المتدبر لآيات القرآن الكريم يرى بوضوح أن القرآن الكريم له منهج حكيم فى ربط الإنسان بالعلم والمعرفة من خلال منظومة علمية تجمع بين عالم الغيب وعالم الشهادة وذلك من لحظة النشأة الأولى ومرورا بكل مراحل حيات الإنسان على الكوكب الأرضى؛ يظهر ذلك من تدبر الآيات الآتية: قوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29] فماذا كان يساوى الإنسان الجسد وهو حفنة من تراب بدون الروح، منحة الخالق ونعمته الكبرى، والتى لولاها ما كان للإنسان حياة ولا علم ولا معرفة ولا حركة ولا نشاط؟؟!!! وقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِى بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 31] . فمن نعم الله على الإنسان أن عَلَّمه بالتجربة ، لقد أودع فيه القدرة اللغوية التى يتراكم بها العلم وتنمو المعرفة؛ وفى هذا تأهيل وتهيئة وبناء لقدرة الإنسان كى يقوم بمهمته فى إعمار الأرض. {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُجِيبٌ } [هود: 61] وكى يقوم بمهمته فى عبادة الخالق على بينة وبصيرة {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56] _ وفى المقابل كان التعليم بالتجربة والبيان العملى بما فصلته سورة طه، ليعلم آدم عليه السلام يقينا أن له عدوا فى الأرض، وسبيل الأمان منه ... فى الاستجابة لهدى الله ... {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّى هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38] وقوله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } [النحل: 36] وقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] . فعلى مر تاريخ ذرية آدم جعل الله المدد الربانى بالعلم والمعرفة فيما يتصل بعالم الغيب.... بالخالق بالدين.....؛ حيث مصدر المعرفة هنا الوحى.... فى مقابل أن آيات القرآن تشير إلى أن مصدر العلم والمعرفة فى عالم الشهادة ... (أقرأ )، { قُلْ سِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت: 20]. لقد جعل الخالق شواهد الحق وبراهين الإيمان لا تقتصر على الكتاب المقروء (القرآن) الوحى .. بل جعلها أيضا علمية بقراءة الكتاب المنظور فى الكون، لأن العلم محايد لا يجامل أحدا، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِى الْآفَاقِ وَفِى أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } ( فصلت: 53) وفى هذا السياق تأتى آيات القرآن ببيان الإنعام والتفضل من الإله الخالق على الإنسان ، حيث زَوَّده بأدوات المعرفة والإدراك... قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78] - وفى هذا بيان للمسؤولية الشخصية الفردية فى تحصيل العلم والمعرفة ... - كل ذلك يؤكد أن الله تعالى جعل فلاح الإنسان وأمانه فى العلم والمعرفة بجانيبها (الوحى لعالم الغيب والبحث والاكتشاف فى العلوم الكونية لعالم الشهادة) وسبحان الذى خلق فسوى وقدر فهدى.