أي صنايعي حرفي مصري يجبرك حاليا علي القبول بألا يضع يده في شيء يخصك لإصلاحه إلا بعد الغروب!، ولا يعنيه ألا تنام أنت حتي لو استمر في الإصلاح إلي ما بعد منتصف الليل، والصنايعي «بك» يفضل أن يبقي نائما في بيته طوال النهار، ولا يهمه أمر الضحية التي قصدته لإصلاح شيء وتحتاج لراحة أو نوم مبكر بعد قضاء النهار في العمل، وأصبح الشائع أن نسمع في البيوت إلي ما بعد منتصف الليل الخبط والرزع الذي يمارسه البيه الصنايعى، وعليك أن تظل في حالة اعتذار للجيران الذين أصبح النوم عزيزا عليهم ولا سبيل إليه إلا بعد أن يفرغ «البيه» من إصلاح ما لديك، وقد أصبح الصنايعية يتحايلون علي التمسك بالعمل المسائي دون غيره بالحجج والمعاذير المختلفة التي يدعونها من شغل لديهم في النهار عند غيرك، أو قضاء هذا النهار في شراء قطع غيار،أما في يوم الجمعة - العطلة الأسبوعية - فإن الواحد منهم يدعي أنه سيمر عليك بعد الصلاة التي غالبا ما لا يؤديها بل يكون كعادته عند حلولها نائما في المنزل، وهولا يريد أن يعترف لك أبدا بأنه ساهر كل ليلة أمام شاشة التليفزيون التي لا تتوقف عن البث 24 ساعة، فلا يتركها - وحوله العيال وأم العيال - إلا بعد أن تتقرح جفونه أو يتمدد بعد عشاء فلا يستيقظ إلا في الصباح!، ولم يعد الصباح - كما اعتدنا - هو وقت العمل!، في الصيف يتعلل «البيه» بأن الدنيا حر، والشمس لا تحتمل، وهو لا يحب شيئا من هذا، وإذا ذكرت له أنك تعمل في النهار أجابك مستفزا بأنك مضطر أما هو فليس مضطرا مثلك!، ثم يحدثك عن أنه حر في وقته ينظمه كيفما شاء،ويكاد يقولها لك.. إذا ماكانش عاجبك شوف حد غيري! وبعض أصحاب الأعمال في مصر أصبحوا يستخدمون في مشروعاتهم العمال الأجانب من الدول الآسيوية، الذين أصبحوا علامة بارزة في الكثير من الأعمال علي أرض مصر!، وعمالنا يشكون عبر نقاباتهم واتحاداتهم من تفضيل العمال الأجانب عليهم مما خلق بطالة بينهم!، ولكن هذه الشكوي ظاهرها حق وباطنها باطل. فمن صاحب العمل هذا الذي يقبل أن يضيع منه النهار كله في انتظار العامل الذي يأتيه في المساء لكي يبدأ العمل!، وفي كل بلاد العالم مازال العمال أوفياء لفكرة العمل من الصباح الباكر الي الغروب، وإذا فرغوا من وقت العمل حلت مكانهم فرقة أخري لتبدأ وردية مسائية وعيون الجميع - العمال وصاحب العمل - علي الإنتاج إلا عندنا في مصر!، وقد أصبح العمل طوال الليل غرضا مقصودا لذاته في عالم بناء العقارات!، طبقا لوصية ونصيحة المرتشين في المحليات!، فهم بعد «التفاهم» بينهم وبين ملاك العقارات تحت الإنشاء يطلقون لهؤلاء العنان في القيام بتعليات غير قانونية، ومخالفات صريحة في العدوان علي الشوارع وسدها أمام مرور الناس والسيارات، وقد أصبحت هذه قاعدة في دنيا بناء العقارات المخالفة التي لا يعبأ ملاكها بهدير ماكينات خلط المونة وأوناش الرفع طوال الليل، حتي أن الشارع الواحد يتحول الي مهرجان للضجيج لا يمكن لأحد يسكن فيه أن ينام!، أو يتابع - إذا كان ساهرا - نشرة الأخبار أو غيره، ونحن يحلو لنا جميعا - والحكومة قبلنا بالطبع - الحديث عن الإنتاج وحاجتنا الي مضاعفته!، ثم نري الإجماع منا علي إطلاق العنان للسهر والساهرين من المساء حتي صباح اليوم التالي!، وإرسال التليفزيون 24 ساعة بلا توقف حتي لو اختلفت المواد المذاعة أوأصبح سخف معظمها يؤذي العقول والأرواح!، والمقاهي عامرة بالذين يفضلون السهر علي كراسيها عن العمل نهارا أو ليلا!، ولولا حاجة الذين يفضلون العمل ليلا للطعام ما وجدنا أحدا منهم يعمل!، وعبثا تحاول إقناع أحد بالعمل عندك في نهار كامل أو بعضه.