ستظل السينما هي الراصد لذاكرة الثورات والشعوب والثورة التونسية التي كانت بمثابة الشرارة للربيع العربي التي تداولتها العديد من الأفلام الوثائقية والدرامية.. ومع ذلك مازال هناك الكثير لم يقل بعد. يشير المخرج التونسي منجي الفرحاني، في فيلمه الوثائقي «الشرارة» علي الأسباب الحقيقية للثورة في تونس، مشيراً إلي أن عمله يشكل اعترافاً بالجميل للذين ساهموا فيها.. ويقول الفرحاني: «أسعي للإجابة عن بعض التساؤلات حول الأسباب الحقيقية لانطلاق الشرارة الأولي للثورة التونسية من محافظة (سيدي بوزيد) وكذلك لرد الاعتبار للذين ساهموا فيها». وينطلق الفيلم بمشهد للمحامي التونسي عبدالناصر العويني الذي تحدي حظر التجول ونزل إلي شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي المقفر إثر الإعلان عن فرار الرئيس التونسي «زين العابدين بن علي»، ليردد عالياً مقولته الشهيرة التي هزت التونسيين: «يا توانسة يلي عذبوكم.. يا توانسة يلي قهروكم.. يا شعبنا يا عظيم.. يا شعبنا يا غالي.. تنفس الحرية الآن.. بن علي هرب.. المجرم هرب.. تحيا تونس العظيمة.. المجد للشهداء.. وشعب تونس حر». وأما فيلم «القناص» الدرامي فيروي قصّة مغترب تونسي يدعي «مجيد» قضي 16 عاماً في المهجر، وعاد إلي وطنه بعد الثورة بقصد الكشف عن «القناص» الذي اغتال أخاه الصحفي «شكيب» برصاصة في الرأس في أحداث سيدي بوزيد واختار المخرج التونسي يسري بوعصيدة من خلال فيلمه الجديد «القناص» إعادة إثارة قضية ما يعرف بالقناصة الذين تورطوا في قتل المتظاهرين خلال الثورة التونسية، ويقول المخرج: إنه حاول عكس الآراء المختلفة داخل المجتمع عن فكرتهم للقناصة، لافتاً إلي أنه طرح كل الفرضيات تقريباً عن المشتبه بتورطهم مع القناصة مثل جهاز أمن الدولة والأمن الرئاسي ل «بن علي» وعصابات الطرابلسية (أصهار بن علي). وهناك الفيلم التونسي «الثورة تتكلم» من إخراج كريم يعقوبي، والفيلم التونسي «مانموتش» من إخراج نوري بوزيد وسيناريو نوري بوزيد وجمال لمان، ويتناول الفيلم المجتمع التونسي بعد الثورة من خلال قضية الحجاب، مستعرضاً قصة حياة فتاتين، الأولي رفضت ارتداء الحجاب لعدم اقتناعها، رغم ضغوط الأم والخطيب، وهو الممثل لفئة من رجال الأعمال الانتهازيين الذين رأوا بعد الثورة أن مصالحهم مرتبطة بالحركة الإسلامية.. أما الفتاة فنموذج المرأة الحرة في الاختيار والعمل وفضلت حريتها علي الحب أو الزواج.. والنموذج الثاني المختلف تماماً، فهي نموذج فتاة تونسية رفضت نزع الحجاب رغم ضغوطات رئيسها في العمل الذي ما زال يتحرش بها. فاقتناعها بحجابها دفعها إلي ترك العمل الذي كان مصدر رزقها، لاسيما أنها متكفلة بمصاريف عائلتها.. الطريف أن الفتاتين المحجبة وغير المحجبة شاركتا في المظاهرات وهما صديقتان حميمتان، أي أن الاختلاف - حسب وجهة نظر المخرج - لا يفسد للود قضية. ثم إن ثورة تونس جمعت كل التونسيين رغم الاختلافات. وهناك شخصية أخري من المجتمع، وهي شخصية الشاب العادي الذي دخل إلي السجن وخرج منه بعد الثورة بعد أن أصبح عنصراً ناشطاً في الحركة الإسلامية، وهو شقيق الفتاة الأولي التي لم يقتنع بتصرفاتها وحاول أن يفرض عليها نظاماً حياتياً جديداً غير أن والدهما لم يسمح له بذلك لاسيما أن الوالد إنسان مثقف، وواعٍ بحرية المرأة في المجتمع، وهو بذلك نموذج الشخصية المعقدة المتمسكة بمبادئ الحركة الإسلامية في علاقتها بالفتاة الأولي، بينما حبه للفتاة المرتدية الحجاب دفعه إلي محاولة الاعتداء عليها، وقد تم تهديده من قبل الحركة الإسلامية لأن مصالح الحركة تتضارب مع مصالحه أنها نماذج للواقع التونسي بعد الثورة، لاسيما أن تونس شهدت ارتفاع عدد الفتيات المحجبات باعتبار أن الحجاب كان ممنوعاً قبل الثورة، والمخرج وكاتب السيناريو استخدما القاموس اللغوي الجديد الذي تم تداوله بعد الثورة. ومن أبرز الجمل نجد: «أول مرة نرا خوانجي مزيان»، أو «لولا الثورة لما أصبحتم أبطالاً» أو«نسيت روحك انتي في صغرك كيفاش كنت»، مع الاستعانة أيضاً بالقاموس المذكر بأن الحجاب فرض علي كل مسلمة، وصور الفيلم مشهداً إسلامياً يعتدي لفظياً علي الفتيات السافرات بمحطة الحافلة وكيف أن الرجال يدافعون عنه، والفيلم يميل إلي استخدام الأسلوب الوثائقي في السرد. هناك فيلمان وثائقيان تونسيان، أولهما «ناشطات» للمخرجة سونيا شامخي، والثاني «يوميات الثورة» لمخرجه حبيب المستيري، ويمثل هذا الفيلم، وفق ما ذكر مخرجه، اعترافاً بالجميل للمساهمين في تلك الأيام العصيبة التي مررنا بها وتقديم شهادات مؤثرة بالصوت والصورة، باعتبارها مادة خام آنية لا تضاهيها أية وثيقة أخري، لجميع التونسيين الذين عاشوا تلك الأيام التي شهدتها مختلف المدن التونسية. وهناك فيلم «يلعن أبوالفسفاط»، من إخراج سامي تليلي، وتتردد هذه الكلمات في أرجاء مناجم القفصة التونسية في عام 2008، وكأن مخرج الفيلم الوثائقي سامي تليلي يقول إن الثورة بدأت من ثلاث سنوات، حين تضامن المواطنون معاً واحتجوا مدنياً علي ما يجري، فسكان المدينة يعيشون تحت ظروف صعبة ويتحملون المآسي والأمراض لإنتاج الفوسفات ومع ذلك ليست لهم حقوق فيقررون الإضراب لكي يحصلوا علي حقوقهم الأساسية، والفقر يزداد سوءاً، وعوامل الاضطراب تسكن ثنايا المكان، فأمام وضع سكان المنطقة الهامشي يجدون أنفسهم عرضة للنسيان أو السخرية من قبل وسائل الإعلام الجماهيرية، وبطبيعة الحال كان أولئك السكان عرضة لإهمال نظام «بن علي» لهم.. وفيلم سامي التليلي يتحدث عن موضوع العمال والحقوق المهدرة وتأثير ذلك علي المجتمع العمالي والمدني وربما نحن في حاجة إلي فيلم يقترب مما يحدث في منجم السكري. والفيلم تبدأ أحداثه من يناير 2008 حيث قام العمال بأعمال شغب مستمرة لمدة ستة شهور، لتكون بمثابة أول حركة شعبية لفتت الأنظار إلي الأوضاع السيئة، وقامت السلطة بقمع التحركات الشعبية بوحشية، ومع ذلك ظلت روح تلك الانتفاضة لتجيء بثورة 14 يناير 2011. وفيلم «يلعن أبوالفسفاط» يري أن القضية لم تكن وليدة إشعال «بوعزيزى» في نفسه ولكن من سنوات، وهذا ما كشفه المخرج سامي التليلي من خلال المشاركين في المظاهرات، علي لسانهم بأن الثورة التي خلعت حكم الرئيس التونسي السابق لم تبدأ سنة 2011 بل ولدت في «يلعن أبوالفسفاط».