الخبز، الوقود، الأمن، القمامة، المرور، خمس قضايا حمل الرئيس مرسي علي عاتقه مهمة حلها منذ توليه المسئولية في 30 يونيه الماضي، ومنح لنفسه مهلة لمدة مائة يوم للقضاء علي كل هذه المشكلات، ومرت المائة يوم الأولى ولم تحل المشكلات، ثم ها هي المائة يوم الثانية تمر أيضاً، والمشكلات كما هي. معاناة يومية يشعر بها المصريون في كل المحافظات، طوابير الخبز مازالت تحتل مساحة كبيرة من يوميات المواطن المصري، أضيفت إليها طوابير السولار والبنزين التي ما تكاد تختفي حتي تظهر من جديد، حتي وصل الأمر إلي تقاتل المصريين للحصول علي جركن بنزين أو سولار. مازال الأمن مفقوداً في الشارع المصري، وأكوام القمامة تملأ شوارع القاهرة والمحافظات، ومازالت أزمة المرور تمثل معاناة يومية لكل المصريين، خاصة في العاصمة التي أصبحت حركة السير فيها أشبه بالمستحيلة. في أول خطاب له بعد توليه المسئولية، وعدنا الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية بحل المشكلات الخمس الأكثر ارتباطاً بالمواطن المصري خلال مائة يوم، وعاهد الرئيس المواطنين علي حل مشكلات القمامة والمرور ورغيف الخبز والأمن والوقود، باعتبار أن حل هذه المشكلات سيؤدي إلي شعور المصريين بأن النظام تم تغييره بالفعل، وبأنه بدأ يحيي ثمار ثورته، وبعد المائة يوم الأولي خرج علينا الرئيس معلناً أنه حل 70٪ من المشكلات التي وعد بها، إلا أن موقع «مرسي ميتر» علي الإنترنت الذي أنشئ خصيصاً لتقييم أداء الرئيس خلال المائة يوم الأولي، أكد أن الرئيس حقق 15٫6٪ فقط من الوعود التي تعهد بتنفيذها، وأنه نجح فقط في تنفيذ 9 وعود من أصل 64 وعداً كان قد ألزم نفسه بتنفيذها ضمن خطة المائة يوم الأولي، وأن هناك 43٪ من المصريين راضون عن أداء الرئيس، بينما هناك 57٪ غير راضين. وأكد الرصد النهائي لبرنامج «مراقبينكم» الخاص بشبكة «مراقبون بلا حدود» أن الرئيس نفذ 5 وعود فقط من أصل 64 وعداً، بينما جاري العمل في تنفيذ 20 وعداً أخري. وكان الرئيس مرسي قد حدد برنامجا للمائة يوم الأولي تضمن 64 وعداً لحل خمس مشكلات، ففي مجال المرور وضع 21 بنداً لتحقيق السيولة المرورية في القاهرة الكبري وعواصم المحافظات، بإلغاء إشغالات محطات المترو وتوفير مواقف جديدة بجوار المحطات لتيسير استخدام المترو لمالكي السيارات، والسماح بمرور الشاحنا والتريلات داخل الطرق الرئيسية والطرق الدائرية من الساعة الثانية عشرة، منتصف الليل إلي الساعة السادسة صباحاً، والسماح بمرور سيارات النصف نقل والربع نقل داخل المدن من الساعة التاسعة مساء حتي الساعة السابعة صباحاً، وإجراء كافة أعمال الصيانة في الكباري والطرق ليلاً بعد الساعة الثانية عشرة مساء والانتهاء منها قبل السادسة صباحاً، وإزالة كافة إشغالات الطرق، وتحديد أماكن لوقوف الميكروباصات في كافة الطرق، وإحداث مرونة في توقيتات حضور وانصراف العاملين بالحكومة والقطاع العام لتفادي دخول وخروج المدارس والجامعات، وتقديم خدمة خاصة لنقل السيدات وطالبات الجامعة، خاصة في أوقات الذروة، وإلزام سيارات الأجرة بوضع عداد لمحاسبة المواطنين، وتوفير خدمة تليفونية وقنوات مرورية إذاعية لتوجيه قائدي السيارات للطرق الأقل ازدحاماً، مع إعادة تخطيط الميادين الكبري وتزويدها بإشارات مرور حديثة لضمان سيولة المرور، واستغلال الأراضي في الفضاء لركن السيارات، والعمل بأنظمة المرور الحديثة التي تشمل إشارات أتوماتيكية وكاميرات مراقبة، وإلغاء نظام المخالفات الروتينية التي تتم بشكل عشوائي، وإلغاء فكرة كلبشة السيارات التي تعيق الطرق، وتقديم حوافز ومكافآت لرجال المرور، وتخفيض قيمة الضريبة علي المركبة التي تلتزم بقواعد المرور خلال سنة الترخيص. وإذا كان موقع «مرسي ميتر» أكد أن الرئيس لم ينفذ سوي وعد واحد من هذه الوعود ال 21 وهو تقديم حوافز ومكافآت لرجال المرور، فإن باقي الوعود لم يتم تنفيذ أي منها، حيث مازالت أزمات التكدس المروري تمثل عذاباً يومياً للمواطنين بما في ذلك الطرق الرئيسية والدائرية، ومحور 26 يوليو الذي يربط بين القاهرة ومدينة 6 أكتوبر خير شاهد علي ذلك، ويعد طريق مصر الإسكندرية الزراعي والتكدس المروري الدائم بشوارع وسط القاهرة خير دليل علي أن برنامج الرئيس فشل فشلاً ذريعاً في مواجهة هذه المشكلة، خلال المائة يوم الأولي والثانية أيضاً، ورغم أن الرئيس في نهاية المائة يوم الأولي قال إنه يتحمل مسئولية الفشل في عدم تنفيذ برنامجه، إلا أنه لم يتدارك الأخطاء، ولم يعمل علي حل أي من هذه المشكلات، وترك المصريين فريسة للأزمات المرورية في كل المحافظات بل إن مشكلة المرور أصبحت كابوساً يؤرق المصريين جميعاً. وفي قضية الأمن، وضع الرئيس برنامجاً مكوناً من 17 بنداً لتحقيق الأمن العادل في الشارع المصري، وإعادة الثقة والتعاون بين المواطنين وجهاز الشرطة، وتضمنت هذه البنود منح مكافآت وحوافز وترقيات لرجال الشرطة، وهو البند الوحيد الذي أكد «مرسي ميتر» أنه تم تنفيذه، ورغم أن هذا ارتبط في برنامج الرئيس باستعادة الأمن، إلا أن الأمن لم يعد إلي الشارع، والدليل علي ذلك الجرائم اليومية التي تؤكد ضياع الأمان، بينما التزم الرئيس في برنامجه بتبني حملة إعلامية ضخمة لإعادة الثقة بين المواطنين وجهاز الشرطة، وضبط الخارجين علي القانون والبلطجية وإعادة تأهيلهم نفسياً ليكونوا مواطنين صالحين، والتواجد الأمني في الشارع علي مدار الساعة من خلال الدوريات الثابتة والمتحركة، وتشكيل لجان شعبية في الأحياء للتعاون والتنسيق مع رجال الشرطة، وتفعيل الخط الساخن للنجدة، وزيادة عدد نقاط الشرطة بما يتناسب مع التعداد السكاني للمنطقة، والإسراع في تركيب كاميرات مراقبة في الأماكن الحيوية لتسهيل ضبط أي تجاوزات والتعرف علي الخارجين علي القانون واستخدام المروحيات في ضبط الأمن والمرور بالطرق السريعة والمحورية، وتطوير غرف الحجز بالأقسام والمحاكم والنيابات بشكل آدمي، وتعيين ضابط علاقات عامة في كل قسم يتولي توجيه المواطنين والتأكد من حل مشاكلهم، وإعلان أكاديمية الشرطة عن دورات سريعة لخريجي كليات الحقوق والتربية الرياضية والخدمة الاجتماعية لإلحاقهم بالعمل في قطاعات الشرطة الأقل حيوية لتفريغ الضباط المحترفين للعمل بالقطاعات الحيوية، ومكافأة المواطنين الذين يرشدون عن الجرائم أو مرتكبيها، وتفعيل قوانين حماية الشهود، وشراء سيارات شرطة حديثة مزودة بحاسبات لضبط المطلوبين للعدالة وتنفيذ الأحكام بسرعة وبأقل الخسائر. فشل الرئيس أيضاً في تنفيذ هذه الوعود، ورغم تغييره وزير الداخلية مرتين خلال فترة توليه المسئولية، إلا أن هذا التغيير لم يفلح في إعادة الأمن المفقود للشارع. أما القضية الثالثة التي حملها الرئيس علي عاتقه فهي قضية النظافة، حيث أعلن أنه من المستهدف إزالة القمامة من الشوارع وإعادة تجميل الأحياء، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف وضع ثمانية بنود، أولها منح مكافآت وحوافز وترقيات للعاملين بهيئات النظافة والتجميل مرتبطة بتحقيق النظافة، ومنح مكافآت أخري لهم مرتبطة برضا المواطنين عن أدائهم، مع تنظيم حملات توعية إعلامية وخطب علي المنابر لحث المواطنين علي النظافة، وفرض عقوبات صارمة علي السيارات التي تلقي بالمخالفات في الطرق، وتخصيص خط ساخن لنقل مخلفات المباني بأسعار ميسرة، وتكوين لجان شعبية في الأحياء للتعاون والتنسيق مع أجهزة الحكم المحلي في الرصد البيئي والمخالفات، وإلزام هيئات النظافة بإزالة كافة المخلفات من الشوارع والميادين، وتجميع المخلفات والقمامة من خلال الشركات الوطنية والجمعيات الأهلية. وخلال المائة يوم الأولي رصد موقع «مرسي ميتر» أن البند الوحيد الذي تم تحقيقه في هذا المجال، هو حملات التوعية وخطب الجمعة، وفي نهاية المائة يوم الثانية لم يتحقق الكثير، فمازالت القمامة تملأ أرقي شوارع القاهرة، وبعد فشل الشركات الأجنبية لجأت محافظة الجيزة مؤخراً إلي هيئة النظافة مرة ثانية، ورغم محاولات حزب الحرية والعدالة لإنجاح برنامج الرئيس من خلال العمل الشعبي وتنظيم فعاليات للنظافة، إلا أن المشكلة، مازالت قائمة. أما المشكلة الرابعة التي وعد الرئيس بحلها فهي مشكلة الخبز، مستهدفاً توفير رغيف خبز جيد وصحي ومدعوم للمواطنين دون عناء، من خلال 13 بنداً، منها رفع الإنتاجية والقيمة الغذائية لدقيق الخبز، وفصل الإنتاج عن التوزيع، والسماح للأفران بالعمل بعد الخبيز، وزيادة مكافأة الخبازين، ودعم وتقوية المخابز الكبيرة المجمعة، وضبط وزن الرغيف وجودته، وتغليظ العقوبة علي مخالفات الجودة والوزن، وتفعيل جمعيات المجتمع المحلي ذات السمعة الطيبة للمساهمة في توزيع الخبز، ومنح حوافز ومكافآت وشهادات تقدير للمخابز المتميزة، وتيسير تحويل المخابز لاستخدام الغاز الطبيعي، وتمويل تحويل المخابز اليدوية إلي مخابز آلية، ومنح مكافآت وترقيات لمفتشي التموين مرتبطة برضا المواطنين عن أداء الخدمة، وكشف موقع «مرسي ميتر» أن أيا من هذه البنود لم يتم تحقيقه في المائة يوم الأول، وفي المائة الثانية مازالت المشكلات مستمرة، فطوابير الخبز لم تنقطع، ومشاكل التوزيع مازالت مستمرة، خاصة بعد أن لجأت بعض المحافظات لإسناد هذه المهمة إلي حزب الحرية والعدالة أو للجان تابعة له، وهو ما دفع أهالي منطقة جديلة بالمنصورة للتظاهر ضد سيطرة الإخوان علي عملية توزيع الخبز، وحملوا لافتات كتبوا عليها «لا لسيطرة أي كيان أو حزب علي خبز الدولة». هذا بالإضافة إلى سوء حالة الرغيف الذي يعاني منه المواطنون باستمرار، وفي الأيام الأخيرة زادت الشكوي من سوء حالة الرغيف وانخفاض وزنه، وهو ما يعني أن ما يحدث علي أرض الواقع عكس ما وضعه الرئيس برنامجه. أما في مجال الوقود، فقد حمل الرئيس علي عاتقه مسئولية توفير كافة أنواع الوقود دون عناء في جميع أنحاء الجمهورية، ووضع لذلك 5 بنود، منها توصيل أسطوانات البوتاجاز للمواطنين في بيوتهم بالتنسيق مع الجمعيات الأهلي والتموين والمحافظة، وتكليف مفتشي التموين بمصاحبة سيارات نقل الوقود من المستودع للمحطات مقابل مكافآت مجزية، وتوظيف الجمعيات الأهلية في مراقبة كميات الوقود الداخلية والخارجية من المحطات، ومنح حوافز ومكافآت للمحطات المتميزة، وإنقاذ عقوبات رادعة لمهربي الوقود والمتعاملين معهم، وهو البند الوحيد الذي تم تنفيذه من البنود الخمسة خلالا لمائة يوم الأولي، أما باقي الوعود فمازال الرئيس وحكومته عاجزين عن تنفيذه، فأزمة الوقود تفتك بالمصريين، وسعر أسطوانة البوتاجاز وصل إلي 50 جنيها في بعض المحافظات، وبدأت حكومة قنديل في الحديث عن تطبيق نظام الكوبونات في 15 ديسمبر الماضي، ثم تم تأجيل التنفيذ إلي يناير الجاري، ثم اعترض حزب الحرية والعدالة مطالباً بتنفيذها في شهر أبريل المقبل بعد انتخابات مجلسي الشعب، خوفاً من تأثير العمل بالنظام الجديد علي نتيجة الانتخابات، حيث سيؤدي هذا النظام إلي رفع السعر الرسمي للأسطوانة إلي 25 جنيهاً، بينما ستباع خلال بطاقات التموين مقابل 8 جنيهات، أي ضعف سعر البيع الحالي تقريباً، ومع وجود آلاف الأسر التي تمتلك بطاقات تموينية، فمن المتوقع أن يؤثر هذا النظام علي ميزانيتها. ومازالت مشكلة البنزين والسولار تعد من أكبر المشكلات التي فشل الرئيس مرسي في حلها، فالطوابير تغلق الطرق الرئيسية، والسوق السوداء تلتهم جزءا كبيرا من الدعم الموجه لمواد الطاقة ولم يختلف الأمر كثيراً في المائة يوم الثانية عن المائة يوم الأولي، ومازالت الحكومة عاجزة عن حلها، حتي أنها قررت تطبيق نظام كوبونات البنزين علي السيارات أقل من 1600 سي سي في شهر إبريل الجاري، وهو ما يعني بدء العمل بنظام تحرير أسعار البنزين 80، 90، 92 بعد أن تم تحرير سعر البنزين 95، حتي أصبحت مشكلة الوقود كارثة راح ضحيتها أرواح العديد من المواطنين نتيجة المشاجرات أمام محطات البنزين في كل محافظات مصر. هذه هي المشكلات الخمس التي وعد الرئيس بحلها خلال المائة يوم الأولي، وها هي المائة يوم الثانية، قد مرت أيضاً، ولم تحل أي منها، ومازال المواطن المصري يعاني من كل هذه المشكلات التي تنغص عليه حياته، يضاف إليها شبح الإفلاس الذي أصبح يخيم علي مصر ويهدد المواطنين بمستقبل مظلم.