الحسين قبل انفصال جنوب السودان كان الظن أن النشاط التنصيري موجه إلى الجنوب ومنطقة جبال النوبة بولاية جنوب كرفان. ومع اكتمال مشروع الانفصال المدعوم دولياً؛ كان الظن سائداً بأن السودان بعد الانفصال بمنأى عن النشاط التنصيري.. لكن وسائل الإعلام السودانية انشغلت الأسابيع الماضية بأخبار نشاط تنصيري يجري بجرأة مدهشة في العاصمة مستهدفاً كل قطاعات الشعب بمن في ذلك الذين يتحلقون حول بائعات الشاي في الأماكن العامة.. جهاز الأمن والمخابرات الوطني ضبط شبكة من الأجانب من جنسيات مختلفة وهي تمارس نشاطاً تبشيرياً وتنصيرياً واسعاً انطلاقاً من إحدى الشقق المفروشة بأحد أحياء العاصمة الخرطوم.. عناصر الشبكة يستغلون بالضرورة بسطاء الناس وشرائح الضعفاء في الأحياء الطرفية للعاصمة.. قصص عديدة عن تعرض فتيات وشبان للتنصير، إحدى الأسر السودانية اقتلعت ابنتها الجامعية اقتلاعاً من بين أيدي المنصرين، بعد اختطاف طاف بها مصر ودولة جنوب السودان انتهاءً بإثيوبيا حيث خاض والدها معركة شرسة حتى حظي بابنته بعد غياب دام عدة أسابيع. تهديدات اجتماعية ماثلة وضعت الدولة في مهب عاصفة العولمة والتنصير.. في العام (2009م) أعلن عن ضبط (50) كرتونة تحوي (3400) نسخة من الإنجيل بمقر منظمة أمريكية تدعى (لا مزيد من العطش) بواسطة سلطات ولاية شمال دارفور.. في نوفمبر الماضي أطلق "عثمان محمد يوسف كِبر" والي شمال دارفور صرخة مدوية معلنا عن تسرب أقراص مهلوسة تسمى (بالطفل الهارب) وسط الشباب تعمل على خلق الاكتئاب النفسي وانهيار قوة الشباب البدنية وتؤثر على الرجولة.. قبل صرخة "كِبر" بعدة أسابيع أعلنت وزارة الداخلية أن نسبة تعاطي هذه السموم في ارتفاع وبلغ من تعاظمها أنها تجاوزت نسبة (300%).. في أعقاب سقوط الإمبراطورية العُثمانية أصبح التغريب أشدّ خطورة ليس على الأمن الثقافي فحسب، وإنما على الأمن القومي الإسلامي برمته. فالتنافس المحموم بين الإرساليات الكاثوليكية والإنجيلية أدى إلى قيام منظومتين ثقافيتين عالميتين، هما الفرانكوفونية والأنجلوساكسونية. وهما إلى اليوم تخوضان (حرباً) ثقافية باردة بمعنى أن الصراع الدائر بينهما لم يعد يقتصر، كما كان بالأمس على التبشير؛ وإنما تخطاه إلى كل ما يمت بصلة إلى الشؤون الثقافية والفكرية والإعلامية والفنية والأدبية والعلمية والتكنولوجية واللغوية وغيرها. وما يستدعي الانتباه أن المنطقة العربية والإسلامية لا تزال محور هذا التنافس وموضع تجاذب كبير من جانب المنظومتين، بحيث لم يخل أي قُطر من الأقطار من تأثير كل منهما فيه. اليوم يتأكد أننا أمام معطيات محددة تفرزها العولمة من أبرزها أن هذه العولمة مصدرها ومركزها الغرب؛ وأنها ليست أدوات ووسائل تقنية حديثة أو أنماط إنتاج جديدة بل هي مضامين قيميّة وثقافية ودينية.. لذا يجب النظر باهتمام إلى الجوانب الخفية لبريق العولمة. وليس خافياً أنه عندما يطلق الغربيون ومن شايعهم من المتغربين تعبير "الحضارة" غالباّ ما يقصدون به الحضارة الغربية بكل زخمها. كل شعب من الشعوب معتز بحضارته، فهو بالضرورة في قفص اتهام معاداة الغرب وحضارته وبالتطرف وربما بالإرهاب. العولمة والتنصير والتغريب مترادفات وظلمات بعضها فوق بعض.. الهدف ترويض الهمم لنصبح على استعداد لقبول أي شيء ثم إعادة تشكيل أفكارنا وأحلامنا بوسائل عديدة تبدأ بالإغاثة والإنجيل وتنتهي بالمدفع والدبابة.. والفرانكوفونية والأنجلوساكسونية وجهان لعملة واحدة نقلا عن صحيفة الشرق القطرية