تعيش مصر منذ قيام الثورة وحتى الآن، فوق فوهة بركان، مرشح للانفجار يوميا بسبب فرقاء سياسيين يتمترس فريق منهم خلف الشرعية والصندوق، فيما يتصلب الطرف الآخر خلف المتظاهرين ومطالب الشارع، لكن ثمة ثمنا باهظا يدفعه الوطن من هيبته جراء ذلك ومواطنين يتساقطون إثر مواجهات دامية بين بعضهم البعض تارة، وبين الشرطة والمتظاهرين تارة أخرى، لتخضب دماء الفريقين الزكية ذلك الشارع السياسى الذى أدمن رموزه - عقب انتهاء الاشتباكات - إطلاق مبادرات الحوار الوطنى أو ما يسمونها بمبادرات «الشو الإعلامى». «صباح الخير» تفتح ملف «الشرطة والمتظاهرون» الشائك لتكشف بالتفاصيل حقيقة توريط الشرطة فى مواجهة الشعب بأوامر من النظام الحاكم، وأبعاد مخطط إنهاك الداخلية فى المظاهرات، وأسرار ارتداء جنود الأمن المركزى لأول مرة خوذة التمرد والعصيان، وكواليس زيارة رئيس الوزراء هشام قنديل ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم إلى مقر رئاسة الأمن المركزى بالدراسة، ووقائع إصرار الضباط على تأسيس كيان نقابى باسم «نادى ضباط الشرطة» لتحقيق مطالبهم، ومدى تقبل القيادات العليا فى وزارة الداخلية لهذا الكيان الوليد. بداية ثورة الغضب فى صفوف الضباط والجنود، جاءت عقب إقالة وزير الداخلية السابق اللواء أحمد جمال الدين من منصبه، فرغم الجهود الملموسة التى بذلها الرجل أثناء فترة خدمته، لكن الإقالة جاءت مفاجئة للجميع ودون إبداء أى أسباب سوى ما تم تسريبه بأن قواته قصّرت أمنيا فى حماية قصر الاتحادية أثناء الاعتداء عليه من قبل المتظاهرين، وليس تلبيةً لطلب حازم صلاح أبوإسماعيل بإقالته لقيام اللواء جمال الدين بواجبه فى حماية مقر صحيفة الوفد وتفريق جماعته التى اعتدت عليها. ∎ العصيان المشهد الثانى هو تعيين اللواء محمد إبراهيم الذى تطارده بعض الأقاويل بأنه ورّط رجاله فى مواجهة «بدون تسليح» مع المتظاهرين تلبية لأوامر النظام الحاكم، وأن هناك مخططا لإنهاك الشرطة فى المظاهرات، وازدادت هذه الأقاويل عقب إصابة 021 من أفراد الأمن المركزى منهم 02 مصابا بالخرطوش والرصاص الحى فى الاشتباكات التى دارت بين قوات الشرطة والمتظاهرين بالقرب من كوبرى قصر النيل، وحرق المتظاهرين لمدرعتين تابعتين للشرطة، إضافة إلى قيامهم بأسر ضابط شرطة برتبة «عميد» من قوات الأمن المركزى المكلفة بتأمين محيط السفارة الأمريكية مما شكّل ضربة موجعة للشرطة. المشهد الثالث هو تصاعد أعمال العنف وتزايد حدة الانتهاكات فى القاهرة لدرجة ارتفاع أعداد المصابين من رجال الشرطة فى موقعة إلقاء المولوتوف على قصر الاتحادية إلى 51 مصابا، وفى مدن القناة سقط 34 قتيلا، من بينهم اثنان من عناصر الشرطة، وأكثر من ألف مصاب، منهم 273 مصابا من رجال الشرطة. المشهد الرابع هو إعلان ضباط وجنود الأمن المركزى الإضراب عن العمل، ورفض أوامر قياداتهم بحماية المنشآت، ردا على رفض الوزير البت فى طلبات تسليحهم أثناء أدائهم مأمورياتهم خاصة مكافحة الشغب، وعلى أثر ذلك قام رئيس الوزراء هشام قنديل ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم بزيارة إلى مقر رئاسة الأمن المركزى بالدراسة لاحتواء ثورة الغضب التى اشتعلت فى صفوف الضباط والجنود. ∎ تسييس الشرطة هكذا الصورة، لكن أبعادا أخرى للصورة كشفها المقدم محمد صلاح أحد ضباط الأمن المركزى ومعلم فى معهد ضباط الأمن المركزى الذى سألته «هل الشرطة تائهة بين حماية الرئيس وجماعته، وبين حماية المتظاهرين والمعارضة، وبين حماية البلد ومنشآتها؟»، فأجاب قائلا: الشرطة هى جهاز وطنى يعمل لصالح هذا البلد، ولا ينحاز لمصلحة فصيل دون آخر، بمعنى أنك «لو كنت طبيبا بالمستشفى الميدانى وجاءوا لك برجل مصاب فى اشتباكات ما، فالمؤكد أنك ستعالجه على الفور أيا كان انتماؤه السياسى»، هكذا يؤدى رجال الشرطة دورهم المحدد فى التصدى للمخربين المندسين فى المظاهرات وحماية المنشآت والمواطنين السلميين بصرف النظر تماما عن تصنيف المشاركين فى هذه المظاهرات سواء كانوا إخواناً أو مدنيين أو غير ذلك. ولفت الانتباه إلى نقطة مهمة: للأسف، الشرطة يتم تسييسها على الدوام، أى أنها تعبر عن النظام الحاكم الذى اختاره الشعب ولا تعبر عن الشعب، وبالتالى الحسبة كلها سياسية، وتابع قائلا: «استفدنا من النظام السابق وتعامله مع الثورة فيما يتعلق بالوقوع تحت مظلة المحاكمات بدعوى إطلاق نار على متظاهرين»، مشددا: «لن نقع فيها مرة أخرى، لذلك لم تتدخل الشرطة فى الاشتباكات التى وقعت بين المؤيدين والمعارضين للرئيس أمام قصر الاتحادية حتى لا يتم توريطها». ∎ إنهاك الأمن المركزى وفسر المقدم صلاح، عاصفة الغضب الأخيرة التى اجتاحت صفوف رجال الأمن المركزى بقوله إن ما حدث مؤخرا من تزايد أعداد شهداء الشرطة أثار حفيظة الضباط والجنود المكلفة بتأمين المظاهرات لتأكدهم أنهم يستخدمون كدروع بشرية يواجهون الرصاص الحى والمولوتوف والحجارة «دون تسليح»، بل ظلوا على هذا الوضع لعامين متواصلين ومحرومين من الدفاع الشرعى عن أنفسهم، إلى أن فاض بهم الكيل. وأشار إلى أن تعليمات القيادات العليا فى وزارة الداخلية بعدم تسليح الضباط لم تكن خوفا على الشعب من القتل لكنها خوفا من تعرضهم للسجن، فلو أصدرت القيادة تعليمات بحمل السلاح فى المظاهرة سيتم إيقافها لكن رد الفعل المتوقع أن القيادة ستدخل السجن برفقة الضباط. وكشف المقدم صلاح عن أن جهاز الأمن المركزى يتم إنهاكه واستهلاكه دائما من خلال إرسال قواته لتأمين مظاهرات عند كوبرى قصر النيل وقصر الاتحادية وروكسى فى ذات التوقيت، وكلما اتسعت مناطق التظاهرات يتم اللجوء للأمن المركزى للتعامل معها حتى أصبحت طاقة الجهاز الشرطى مشتتة ما بين تأمين المظاهرات ومواكب الوزراء والمسئولين وملاعب الكرة وغيرها بعيدا عن عملها الأصلى. وعن المطالبات المتعلقة بتطوير جهاز الأمن المركزى خلص إلى القول إن المطلب الأول يتمثل فى أن هناك حاجة ماسة إلى قانون يفصل بين الحالات التى تتطلب استخدام السلاح فيها حتى لا يتم الزج بضباط الشرطة فى السجون رغم أنه يدافع عن نفسه أو عن المنشأة المكلف بحمايتها، والمطلب الثانى يتمثل فى ضرورة العمل على عدم استهلاك قوات الجهاز، والمطلب الثالث يتمثل فى إعطاء الفرصة للوزير الذى يتم تعيينه فى الوزارة لكى ينفذ فكره ومنهجه بدلا من تغييره كل ستة أشهر، والمطلب الرابع يتمثل فى تحسين صورة ضباط الشرطة إعلاميا وإبراز الجهود التى تبذلها الشرطة لتحقيق الأمن والاستقرار، أما المطلب الخامس فيتمثل فى ترك إدارة الجوازات لجهة مدنية وترك إدارة المرور لجهة مدنية أخرى. ∎ متظاهرون ومخربون وحول حقيقة توريط الشرطة فى مواجهة الشعب بأوامر من النظام الحاكم، أكد المقدم طارق سرى المتحدث الإعلامى باسم نادى ضباط الشرطة: أن الشرطة ليس لها أن تنتمى لأى فصيل أو تدافع عن وجهة نظره لأن دورها فقط هو تأمين المنشآت وحماية المواطنين، ولو وجهت إلى الضباط تعليمات بدون غطاء قانونى، تنفيذا لسياسة الرئيس مرسى فلن يتم تنفيذها خاصة هذه الأيام، منبها إلى أن ما حدث يوم 82 يناير لن يتكرر مرة أخرى. وأضاف: لم يتم توريط ضباط الشرطة لأنهم يؤدون واجبهم المنوط بهم لكنه أصبح صعبا، والفوضى الحادثة الآن ربما تكون وراء ذلك، إضافة إلى ضعف الشرطة فى مواجهة المخربين لنقص التسليح، فضلا عن الضغط الإعلامى المتكرر وغير المبرر فى بعض الأحيان. وفيما يتعلق بكواليس ما دار خلال لقاء رئيس الوزراء ووزير الداخلية بضباط وجنود الأمن المركزى قال إن الوزير وعدهم بالسماح بالخرطوش المطاطى إضافة إلى استخدام سدارى واقية على الصدر لحماية الضباط والجنود من الرصاص. وفيما يخص الهدف من إنشاء نادى لضباط الشرطة، شدد المقدم سرى: لابد من وجود صوت حر من داخل الجهاز يعبر عن الضباط والجنود بغض النظر عن توجهات وزير الداخلية والسياسات المطلوب تنفيذها، لافتا إلى أن النادى لعب دورا مهما فى تصعيد مسألة عودة التسليح لرجال الشرطة أثناء الجلسة التى جمعت بين رئيس الوزراء ووزير الداخلية وضباط وجنود الأمن المركزى. وحول الحلول المطلوبة لعودة الاستقرار للشارع خلص إلى القول إن الحل الأمنى ليس هو الحل الأمثل، لابد من حل سياسى، بأن تجلس القوى السياسية على طاولة مفاوضات واحدة من أجل الحوار ولم الشمل وبدون شروط مسبقة، ويتنازل كل طرف عن أطماعه السياسية حتى لا تسقط الشرطة مرة أخرى، وتعود أزمة الفراغ الأمنى من جديد، وربما يصل الأمر هذه المرة إلى حرب أهلية لا يحمد عقباها. ∎ التظاهر السلمى وعن ادعاءات عودة الشرطة مؤخرا إلى استخدام العنف مع المتظاهرين نفت وزارة الداخلية فى بيان لها ذلك، قائلة إن الوزارة تؤكد إيمانها الراسخ بحق المواطنين فى التظاهر والتعبير السلمى عن الرأى، وتسعى بكل ما تملك من جهد وطاقة إلى تأمين أبناء الوطن حال ممارستهم لهذا الحق، إلا أن قوات الشرطة رغم ذلك تواجه باعتداءات نوعية غير مسبوقة صاحبها ظهور جماعات تنتهج العنف ويحوز أعضاؤها مختلف أنواع الأسلحة. وحول ما يتردد عن تعمد بعض المتظاهرين تصعيد الاشتباكات مع الشرطة أوضحت أن الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية رصدت بعض العناصر المندسة باستغلال التظاهرات السلمية وتصعيد محاولات هذه العناصر لاقتحام العديد من المنشآت الحكومية، واستهداف عدد من المرافق الخدمية العامة، واقتحام بعض المنشآت السياحية، بل وامتدت هذه الاعتداءات إلى تعطيل مرفق السكة الحديد وقطارات مترو الأنفاق وقطع كوبرى 6 أكتوبر وكوبرى قصر النيل. وأضافت أن الأجهزة الأمنية رصدت كذلك قيام تلك العناصر المندسة بتهديد عدد من المنشآت الدبلوماسية بمحيط منطقة جاردن سيتى، والاعتداء على العديد من المنشآت الشرطية، مستغلين فى ذلك تزايد تفاعلات المشهد السياسى خلال المرحلة الحالية. وأكد البيان أن قوات الشرطة تصدت لكل هذه التجاوزات، وتمكنت بعد جهود مضنية من إحباطها، كما نجحت أجهزة الأمن بمساعدة المواطنين الشرفاء من ضبط عدد ممن استغلوا تلك التظاهرات السلمية وقاموا بأحداث عنف وتقديمهم للعدالة. وبشأن تأثير حالة الاحتقان السياسى على الحالة الأمنية فى الشارع المصرى، نوه البيان إلى أن استمرار تفاعلات المشهد السياسى بوضعها الحالى سيلقى بظلال كثيفة على استقرار الحالة الأمنية التى يسعى الجميع إلى تحقيقها، مجددا تأكيده على عقيدة وزارة الداخلية الثابتة التى تضع صوب أعينها تحقيق أمن وسلامة المواطنين فقط، وتنأى بنفسها بعيدا عن تفاعلات المشهد السياسى. وشدد المتحدث الرسمى باسم وزارة الداخلية على أن الوزارة عازمة من منطلق قيامها بواجبها الوطنى وسعيها الحثيث لاستعادة الأمن على مواصلة التصدى لجميع أشكال الخروج عن القانون، واثقة من تكاتف ومساندة أبناء مصر مع جهازها الأمنى، مناشدا جميع القوى السياسية والثورية الاضطلاع بمسئولياتها الوطنية والقيام بدورها فى إيجاد حلول فاعلة للأزمة الراهنة التى تضع على عاتق رجال الأمن أعباء فوق طاقة البشر.