«كلينتون» عندما تحرش بالبنت الغلبانة «مونيكا» تمت محاكمته وجرجرته بين مكاتب التحقيق، وهيئة المحلفين، والمحكمة، وكانت فضيحته بجلاجل تابعها الملايين على وجه الكرة الأرضية.. لم تكن المحاكمة ل«كلينتون» لأنه لعب بديله من وراء «أم تشيلسى» مع المتدربة الشابة فى البيت الأبيض، ولكن لأنه كذب على الشعب الأمريكى، وحاول إنكار جريه وراء المتدربة، وهذه البلاد المتقدمة من نوعية أمريكا ترفض الكذب وتمنع المراوغة والخداع، وتحب الدوغرى، هناك مسئولون انتحروا أو استقالوا من مناصبهم لشعورهم بالمسئولية عندما ارتكبوا بعض الأخطاء ورفضوا اللجوء للكذب الذى كان يمكن أن يبعدهم عن المساءلة، ولهذا تقدمت هذه الأمم بالصدق، والاعتراف بالخطأ، وتحمل المسئولية، وخضع «كلينتون» للتحقيق أمام أصغر وكيل نيابة، ولم يأمر مديرية أمن واشنطن بالقبض على مونيكا واحتجازها لاجبارها على تغيير أقوالها، ولم يصدر تعليمات بتسليمها لمباحث أمن الدولة لانتزاع أقوال تفيده فى التحقيق، كما لم يأمر كلينتون الميليشيات بمحاصرة المحكمة لإرهاب القاضى، ولم يساوم مونيكا على وظيفة مرموقة، أو تشغيل أفراد أسرتها، ولكنه امتثل لطلب الاستدعاء، وللعدالة معصوبة العينين التى لا تعرف الفرق بين الرئيس والمرءوس، ولا الأمير والحقير. شئ من ذلك الرقى والتحضر الذى يحدث فى العالم الأول ينقصنا، ونحتاج إلى تقليده حتى ننتقل من مقاعد الدرجة الثالثة إلى الدرجة الأولى واحنا فيها، تاهت ووجدناها، عندنا أزمة طازة ممكن أن نبدأ منها رحلة التقدم للأمام وهى أزمة مبيض المحارة حمادة صابر الذى جردته قوة أمن مركزى، من ملابسه أمام قصر الاتحادية، ومرمطت به الأسفلت وهو عار تماما من ملابسه كما ولدته أمه، وشاهد العالم أجمع عورته على الشاشات وهو يتقلب على الأسفلت من شدة الضرب والركل والجر والرفع والنصب الذى مارسه معه رجال الشرطة. ثم تم تهديد «حمادة» بعد نقله إلى مستشفى الشرطة لاجباره على تغيير أقواله، وإلصاق تهمة تعذيبه بالمتظاهرين أمام قصر الاتحادية. ونفذ حمادة تعليمات البهوات، ثم تراجع وتمسك بالحقيقة بعد قيام النيابة بتحريره من قبضة الداخلية ونقله إلى مستشفى عام. واقعة تعذيب هذا العامل البسيط الغلبان وإهدار كرامته هو عمل إجرامى لا يجب أن يمر بدون عقاب، العالم كله استنكر هذه الجريمة واعتذرت مذيعة الC.N.N عن صعوبة عرض الفيديو الذى يكشف وحشية رجال الشرطة مع مواطن بسيط وطالبت الأمهات والأباء بمنع أطفالهم من مشاهدته وأضافت تعليقات الإعلام الخارجى على هذه الفضيحة بأن سحل المواطن المصرى رسالة بأن لا شئ تغير فى مصر عن عهد مبارك، وأن اشادة الرئيس مرسى بإدارة الشرطة للأزمة أثارت غضب الشارع المصرى. الحكومة ضبطت متلبسة بارتكاب جريمتين: سحل المواطن والكذب للهروب من الجريمة، هاتان الجريمتان كفيلتان باسقاط نظام الحكم بالكامل، لو حدثتا فى دولة من دول العالم الأول الذى يحترم حقوق الإنسان وأقل إجراء يجب أن يتخذ نظامنا حاليا لاستعادة هيبة الدولة المهدرة هو أن تقدم الحكومة استقالتها، ويتم إحالة وزير الداخلية وقوة الأمن المركزى التى ارتكبت واقعة السحل للمحاكمة.. كما يجب أن يفى الرئيس مرسى بما قاله قبل انتخابة بأن مسئوليته عندما يصبح رئيسا هى منع سفك دماء المصريين، وقوله ل«عمر سليمان»: إن ولى الدم لن يتركك وقل أحاكم ولا تقل أحاسب. حاكم القتلة يا سيادة الرئيس هو أقرب للعدل، بل هو العدل نفسه.