في ميدان الشهيد عبدالمنعم رياض بمدخل منطقة نمرة 6 بمدينة الإسماعيلية وعلى مقربة عشرات الأمتار من موقع استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض في 9 مارس 1969 على الضفة الغربية لقناة السويس يقبع تمثال الصمود المصنوع من شظايا ومخلفات القنابل الاسرائيلية التي دكت مدينة الإسماعيلية مابين عامي 1967 و1973 والتي قتلت الشهيد عبد المنعم رياض. هذا التمثال الذي يعد الأول من نوعه المصنوع من شظايا الآلة العسكرية والذي مر على صنعه ما يقرب من 54 عاما لا زال يحيكي لكل من يمر بجانبه حكايات الشهداء ويحرر بالشظايا قصة صمود شعب. فمن بين أشلاء الضحايا المدنيين التي تناثرت في شوارع الإسماعيلية جمع الفنان جلال عبده هاشم ابن الإسماعيلية وقائد المقاومة الشعبية بالإسماعيلية حينذاك مكونات تمثاله ... شظايا اختلطت فيها رائحة الدم بالبارود وعلقت بها بقايا من رفات الشهداء لتشهد كل شظية من 4500 شظية صنع منها التمثال على حكاية ومأساة مختلفة. التمثال الذي يصل طوله لنحو متر ونصف على هيئة جسد مقاتل مدني يرفع بيده اليمنى بندقيته ويحمل في اليد الاخرى دانة مثبتا على عشرات من الشظايا وبواقي الصواريخ استغرق صنعه نحو شهر ونصف قام بها صانعه وسط ظروف طارئة واستثنائية وتحت وطأة الغارات العسكرية. يقول جلال عبده هاشم تاجر الاثاث الشهير بالإسماعيلية -صانع التمثال -واحد قيادات المقاومة الشعبية طوال فترة حرب الاستنزاف:ما فعلته الة الحرب الإسرائيلية بمدينة الإسماعيلية في شهر يوليو عام 1967 من ضرب المدنيين في الأسواق والميادين وقصف المنازل والمستشفيات وسقوط مئات الأبرياء كان الدافع لي للقيام بصنع تمثال من الشظايا التي ملأت شوارع المدينة. فجمعت من بين رفات الضحايا ومن على جدران المنازل المهدمة بالشوارع الآلف الشظايا مختلفة الأحجام من بقايا الصواريخ والقنابل والدانات. وتحت إطلاق القذائف وضجيج الصواريخ ومع ظروف الحرب القاسية صنعت التمثال الذي استغرق شهرين من العمل المتواصل بدأت فيها بعد عام من استمرار الغارات على الإسماعيلية. ويضيف استعنت بجاري سامي الليثي الذي كان يعمل لحاما للحام أجزاء التمثال مختلفة الأحجام بالكهرباء وتحت وطأة انقطاع الكهرباء لظروف الحرب استغرق إتمام التمثال نحو شهرين تقريبا. وحرصت وقتها على إلا يشاهده أحد من الصحفيين الذين كانوا متواجدين بالإسماعيلية حينذاك لتغطية الحرب الإخبارية حتى يكتمل للنهاية. ويقول هاشم بعد أن انتهيت من التمثال الذي صنع من 4500 شظية مختلفة الأشكال والإحجام قمت بوضع التمثال أمام محل الموبيليا الذي امتلكه بحي المحطة الجديدة بالإسماعيلية فحاز على إعجاب الأهالي ممن كانوا يعيشون بالمدينة وتم استبقائهم بعد أن صدرت قرار جمهوري بتهجير الأهالي خارج المدينة لظروف الحرب. ويقول "كان غرضي من عرض التمثال أن يراه أكبر عدد من المصريين ليكون محفزا لهم" ويضيف: قمت بنقله على نفقتي الخاصة لمقر نقابة الصحفيين بالقاهرة حيث حاز على إعجاب الجميع وتناول عرضه صحافيا في عدد من المجلات والجرايد القومية والعالمية .ورغم ثقله الذي بلغ نحو 312 كيلو جرام تقريبا إلا أن التمثال تقل لعشرات الأماكن والتجمعات الطلابية حيث تقل للعرض داخل معرض القاهرة الدولي للكتاب لمدة ثلاثة اسابيع فيما تم نقله إلى مقر كلية الآداب بجامعة القاهرة كما نقل لعرضه بعدد من الجامعات المصرية وخاصة ممن انتشر فيها تواجد أهالي القناة المهجرين من المدينة وذلك لشحذ الهمم وحتى يكون الباعث على صمود الشعب المصري أمام مرارة هزيمة النكسة وضربات العدو الإسرائيلي الموجعة لمدن قناة السويس .ويشير انه عرض لفترة من الوقت بميدان روكسي وهو أحد الميادين الشهيرة بالقاهرة. ويقول هاشم منحني الرئيس المصري محمد أنور السادات درع النصر في أول احتفالية بأعياد نصر 6 أكتوبر فيما كرمتني سفارة فيتنام على عمل تمثال الصمود كما منحني محافظين الإسماعيلية السابقين ومنهم الدكتور عبدالمنعم عمارة واللواء عبدالعزيز سلامة شهادات تقدير. لكن أكثر تكريم أعتز بي هو تكريم محمود أمين عمر محافظ الإسماعيلية في زمن الحرب حيث منحني مكافأة خمسة جنيهات في وقت كان يتم فيه التقشف في المصروفات الحكومية لأجل المجهود الحربي. وقال لي المحافظ وقتها "أنا كسرت القانون ومنحتك هذا المبلغ لعملك الضخم" وكان يقصد به تمثال الصمود ويضيف أن المبلغ كان يعد كبيرا بمقاييس الوقت وظللت احتفظ بالمبلغ حتى هذه اللحظة ولم أصرفها لتكون تذكارا. ويقول عرض عليا أحد الضباط بالبوليس الدولي شراء تمثال الصمود بمبلغ ألف جنيه استرليني ليتم عرضه في مقر الأممالمتحدة إلا أنني رفضت بشدة لأن التمثال صنعته من أجل المواطن المصري ليعرض في أحد الميادين ليكون شاهدا دائما على العصر والحدث.