهدها من جانب جهاز الشرطة مما جعل المتظاهرون يتمادون فى المزيد من العنف. موقف الحياد ويشير مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين السابق إلى أن الداخلية دائماً كانت تستخدم كأداة من أدوات القمع فى يد الحاكم وفى الفترة الأخيرة أصبحت تأخذ اتجاها مهنيا على أنها ليست طرفاً فى النزاع السياسى ولكن هذا الاتجاه لم ينال تأييداً من النظام الحاكم على الرغم أنها خطوة مدنية ومتقدمة سوف تصب فى مصلحة الجميع فى المستقبل وقد شاهدنا شل حركة الشرطة بدليل ما يحدث أمام المحكمة الدستورية وأمام مدينة الإنتاج الإعلامى وفى حال اصدر قرار من الرئاسة بفرض الأمن ومنع تعطيل مؤسسات الدولة من أداء واجبها فإن هذا يصب فى مصلحة وزارة الداخلية وعلى القيادة السياسة أن يكون لها موقف محدد من حصار مؤسسات الدولة والتهديد بالقتل والحرق وقد ظهر بكل وضوح غياب دولة القانون وأن السبب ليس وزارة الداخلية ولكن السبب صمت القيادة السياسية مشدداً على أنه ليس مطلوباً من الشرطة أن تكون طرفاً فى مذبحة أخرى. ويرى الكاتب الصحفى والمحلل السياسى سعد هجرس أن المعلومات الأساسية والبيانات ليست متاحة لتقييم الصورة فالموقف غامض فهل موقف الداخلية يعود إلى نقص الإمكانيات البشرية والمادية أم أنه موقف سياسى أم أن يد الداخلية مشلولة من القصر الرئاسى فنحن نريد توضيحاً للصورة وكشف ما بداخل هذا الصندوق الأسود الذى لا نعرف عنه شيئاً والبداية لابد من كشف حقيقة ما حدث من حرق وهجوم على أقسام الشرطة واقتحام السجون، ولكن من الواضح أن الرئاسة تمنع توجيه ضربة أمنية لهؤلاء الخارجين عن القانون ولن نعلق الأزمة فى عنق وزارة الداخلية ونحملها المسئولية. ويرى محمد عثمان نقيب محامى القاهرة أن وزارة الداخلية تقف موقف المتفرج وهو غير مقبول مستنكراً غياب دور رجل الأمن وأنه يتعين على النظام إصدار قرار من الرئيس يخاطب وزارة الداخلية بأداء واجبها فى إطار القانون وخاصة أن الجرائم قد تجاوزت الحد المقبول وغياب سيادة الدولة جعل وزارة الداخلية تخشى من بطش وقيام أنصار هولاء المتهمين بالاعتداء على مبنى الوزارة فلابد من توفير الحماية القانونية لرجال الشرطة. وعن التركيبة النفسية لرجل الشرطة المصرى بعد ثورة 25 يناير ترى الدكتورة منال زكريا أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة أنه بعد الثورة فقد رجال الشرطة الثقة فضلاً عن إحساسه بالفشل حيث إن النظرية النفسية والسلوكية مفادها أن الشخص الفاشل ينسب الفشل لشىء خارج عن إرادته فالسلوك دائرة مغلقة وتتكرر المحاولات ما بين النجاح والفشل وكذلك هناك أزمة حقيقية داخل وخارج جهاز الشرطة حيث اعتاد رجال الشرطة على سلوك معين فى التعامل مع الأحداث ولابد أن يتغير هذا السلوك إلى جانب الأحداث التى تتم بوتيرة سريعة، لذلك لابد أن يعاد النظر تجاه الشرطة.